صدمة كبيرة حلت بالوسط الإعلامي المغربي، صباح السبت، بعدما نعى مجموعة من الزملاء الصحافيين والإعلاميين والمدونين الزميل الصحافي السابق المحرر بجريدة هسبريس الإلكترونية أيوب الريمي، الذي انتقل إلى جوار ربه بعد صراع مع المرض، ليخلف حزنا كبيرا في صفوف الصحافيين والطلبة الذين تقاسموا معه كراسي الدراسة بالمعهد العالي للإعلام والاتصال.
الفقيد الريمي كان يشتغل صحافيا لدى موقع الجزيرة من العاصمة البريطانية لندن، وأطلق خلال مساره “بودكاست” متميزا موسوما بـ”هنا لندن”، استضاف فيه المؤرخ والبروفيسور البريطاني البارز جيري بروتون ونالت الحلقة إشادات قوية من خلال المعطيات التاريخية الدسمة التي تم تداولها في هذه الحلقة.
ضيف الحلقة الثالثة من “بودكاست” “هنا لندن” الذي يقدمه الريمي، كان هو البروفيسور أمير النمرات، رئيس قسم الذكاء الاصطناعي في جامعة شرق لندن، وأعلن الصحافي الراحل أن “الحديث كان حول [الوحش] الجديد المسمى الذكاء الاصطناعي (AI) هل هو نعمة أم خطر على البشر؟”.
غاب الريمي لمدة شهور طويلة عن مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما كان نشطا من خلالها في تقديم نوع صحافي يراهن على تقريبه من الممارسة المهنية بالمغرب وشمال إفريقي والشرق الأوسط، وهو “الصحافة التفسيرية” التي أغناها بإسهامات مميزة من خلال مشاركته في لقاء نظم بالقنيطرة وحضره عن بعد، وكذلك محاضرة قدمها لمعهد الجزيرة.
محمد بلقاسم، زميل الريمي في تجربة هسبريس وصديقه المقرب، قال: “أيوب أخ كريم من شجرة طيبة، ومعدنه أصيل طيلة سنوات من الرفقة والصحبة لم نسمع منه إلا طيبا”، مضيفا أن “رحيل أيوب في عنفوان شبابه خسارة كبيرة، ليس فقط لأسرته الصغيرة بل لأسرته الكبيرة، فالرجل بما يملك من خبرة ومهنية ممزوجين بحس عال من الإنسانية والأدب يمثل نموذجا للشباب، وخصوصا المشتغلين في الصحافة”.
وزاد بلقاسم، مدير جريدة مدار 21، في شهادته لهسبريس التي كتبها وقلبه يعتصر حزنا على رحيل الريمي، أن “الفقيد يجسد بحقّ نموذجا للصحافي المثالي، في أخلاقه وتكوينه، صحافي يشتغل بصمت نعم لكنه صمت الحكماء، ينأى دائما بنفسه عن كل ما هو غير مفيد”.
ولم يخف بلقاسم أن “رحيل أيوب قاس وموته مفجع، وغيابه كبير”، داعيا له بالرحمة الواسعة والجنة في مثواه الأخير وأن يكون قبره روضة من رياض الجنة.
ونعى صديقه وزميله في تجربة هسبريس هشام تسمارت الفقيد قائلا: “أخي أيوب، ولا أقول صديقي لن أنساك أيها الجميل، كما دأبت على مناداتك. قبل شهر من اليوم، ذرفنا دموعنا معا، في ليل لندني بارد”.
وتابع هشام تسمارت، الصحافي المغربي في منصة بلينكس: “كان العالم يستعد لاستقبال سنة جديدة، وألعاب النار، تدوي في السماء لكننا، كنا نداري لحظة عسيرة، يقال فيها بين المرء وأخيه: وداعا قست عليك الحياة، لكنك آثرت أن تقاوم، شامخا، صلبا، كريما، برباطة جأش قل نظيرها. عليك الرحمة والمحبة والنور.
صديقه المقرب زكرياء كارتي كتب على صفحته بـ”فيسبوك” أن الريمي رحل بعد معاناة (قصيرة) مع مرض عضال لم ينفع معه علاج، مشيرا إلى أنه زاره “في المستشفى أمس، ساعات قبل أن يغادر، فوجده صابرا قويا شجاعا”، وزاد: “بقى شغوفا بالنقاش السياسي ومستجدات المغرب وفلسطين والمنطقة حتى آخر لحظة”.
وقال كارتي، الخبير الاقتصادي: “شجاعة أيوب، شجاعة الرجال الأشداء وكان صبره خارقا ولن أنسى ما حييته كيف واجه المرض بكبرياء وعزة نفس. مات بعيدا عن وطنه ولكن مات ووطنه في قلبه ووجدانه”، وأضاف في تدوينة تأبينية قوية: “آخر كلماتي له أنني عائد إلى لندن نهاية الأسبوع المقبل وأريده أن ينتظرني لكي نتجاذب أطراف الحديث ككل لقاءاتنا. وعدني بذلك ولكن إرادة الله شاءت أن يغادرنا”.
وكتب أستاذه في الصحافة بالمعهد العالي للإعلام والاتصال عبد الوهاب الرامي: “لم أصدق ولا استوعبت. أتفيض روح أيوب بهذه السهولة؟ صديقي وأخي منذ فترة تحصيله بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط. نزل علي الخبر كالصاعقة. تذكرت لقاءنا الدافئ ببرلين. استرجعت تصورات كل من عاشروه عنه. إنسانيته، حذقه الصحفي، عمق تحليلاته، لغته الرائعة، شجاعته الأدبية البعيدة عن كل تعنيف، اكتمال تجربته ونضجها. يلتج الكلام في هذا المقام. أنت في القلب والروح أيوب. كلنا نحبك. تعازي لسارة رفيقة دربك. ولا حول ولا قوة إلا بالله”.
ولم تتوقف الشهادات في أيوب الذي كان قريبا من كل من عاش إلى جانبه في دروب مهنة المتاعب أو أثناء التكوين، فوداد ملحاف، الخبيرة في مجال التواصل خريجة معهد الرباط، كتبت في صفحتها: “لم أستطع تصديق خبر وفاته، إلا بعد أن أكده عدد من الأصدقاء على فيسبوك، عرفت أيوب “ولد حلالة العظمى” كما كنت أناديه في المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، لن أنسى أبدا فضله علي في تطوير شبكتي بالصحافة الدولية، كلما أردت التواصل مع أحد الصحافيين أو رؤساء تحرير ببريطانيا أو دول أخرى يفاجئني بمدي بوسيلة تواصل معه وطريقة التعامل معه”.
وقالت ملحاف: “كان شابا ألمعيا شغوفا بالصحافة والسياسة والاقتصاد، قارئا نهما ومنصتا جيدا؛ صفات جعلت منه صاحب نظرة تحليلية عميقة لمجريات الأحداث السياسية”، داعية له بـ”الرحمة وبالصبر لزوجته سارة على هذا المصاب الجلل وأعانها على الاستمرار بعد ترجل أيوب عن صهوة الحياة”، وزادت: “كانت سارة مثالا للأم والزوجة الصالحة والصبورة في الصحة والمرض، في الرخاء والشدة، وستظل كذلك بفضل اجتهادها وجديتها وطيبة قلبها”.
وكتبت مريم بوتوراوت الصحافية بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة: “عرفت أيوب شاباً ذكيا طموحا مهذبا مثقفا صبورا. تقاسمنا مقاعد الدراسة طيلة أربع سنوات في المعهد العالي للإعلام والاتصال، كما تقاسمنا الخطوات الأولى في المسار المهني في جريدة أخبار اليوم”، مشددة على أن “أيوب كان التجسيد الحقيقي ديال “ولد الناس” اللي كيخلي بصمة جميلة أين ما حل وارتحل”.
وأضافت الزميلة الصحافية في نعيها الذي ينضاف إلى عشرات التدوينات التي كان خبر رحيل أيوب بمثابة ضربة قوية لقلوب أصدقائه: “واجه المرض بكل شجاعة وصبر مع دعم لا يمكنه وصفه من صديقتنا سارة التي عاشت معه رحلة المرض السريعة والمفجعة بجَلَد كبير”، وقالت: “أفجعتنا يا أيوب لكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا. رحمة الله عليه والله يصبرك سارة ويقويك ويكون معاك أنت والصغير…إنا لله وإنا إليه راجعون”.
زملاء الراحل في هسبريس كلهم أعربوا في تعليقات وتدوينات عن حزن كبير وعميق جراء مصاب جلل يعنيه غياب أيوب الذي كان محبوباً وخدوماً وكريماً.
كتبت الصحافية المحررة بهسبريس سابقاً ماجدة آيت الكتاوي: “صباح حزين مثقل بالألم والوجع. فارقنا صديقنا وزميلنا المحترم والهادئ والرصين. فارق دنيانا بعد صراع مرير مع المرض. وداعا أيوب، جمعتنا غرفة تحرير هسبريس ولم تكن سوى ذلك الشاب الذكي والطموح والمهذب. إنه فقد كبير يا صديقي. إلى جنات الخلد والنعيم. وإنا لله وإنا إليه راجعون”.
أمّا زميله في تجربة “العربي الجديد”، مصطفى ابن الرضي، فلم يكن إخفاء حزنه ممكنا وهو يقدم شهادته في أخيه وزميله، “فبوفاة الزميل الصحافي أيوب الريمي تفقد الصحافة المغربية اسما لامعا، وشاباً طموحا، ومهنياً رفيعا”، هكذا تحدث ابن الرضي لهسبريس قبل أن يسترجع أنه جمعته به تجربة مهنية في 2016 في “العربي الجديد”، وكان “لا يبخل بأي مساعدة، وحاضرا باستمرار للدعم”.
وأضاف: “لن أنسى كل تلك الصباحات الجميلة والساعات الطويلة التي كنّا نقضيها في النقاش والعمل وكل شيء. أيوب صديق عزيز، وإنسان محترم، وصحافي متمكّن، يجسد معنى الصحافة، ويمارسها بكل نبلها وسموها، ويتمثّل أخلاقياتها، ويقدّم نموذجا لما يجب أن يكون عليه الصحافي المهني”، مشيرا إلى أن “وفاته خسارة كبيرة للصحافة المغربية، التي فقدت اسما شاباً باجتهادٍ لا حدود له”.
ونعى المحدث الفقيد بأجمل صفاته التي لا حدود لها، منها أنه “عرفه وما وجد فيه إلا كل أدبٍ رفيع، وصدق في حفظ العلاقات، واستعداد للمساعدة في أي ظرف”، وقال: “حزين جدا لهذا الفقد، آلمني كثيرا، لأننا فقدنا صحافيا شاباً كان سيترك بصمة، باطلاعه وثقافته الواسعة، وبإلمامه الدقيق بمتطلبات المهنة. وقبل ذلك وبعده، بنبل أخلاقه، وحرصه الشديد على التزام المعايير الفضلى”.
وإلى جانب شهادته لهسبريس، كتب المتحدث منشورا فيسبوكيا يستأنف عزاء مهنة بأكملها، قائلا: “اشتغلت معه في 2016 وأحببته. كل شيء فيه يجعلك تحبّه. طيبوبته بلا حد، أدبٌ جم. ويذهلك بما يعرف. ولو لك ابنٌ تتمنى لو يكون أيوب. ما هذا الصباح؟ قلّ أن تدمع عيني لفقد زميل. دمعت عيني لأجل أيوب، لأني كنت أحبه، ولا أحفظ له إلا كل ذكرى طيبة. لا أتذكر متى آخر مرة تحدثنا، لكني أعرف أنني أحبّه، وأنه كان يبادلني شعورا جيّدا، وكان يحفظ لي ودّا كنت أحسّ به”.