يحلّ شهر رمضان بروحانيته الخاصة، جالبًا معه تغييرات في نمط الحياة اليومية وفُرصًا لتعزيز قيم التضامن والتآزر؛ غير أن الأشخاص في وضعية إعاقة يجدون أنفسهم، وسط تلك الأجواء الرمضانية، أمام تحديات يومية تستدعي تكييفًا خاصًا يضمن لهم مشاركة متكافئة في أنشطة وخصوصيات الشهر الكريم.
وبين متطلبات الحياة الرمضانية وتحديات التكيّف معها، تُثار تساؤلات وتبرز نقاشات حول حرص المجتمع على ضمان إدماج جميع أبنائه دون استثناء، وعلى رأسهم الأشخاص في وضعية إعاقة، ومدى تعزيز التسهيلات والمبادرات الداعمة لهذه الفئة المجتمعية، من أجل تمكينها من حقها في المشاركة بشكل شامل ومنصف.
فريد لُستيك، رئيس جمعية المستقبل للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، قال إن “شهر رمضان الفضيل يُعدّ شهر الرحمة والمغفرة والتسامح، حيث تتجلى فيه قيم التضامن والتكافل الاجتماعي؛ غير أن هذا الشهر المبارك يأتي بعدد من التحديات للأشخاص في وضعية إعاقة، خاصة لمن يعانون من إعاقات ذهنية أو حركية أو حسية، مما يستوجب تسليط الضوء على بعض الصعوبات التي يواجهونها والحلول الممكنة للتخفيف من معاناتهم”.
وأوضح لُستيك، في تصريح لهسبريس، أن “رمضان يفرض تحديات إضافية على الأشخاص في وضعية إعاقة، خاصة الأطفال الذين يدرسون في المدارس العمومية، حيث يجدون صعوبة في التأقلم مع نظام التوقيت المستمر خلال رمضان بالبقاء في المدرسة لساعات طويلة دون انقطاع؛ وهو ما يرهق من هم بحاجة إلى تناول أدوية أو اتباع نظام غذائي خاص. كما أن قضاء الأغراض الإدارية يصبح أكثر تعقيدًا بسبب تغير أوقات العمل في المؤسسات الحكومية والخاصة”.
وأشار الفاعل الجمعوي عينه إلى أن “هذه الفئة تعاني من صعوبات كبيرة في التنقل، خاصة في المدن الكبرى والمتوسطة، حيث تزداد كثافة الحركة في ساعات الذروة قبل الإفطار؛ مما يجعل وسائل النقل العمومي غير متاحة بسهولة”.
وتابع المتحدث سالف الذكر: “بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة الحركية، فإن الوصول إلى وسائل النقل المناسبة يصبح أكثر صعوبة، مما يؤثر على قدرتهم على الذهاب إلى العمل أو المدرسة أو حتى ممارسة أنشطتهم اليومية بشكل طبيعي. أما الأشخاص ذوو الإعاقة البصرية، فيحتاجون غالبًا إلى مرافق أو إلى بيئة تنقل أكثر أمانًا، وهو ما يزيد من تعقيدات تنقلهم خلال هذا الشهر”.
للحد من تأثير التوقيت المستمر على التلاميذ في وضعية إعاقة، أبرز فريد لُستيك، ضمن توضيحات قدمها لجريدة هسبريس، أنه “يمكن اعتماد نظام أفواج وتقليص عدد ساعات الدراسة، مع توفير وسائل نقل ملائمة تتيح لهم التنقل بسهولة بين المدرسة والمنزل، كما أن تكييف ساعات العمل في المؤسسات التي تشغل أشخاصًا في وضعية إعاقة يمكن أن يساهم في تخفيف الضغط عليهم وضمان استمرارية أدائهم دون إرهاق”.
وشدد رئيس جمعية المستقبل للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة على أن “أداء الشعائر الدينية، كصلاة التراويح مثلا، يمثل تحديًا آخر للأشخاص في وضعية إعاقة، حيث إن العديد من المساجد لا تتوفر على ممرات مناسبة أو تجهيزات تسهل ولوج الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية” كما أن الاكتظاظ داخل المساجد يجعل من الصعب على الأشخاص المكفوفين أو ذوي الإعاقات الحسية التنقل بحرية وأمان”.
وأوضح: “على الرغم من أن الإسلام دين يسر، افٕن ضرورة تحسين الولوجيات في أماكن العبادة تظل مسألة أساسية لتعزيز مشاركة الجميع في الأجواء الروحانية لرمضان”.
وفي هذا الصدد، أكد رئيس جمعية المستقبل للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة على “ضرورة تحسين وسائل النقل الدامجة خلال شهر رمضان، سواء عبر تخصيص مركبات مجهزة للأشخاص في وضعية إعاقة أو وضع آليات لتسهيل تنقلهم في أوقات الذروة؛ مما يضمن لهم استقلالية أكبر واندماجًا أفضل في الحياة اليومية”.
وبعدما أبرز فريد لُستيك أن “تحسين ولوج الأشخاص في وضعية إعاقة إلى المساجد يتطلب اتخاذ تدابير عملية، مثل توفير ممرات خاصة، ومقاعد ملائمة، وتوجيهات صوتية للمكفوفين، مما يضمن لهم ممارسة شعائرهم بكل يسر وسهولة”، استدرك قائلا إن “رمضان، رغم التحديات، يتيح فرصًا للأشخاص في وضعية إعاقة للمشاركة في أنشطة رياضية وثقافية تتماشى مع قدراتهم”.
ومن أجل تذليل الصعوبات وتخفيف التحديات التي تواجه الأشخاص في وضعية إعاقة، خاصة في الجانب الرياضي والثقافي في شهر رمضان، اقترح المتحدث ذاته “تكييف برامج التدريب الرياضي لتتناسب مع الصيام، وتقليص عدد الحصص أو تعديل شدتها، وتنظيم فعاليات ثقافية ودينية تعزز قيم التسامح والتكافل الاجتماعي، مما يساهم في دمج هذه الفئة وتعزيز إحساسها بالانتماء للمجتمع”.
وختم فريد لُستيك توضيحاته بالتأكيد على أن “رمضان شهر التراحم والتكافل، ومن الضروري أن يكون شاملاً لجميع الفئات، بمن فيهم الأشخاص في وضعية إعاقة. لذلك، فإن العمل على توفير بيئة دامجة لهم، سواء في المدارس أو أماكن العمل أو وسائل النقل أو المساجد، يُعد خطوة مهمة نحو مجتمع أكثر عدالة وإنسانية”.