قال عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، اليوم الخميس، إنه يستطيع التفاهم مع الفاعل القانوني، لكنه لا يمكنه إلا أن يتواجه مع الفاعل السياسي “الذي يصرّ على البحث عن زوايا سياسية لتفسير النص القانوني، فيما يحرص الفاعل الأول (القانوني) على الحفاظ على زاوية نظره”، معتبراً أن النقاش في البرلمان بشأن مشروع المسطرة الجنائية “يأخذ منحىً سياسياً كما يأخذ منحىً قانونياً في الندوات واللقاءات والأيام الدراسية”.
وشدد وهبي، خلال يوم دراسي تنظمه فرق الأغلبية بمجلس النواب حول “مستجدات مشروع قانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية في ضوء التحولات المجتمعية”، على أنه لن يرضي الفاعل السياسي على حساب المصلحة القانونية للنص، وزاد: “يمكنه أن يبدي رأيه كما يريد، بيد أن ما يهمني هو النسق القانوني للنص والحرص على ضمان المحاكمة العادلة”.
وتابع الوزير: “لا أتحرج من مناقشة القانون لأن النقاش يرفع من قيمة النص”، مضيفاً أن “الإشكال هو أن القانوني يسعى إلى تجويد القانون، والسياسي يسعى إلى تجويد منصبه وموقعه”، وواصل: “يجب على المسؤول الحكومي أن يكون حذراً من المدّ السياسي، لأن النص القانوني حين يخضع لمنطق السياسة يتّخذُ أبعاداً أخرى. وأنا مقتنع أنه لا يمكن تصحيح نص قانوني إلا بالقانون، بعيداً عن منطق الشعارات”.
كما أشار وزير العدل إلى أن المناقشة التفصيلية لمشروع المسطرة الجنائية داخل لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بالغرفة البرلمانية الأولى “كانت في مبتدئها سياسية خالصة، قبل أن تنتهي إلى شكلها القانوني في نهاية المطاف”، وأردف: “في البرلمان توجد قوّتان: واحدة تسعى إلى تمتين النص التشريعي وأخرى تسعى إلى هدمه بغاية خدمة أجندة سياسية؛ لكنها في نهاية المطاف تلتقي معي في النقاش القانوني، وهذا ما حدث بالضبط”.
وتساءل المسؤول الحكومي: “هل تضمن المسطرة الجنائية المحاكمة العادلة؟”، مجيباً: “الأمر غير مرتبط بالضرورة بالنص لوحده، بل بمدى انفتاح القضاة وقوة المحامين وإمكانياتهم ومدى قدرتهم على تجويد النص بالنقاش. النص لوحده يظلّ يتيماً وبلا أي خدمة يمكن أن يسديها؛ إنه جاف، بوسع القاضي والمحامي فقط منحه حياةً مغايرة”، واسترسل: “لكن هل ينجحون في مؤازرته لنيل حياة أفضل أم سيغتالونه؟ لست أدري”.
وبين الوزير أن “مسؤولية الإدارة هي توفير الإمكانيات المادية، فلربما يعجز هذا النص نفسه في التطبيق”، مشيراً إلى أنه “في الوقت الحالي تتمّ تهيئة مكاتب المعطيات الرقمية بمختلف المحاكم المغربية”، كما وضح أنها “تتضمن حواسيب سريّة مغلقة تخضع مباشرة لسلطة الوكيل العام للملك، ويتولى تحقيق الربط مع مجموعة من مؤسسات الدولة والأبناك”، وزاد: “عارضنا ولوج رؤساء المحاكم إليها، هم حكم لا يمكنه الاطلاع على وسائل الإثبات ضد شخص ما، إنما تقوم النيابة العامة بإعدادها وتقديمها”.
وتابع وهبي: “مازال الخلاف حول هذا الموضوع قائماً إلى اليوم”، لافتا إلى أن “أسئلة أخرى طُرحت بخصوص هل للمحامي الحق في طلب وثيقة معينة من هذه المكاتب للدفاع عن نفسه أو موكله، أو وثيقة لإثبات أمر ما؟”، وقال: “هناك مجموعة من الإشكالات في التنفيذ سيصادفها هذا المشروع. وأتمنى أن يستوعب الوزير الذي سيأتي بعدي أن تنفيذ هذه المقتضيات يحتاج بالضرورة إلى مقدرات مالية يجب أن يحرص على نيلها”.