تحول غياب النواب عن الجلسات البرلمانية إلى صداع مزمن يؤرق المؤسسة التشريعية، خاصة مع تزايد الانتقادات من طرف الرأي العام وتصاعد الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي حول ضعف التزام البرلمانيين بواجباتهم التمثيلية. وتفاقم الجدل بعد تكرار الغيابات، لا سيما خلال التصويت على مشاريع قوانين مصيرية ذات طابع اجتماعي، مثل مشروع القانون التنظيمي للإضراب، ما أثار تساؤلات حول جدية البرلمان في أداء دوره التشريعي والرقابي.
وفي محاولة لمعالجة هذه الإشكالية التي تسيء إلى صورة المؤسسة التشريعية، كشف مصدر برلماني مسؤول لجريدة “العمق” أن دورة أبريل المقبلة ستشهد تفعيل آليات جديدة لضبط حضور النواب، من خلال استخدام كاميرات مراقبة ذكية سيتم تثبيتها على مداخل قاعة الجلسات، بالإضافة إلى ربط التعويضات المالية بالحضور الفعلي، بحيث تُصرف مباشرة للنواب في حساباتهم، بدلا من تمريرها عبر الفرق البرلمانية كما كان معمولا به سابقا.
وكان غياب 291 نائبا عن جلسة التصويت على مشروع القانون التنظيمي للإضراب قد فجّر موجة غضب على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ لم يحضر سوى 84 نائبا من الأغلبية و20 فقط من المعارضة. ورافق ذلك انتقادات لاذعة للبرلمان، وسط تساؤلات حول مدى جديته في الاضطلاع بمسؤولياته، فيما اعتبر ناشطون هذا الغياب الجماعي تساهلا غير مبرر مع ما وصفوه بـ”النواب السلايتية”.
في سياق متصل، كشفت مصادر “العمق” أن مجلس النواب حصل على ترخيص من اللجنة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي لتثبيت الكاميرات الذكية، والتي كان مقررا العمل بها نهاية يناير الماضي، لكن تأخر وصولها أدى إلى تأجيل تشغيلها حتى دورة أبريل المقبلة.
أما بخصوص التعويضات، فقد قرر مكتب المجلس تخصيص تعويض شهري للإيواء بالفنادق قدره 6400 درهم لكل نائب، أي 1600 درهم عن كل جلسة، بما يكفي لتغطية ليلتين في فندق بسعر 800 درهم لليلة الواحدة، غير أن صرف هذا التعويض سيكون مشروطا بالحضور الفعلي، حيث سيتم التأكد من ذلك عبر مراجعة تسجيلات الكاميرات.
ومع ذلك، يطالب بعض النواب برفع قيمة التعويضات، بحجة أن أسعار الفنادق المصنفة في الرباط مرتفعة، ولا توفر خيارات مريحة تحافظ على مكانتهم الاعتبارية. كما يطالب آخرون بتوسيع نطاق التعويضات ليشمل حضور اجتماعات اللجان، خصوصا للنواب القادمين من مدن بعيدة، حيث يصعب عليهم التنقل لحضور الاجتماعات دون توفير إقامات مناسبة.
وتؤكد مصادر برلمانية مسؤولة تحدثت إليها “العمق”، أن المؤسسة التشريعية تدرك جيدا الضرر الذي يلحقه غياب النواب بصورتها، خاصة لدى الشباب، مما يطرح تساؤلات حول كيفية تحفيزهم على الانخراط في الأحزاب والمشاركة في العمل السياسي، في وقت تقدم فيه المؤسسة نموذجا سيئا عن الالتزام بتمثيل الأمة.