تراهن النيابة العامة على تطوير مجال استخدام أدلة الطب الشرعي في التحري والتحقيق في ادعاءات التعذيب بالمغرب، حيث افتتحت، صباح الأربعاء، أشغال الدورة التكوينية الجهوية الثالثة بمدينة طنجة لتعزيز القدرات في هذا الإطار، بشراكة مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وبدعم من مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن.
وأكد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، أن “هذا البرنامج التكويني التخصصي يستحضر الالتزامات الدولية للمملكة المغربية المترتبة عن انخراطها في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان وإرادتها الراسخة في تعزيز حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، من خلال إعمال المعايير الدولية المترتبة عن الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة المغربية في مجال حقوق الإنسان وإدماجها في التشريعات الوطنية واستحضارها في الممارسات اليومية لمختلف المؤسسات والجهات المعنية”.
وذكّر الداكي، في كلمة ألقاها بالنيابة عنه الكاتب العام لرئاسة النيابة العامة هشام بلاوي، بمقتضيات الدستور ولاسيما تلك الواردة في الباب الثاني منه المتعلق بالحقوق والحريات وغيرها من المقتضيات التي عززت الضمانات القانونية والقضائية لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها والتي شكلت منطلقا للعديد من الإصلاحات التشريعية والمؤسساتية ببلادنا، ومن بين تلك المقتضيات ما جاء في الفصل 22 الذي ينص على حماية السلامة الجسدية والمعنوية للأشخاص وعدم جواز معاملة الغير تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة من بالكرامة الإنسانية، وعلى تجريم التعذيب بكافة أشكاله.
وأبرز المتحدث ذاته أن “الفصل 23 عزز الضمانات القانونية الأساسية لحماية حقوق المتهم بما في ذلك الوقاية من التعذيب وسوء المعاملة حيث نص على احترام الإجراءات القانونية المطبقة في حال إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته، و إخبار كل شخص تم اعتقاله بشكل فوري بدواعي اعتقاله وبحقوقه التي منها الحق في التزام الصمت، وتمكينه من الاستفادة من المساعدة القانونية، والاتصال بأقربائه طبقا للقانون.
كما نص هذا الفصل، يضيف الداكي، على ضمان قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة وتمتيع الشخص المعتقل بحقوق أساسية وبظروف اعتقال إنسانية، وهي الضمانات القانونية الأساسية التي كرسها قانون المسطرة الجنائية في المادة 66 منه ولا سيما الحق في الاتصال بمحام والحق في التزام الصمت والحق في الاتصال بالأقارب.
وحسب النيابة العامة، فإن هذه الدورة تأتي “تفعيلا لالتزامات بلادنا الدولية في مجال حقوق الإنسان وخصوصا بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب وللمقتضيات القانونية المذكورة”، حيث تحرص رئاسة النيابة العامة على جعل حماية حقوق الإنسان ومكافحة التعذيب من أولويات السياسة الجنائية، وتخصص حيزا من تقاريرها السنوية للجوانب ذات الصلة بالمعالجة القضائية لقضايا التعذيب ومتابعة شكايات ادعاءات العنف وسوء المعاملة.
وشدد الداكي على أن “قضاة النيابة العامة يضطلعون بدور فعال في منع التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة بالحرص على تطبيق المقتضيات القانونية المتعلقة بالوقاية منه ومكافحته، والتفاعل مع الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب المحدثة لدى المجلس الوطني لحقوق الإنسان بموجب البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، وكذا من خلال زيارة أماكن الحرمان من الحرية. هذا فضلا عن التحري والتحقيق في الشكاوى المتعلقة بادعاءات التعذيب المقدمة إليهم، وعرض المعتقلين على الخبرة الطبية كلما اقتضت الضرورة ذلك”.
ولفت أن “المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية تنص على أنه “يتعين على الوكيل العام للملك إذا طلب منه إجراء فحص طبي أو عاين بنفسه آثارا تبرر ذلك أن يخضع المشتبه فيه لذلك الفحص. إذا تعلق الأمر بحدث يحمل آثارا ظاهرة للعنف أو إذا اشتكى من وقوع عنف عليه يجب على ممثل النيابة العامة وقبل الشروع في الاستنطاق إحالته على فحص يجريه طبيب. ويمكن أيضا لمحامي الحدث أن يطلب إجراء الفحص المشار إليه في الفقرة السابقة”.
وأشار الداكي إلى أن “اعتماد هذا البرنامج الخاص الذي يأتي في إطار مواصلة تنفيذ برنامج تعزيز قدرات القضاة في مجال حقوق الإنسان، يشمل، بالإضافة إلى تنظيم أربع دورات تكوينية، على أن يتم تأطيرها من طرف خبراء دوليين من بينهم من شاركوا في إعداد الصيغة المراجعة لبرتوكول اسطنبول وآخرون لهم خبرة وتجربة في هذا المجال، تنظيم دورة خاصة لفائدة الأطباء الشرعيين ودورة خاصة بتكوين المكونين، فضلا عن تكوين فريق يسهر على إعداد دليل وطني خاص بالموضوع”.