آخر الأخبار

أكاديمية المملكة تطلق فعاليات الملتقى الدولي للموسيقى المغربية الأندلسية

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

طربُ آلةٍ يجاور فنونا إسبانية، وعروضٌ علمية، وورشات تكوين في صناعة الآلات الموسيقية، وعزفها، والغناء، والإيقاع، ومعرضٌ خاصّ للآلات وتاريخها فيه تكريم لصنّاعها… كانت هذه أولى أيام “الملتقى الدولي الأول للموسيقى المغربية الأندلسية”، الذي تنظمه أكاديمية المملكة المغربية عن طريق “المعهد الأكاديمي للفنون” و”كرسي الأندلس” التابعَين لها، بشراكة مع سفارة إسبانيا بالمغرب.

وتجمع هذه الأيام تقاليد غنائية من الضفتين، في ثلاث حفلات موسيقية تكشف روابط فنية مستمرة بين المغرب وإسبانيا. كما يجمع الموعد أكاديميين ومهنيين وباحثين مغاربة وأوروبيين وأمريكيين حول “التراث المغربي الأندلسي”.

مصدر الصورة

وفي الجلسة الافتتاحية قال عبد الجليل لحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، إن هذا “حدث يجمعنا حول إرث موسيقي عريق، يعبر عن تلاقح حضاري استمر لقرون بين المغرب والأندلس؛ وهو فرصة ثمينة للاحتفاء بالدور الحيوي الذي اضطلع به المغرب في الحفاظ على هذا الكنز الموسيقي، باعتباره جزءا أصيلا من هويتنا الوطنية، ومَلمحا من مظاهر ذاكرتنا الثقافية العريقة، المرتبطة ارتباطا وثيقا بالإبداع والتميز”.

وعاد لحجمري إلى “جذور من القرون الوسطى، لما كان العرب في الأندلس يمزجون بين عناصر الموسيقى المحلية في شبه الجزيرة الإيبيرة وتقاليد الموسيقى في الشرق الإسلامي؛ فوُلد تراث موسيقي غني، صار أساسا للعديد من الأنماط الموسيقية في المغرب”.

“هذا التراث فن راق يعكس رفاهية العيش، وثقافة النخبة. وبعد سقوط الأندلس في القرن الخامس عشر هاجر العديد من الموسيقيين والأسر الأندلسية إلى المغرب حاملين معهم ذلك التراث التليد، فصار جزءا لا يتجزأ من عناصر الهوية المغربية. وشهدت هذه الموسيقى تطورا متميزا في المغرب، امتزجت مع الألحان المحلية، وأضفت طابعا متميزا يعكس روح المدن المغربية مثل فاس والرباط وتطوان”، يورد الأكاديمي ذاته، مضيفا أنه “في ظل تحديات العولمة يتطلب هذا التراث الموسيقي برامج لترسيخه في الوجدان المغربي، لا تقتصر على الحفاظ على بعده الثقافي فحسب، فهو مجال علمي يتطلب بحثا معمقا؛ إذ يضم ركيزة أساسية تجسد عمق التراث المغربي وثراء هويته، وهو ما سعت الأكاديمية إلى توثيقه بإصدار العديد من المؤلفات المتخصصة، التي صارت مراجع لكل باحث”.

مصدر الصورة

ثم أردف أمين سر الأكاديمية قائلا: “هذه الموسيقى ركن أصيل في التراث الفني، تجمع بين العمق التاريخي والرقي الجمالي؛ وهي تعبير عن هوية ثقافية متجذرة، تعكس تفاعل المغرب مع إرثه الأندلسي وتطوره الموسيقي. والموسيقى الأندلسية تنقل عبر التلقين الشفهي، وهو ما ساهم في نقاء هذا الفن واستمراريته عبر الأجيال. وكان للنساء دور فاعل في صون هذه الموسيقى عزفا وغناء، ما منحها أبعادا متجددة”.

وختم لحجمري كلمته الافتتاحية لـ”الملتقى الدولي الأول للموسيقى المغربية الأندلسية” بقوله: “لا يقتصر الاهتمام بهذه الموسيقى على حفظها، بل يمتد إلى دراستها وتطوير وسائل آدائها، وتعليمها بإدراجها في المقررات المدرسية، وعصرنتها دون مساس بأساسها، عبر ورش علمية وتطبيقية، لتعميق فهم هذا الإرث، وتوسيع آفاق الفهم المشترك، وتجديد الرؤية لهذا التراث الثقافي العريق”.

مصدر الصورة

إنريكي أوخيدا بيلا، سفير إسبانيا بالمغرب، ذكر بدوره أن “الموسيقى الأندلسية كنز حي يربطنا بماض من الازدهار الثقافي، حيث امتزج جنوب أوروبا وشمال إفريقيا، من القرن الثامن إلى القرن 16؛ بتراث مشترك”، وزاد: “نجد أن المدرسة التونسية تمتد جذورها إلى إشبيلية، والمدرسة الجزائرية إلى قرطبة، والمدرسة الفاسية إلى بلنسية، رغم تأثرها جميعا بالمدرسة الغرناطية”، وتابع: “هذا لقاء وطني يعطي قيمة للموسيقى الأندلسية المغربية، بوصفها ذاكرة حية؛ فالنَّوبات المعقدة وأنماطها اللحنية تعكس مدى رقي الحضارة التي استطاعت استيعاب تأثيرات ثقافية متعددة، مثل المستعربين والقوطية والأمازيغية والعبرية وموسيقى الشرق الأوسط والشرق الأدنى. وهذه فرصة للاعتراف بأهم رموز الموسيقى الأندلسية، مثل العبقري الموسيقي زرياب الذي أحدث ثورة في بلاط قرطبة، وأدخل ابتكارات مازالت تؤثر في التراث الأندلسي المغربي إلى يومنا هذا، ومع الحايك وكُنَّاشه”.

ويرى السفير الإسباني أن “الحوار يمكننا من مواصلة دعم هذه الموسيقى والنهوض بهذا الإرث الغنائي الأندلسي”، مردفا: “في إسبانيا نولي اهتماما بالغا لحماية تراثنا الموسيقي الأندلسي، عبر مؤسسات”، عدَّدَها، قبل أن يتمسّك بـ”استمرار البناء على إرثنا” بفضل الفنانين.

مصدر الصورة

عمر المتيوي، منسق الملتقى الدولي للموسيقى المغربية الأندلسية، ذكر بدوره أن هذه الموسيقى المغربية نشأت “بتمازج عناصر شرقية ومغربية، بثراء فني أدى إلى ظهور أشكال شعرية، وأنماط لحنية، وآلات موسيقية أدت إلى تطوير الأداء الموسيقي في العصور الوسطى أثرت في ‘التروبادور’، و’التروفير’، و’المينيسنجر’، ومازالت تُسمع في أنماط تربط جنوب أوروبا بشمال إفريقيا”.

وفي أولى الموائد المستديرة للملتقى سعى الباحث الموسيقيّ أحمد عيدون إلى “هدم خرافات” حول تاريخ الموسيقى بالمنطقة، مع تشجيع على “البناء” أيضا، قائلا إن “الطبوع والطبائع لم تأت عبثا، بل هي امتداد من أيام إخوان الصفا حتى العهد الأندلسي”.

مصدر الصورة

ونبّه عيدون إلى الحاجة إلى “تدوين تقنيات العزف والأداء الصوتي”، و”دراسات حقيقية للعلاج بالموسيقى، عندنا، تشكّل مدرسة مغربية، وتخرج من الخرافة، وتبحث عبر خبراء التداوي بالموسيقى أثر الطبوع”، كما تطرق إلى الحاجة إلى “مختبرات بحث متعددة التخصصات، فيها التاريخي والأدبي والمستقبلي والعلاجي والجمالي والرمزي والموسيقى المقارنة”.

وفي ما يتعلق بهذا الشق المقارن ذكر المتدخل ذاته أن “الفلامينكو يقارن بالعيطة مثلا، أي غناء الصيحة والألم، لا بطرب الآلة”، وزاد: “ينبغي أن نبتعد عن السهل. والعلم والفن يؤازران بعضهما، وعلينا التسلح بالعلم لإفادة الفن”.

الباحث سفيان اجديرة تطرق من جهته إلى دور الفكر المحافظ في الموسيقى الأندلسية المغربية، منذ العهد السعدي، “ليس فقط لحماية التراث، بل شكّل آلية إبداعية تعيد تشكيل الهوية الثقافية والفنية للمجتمع المغربي، فهو فكر لا يقتصر على استعادة ماضٍ فني؛ بل آلية دفاعية وإبداعية في آن”، لعبت دورا خاصة أثناء “الغزو الخارجي، الاستعمار، الذي أضعف الهوية المحلية، بما في ذلك الموسيقى”.

وتابع الباحث: “الموسيقى الأندلسية المغربية هي الأكثر استجابة للتحولات التاريخية العميقة، نظرا لبلورتها العلمية، عكس أنماط بقت حبيسة الطابع الشعبي والابتعاد عن المواكبة العلمية والنقدية”.

ونبّه المتحدث إلى أن قناعة ضياع الإرث الفني أو أنه مهدد بذلك أطلقت “الذائقة الإبداعية مع الالتزام بالأصول”؛ لذلك فـ”فكرة وجود تيار محافظ في مقابل آخر هو تيار التجديد قد تكون تبسيطية، فهناك توازن بين الاتجاهين في الفكر المتعلق بهذا الفن”، خاتما: “التوجه الأكثر واقعية يتيح إبداعا مستمرا، في إطار احترام الموروث، ولا يلغي الجوهر الثقافي، مع التكيف مع التغيرات الزمنية”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا