يبدو أن قدر قطاع التعليم في المغرب هو الاستمرار في حالة من “اللااستقرار”، فبعد أن استبشرت الشغيلة التعليمية خيرا بوتيرة اللقاءات المتسارعة التي كان يشرف عليها الكاتب العام للوزارة، يونس السحيمي، ظهر فجأة “بلوكاج” جديد، خاصة بعد انسحاب جامعة معصيد من هذه اللقاءات، عقب اتهامها للسحيمي بمحاولة “تمطيط” الاجتماعات بغرض ربح الوقت وامتصاص غضب الفئات المتضررة. كما اتهمت النقابة السحيمي بالانحياز إلى بعض الأطراف بهدف تصفية حسابات نقابية ضيقة، على حساب مصلحة نساء ورجال التعليم.
ورغم أن الوزارة نفت هذه الاتهامات بشكل قاطع، من خلال بلاغ رسمي نشرته على صفحتها على “فيسبوك”، أكدت فيه حرصها على الاستمرار في العمل المشترك مع الشركاء الاجتماعيين، مشددة على أنها تقف على مسافة واحدة من جميع النقابات التعليمية، إلا أن تداعيات قرار جامعة معصيد ما زالت تلقي بظلالها على مسار المفاوضات والعديد من الملفات العالقة.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر خاصة لجريدة “العمق” عن تصعيد التوتر بين وزارة التربية الوطنية والنقابات التعليمية بعد انسحاب الجامعة الوطنية للتعليم (ا م ش) من الحوار القطاعي في 24 يناير المنصرم، حيث قام الوزير بسحب صلاحيات قيادة الفريق الوزاري المفاوض من الكاتب العام للوزارة، يونس السحيمي، وتكليف مدير الموارد البشرية، محمد أضرضور، بإدارة هذا الملف.
وأضافت المصادر أن انسحاب الجامعة الوطنية للتعليم من اللقاءات تبعه مباشرة اجتماع الوزير مع النقابات الأربع الأكثر تمثيلية، حيث تم الاتفاق على مواصلة اللقاءات بغض النظر عن موقف جامعة معصيد. وقد اجتمعت النقابات مع الكاتب العام للوزارة يوم 4 فبراير الجاري، وكان من المقرر استكمال النقاشات يوم الخميس الماضي، حيث كان اللقاء سيخصص لمناقشة ملف المستشارين في التوجيه والتخطيط والممونين، لكن تم إبلاغ النقابات بتأجيل الموعد إلى أجل غير مسمى.
وأشارت المصادر إلى أن البيان الأخير الذي وقعته النقابات الأربع الاخرى، في محاولة منها للدفاع عن الكاتب العام للوزارة، لم يكن كافيا للحفاظ على صلاحياته، بل تم تجريده منها، ووضعها في سلة القادم من أكاديمية الرباط، الذي أثار الكثير من الجدل خلال الحراك التعليمي الذي شهده القطاع في الموسم الماضي. ولفتت إلى أن هذا القرار يعكس صراعا داخليا بين الأجنحة المختلفة داخل الوزارة، والذي انتصر فيه جناح “أضرضور”، على الأقل حتى هذه اللحظة، وفقا لما ذكرته مصادر “العمق”.
وكانت النقابات التعليمية الأربع الأكثر تمثيلية في قطاع التربية الوطنية، وهي النقابة الوطنية للتعليم (CDT)، الجامعة الحرة للتعليم (UGTM)، الجامعة الوطنية للتعليم (FNE)، والنقابة الوطنية للتعليم (FDT)، قد عبرت في بيان مشترك عن تثمينها للأجواء التي وصفتها بـ”الإيجابية” التي تميز الاجتماعات المتعلقة بتنفيذ اتفاقي 10 و26 دجنبر 2023 والنظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية.
وأشارت النقابات إلى أنها لم تسجل أي إقصاء أو تحيز من طرف الكاتب العام للوزارة تجاه أي من النقابات، مؤكدة أن العديد من الملفات والقضايا المتفق عليها قد بدأ تنفيذها بالفعل بفضل هذه اللقاءات، حيث تم إصدار خمسة تراخيص استثنائية من رئيس الحكومة لتسهيل العملية، وفقا لتعبير المصدر.
وأكدت مصادر جريدة “العمق” أن العديد من القرارات التي تم الإعلان عنها عندما كان السحيمي يقود اللجنة قد تم إلغاؤها بشكل غير معلن، مثل قرار تنظيم مباراة حاملي الشهادات، الذي كان مقررا في 22 فبراير، والذي كان من المفترض الإعلان عنه في السابع من فبراير، إلا أن ذلك لم يحدث.
وتعتقد المصادر ذاتها أن هذا الاضطراب في اللقاءات التعليمية قد يكون متعمدا لإشعال صراع حول الملفات المختلفة في قطاع التعليم وتحويل النقاش بعيدا عن قضايا أخرى، مثل قانون الإضراب. وأضافت المصادر أن بعض الجهات التي ظهرت مؤخرا متحمسة لخوض معارك في القطاع كانت قد رفضت سابقا أي تحرك بشأن هذه الملفات نفسها، قبل بروز ملف الإضراب.
كما استغربت المصادر من عدم توصل الوزارة بالترخيص الاستثنائي الخاص بتطبيق المادة 81، بينما تلقت خمسة تراخيص استثنائية أخرى من رئيس الحكومة لتسهيل الحوار القطاعي. وأكدت المصادر أن الوزير سيلتقي يوم الثلاثاء مع نقابة معصيد، على أن يعقد اجتماعات مع النقابات الأخرى في الأيام التالية، وذلك بهدف بحث إمكانية استئناف الحوار بقيادة أضرضور، الذي يبدو أنه لا يحظى بقبول من بعض القيادات النقابية.
وفي هذا السياق، استنكرت نقابة المتصرفين التربويين، في بيان لها، ما وصفته بـ”الانقلاب” على النهج التشاركي وإغلاق باب الحوار مع الشغيلة التعليمية والنقابات الممثلة لها. ورفضت النقابة سياسة “الأبواب الموصدة”، التي قالت إنها ستعيد الأمور إلى نقطة الصفر بعد فترة من الانفراج التي شهدتها الأوضاع التعليمية.
وطالبت النقابة الوزارة باستئناف الحوار لاستكمال معالجة الملفات المتعلقة بالمتصرفين التربويين، محذرة من أن هذه السياسة قد تؤدي إلى احتقان في صفوف هذه الفئة بسبب ما وصفته بـ”النهج الإقصائي” وعرقلة التنفيذ الأمثل لمضامين النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية الجديد.