أفادت الوكالة البرازيلية لترويج الصادرات والاستثمار (ApexBrasil)، ضمن بيان لها، بأن إفريقيا حلت في المركز الثالث ضمن أكبر الأسواق بالنسبة للمنتجات البرازيلية برسم العام الماضي، بعد كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية والأرجنتين، مشيرة إلى زيادة الصادرات إلى هذه المنطقة بنسبة فاقت 20 في المائة، وتستحوذ خمس دول إفريقية، منها المغرب، على أكثر من 60 في المائة من صادرات البرازيل إلى القارة.
وأشار المصدر ذاته إلى أن هذه النتائج المحققة كانت بفضل جهود كل من وزارة الخارجية، ووزارة الزراعة والثروة الحيوانية، والوكالة سالفة الذكر، بما في ذلك مبادرات فتح أسواق جديدة في القارة التي تضم 54 دولة في وجه المنتجات البرازيلية، مؤكدا أن تعميق العلاقات الاقتصادية بين البرازيل والقارة الإفريقية هو أحد أولويات الحكومة الحالية.
ولفت البيان إلى تنظيم مهمة تجارية ستشمل دولا في غرب إفريقيا في الفترة من 27 يناير الجاري إلى غاية السابع من الشهر القادم، حيث أكد أليكس جيكوميللي، مدير إدارة الترويج التجاري والاستثمارات والزراعة في وزارة الشؤون الخارجية، أن “هذه المهمة تُظهر الأهمية التي توليها الدبلوماسية البرازيلية للقارة الإفريقية، إذ تم اتخاذ خطوة أساسية في سياسة تعزيز التجارة والاستثمارات، بما في ذلك تعزيز سياسة تعيين الملحقين الزراعيين بالسفارات البرازيلية في إفريقيا”.
وأشار المسؤول ذاته إلى “استئناف تنظيم المهام التجارية والمشاركة في المعارض في الخارج، وقد تم ذلك بالفعل في عدد من الدول، من ضمنها المغرب وإثيوبيا ومصر والجزائر وموزمبيق وأنغولا، حيث نعتزم تكثيف أعمالنا في هذه البلدان ومواصلة توسيع أنشطتنا إلى دول أخرى هذا العام”.
في هذا الإطار، قال رشيد ساري، خبير اقتصادي رئيس المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة، إن “إفريقيا كانت تربطها علاقات اقتصادية مع مجموعة من الشركاء والقوى التقليدية، من ضمنها فرنسا، قبل أن يبرز اهتمام لافت للنظر من طرف عدد من القوى الإقليمية والدولية بالتواجد والاستثمار في هذه القارة التي تتوفر على سلاسل التوريد العالمية للمعادن الحيوية التي تسعى كل دولة لتأمينها”.
وأضاف ساري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “البرازيل وكغيرها من الدول تحتاج صناعاتها إلى عدد من المواد الأولية المرتبطة بقطاع التكنولوجيات الحديثة والطاقات النظيفة كاليورانيوم والليثيوم والكوبالت والنحاس، وهذا ما يفسر في جزء كبير منه اهتمامها بتثبيت وجودها الاقتصادي والاستثماري في القارة”، مشيرا إلى “وجود تنافس دولي على الاستحواذ على مشاريع التعدين في إفريقيا، إذ تستحوذ بكين، مثلاً، على عدد من هذه المشاريع في زامبيا والكونغو ومالي وزيمبابوي، الشيء الذي يثير شهية باقي الدول”.
وأكد الخبير الاقتصادي ذاته أن “الدول الصناعية والدول المؤثرة اقتصاديا في فضاءاتها الجيو-سياسية تسعى بقوة إلى دخول العمق الإفريقي من بوابة المغرب، كونه من أكبر المستثمرين في غرب إفريقيا من خلال المكتب الشريف للفوسفاط، الذي تشمل استثماراته أيضًا الدول المترددة في الاعتراف أو غير المعترفة أصلاً بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، في إطار ما يُعرف بالدبلوماسية الاقتصادية التي تراهن عليها الرباط لإحداث تحول في الموقف الإفريقي في هذا الصدد”.
وسجل أن “البرازيل، باعتبارها دولة رائدة في أمريكا الجنوبية وعضوا في منظمة البريكس، لا يمكن أن تبقى بمعزل عن هذا الاهتمام الدولي المتزايد بالقارة الإفريقية، وترى في المملكة المغربية مفتاحًا اقتصاديًا مهمًا لتعزيز الوجود البرازيلي في القارة نتيجة موقعه الاستراتيجي والبنيات التحتية التي يتوفر عليها وكذا طبيعة المشاريع والمبادرات الوطنية أو الإقليمية التي انخرط فيها”، معتبرا أن “أغلب الدول أصبحت ترى المغرب من هذا المنظور، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية التي جعلت من الرباط مقرا لمبادرتها [ازدهار إفريقيا] التي تهدف إلى تقوية الاستثمارات الأمريكية في إفريقيا”.
من جهته، أورد عبد الخالق التهامي، محلل اقتصادي، أن “البرازيل من البلدان الناشئة والقوية اقتصاديا التي تبحث عن توطيد مكانتها وموقعها في عدد من الفضاءات الجيو-سياسية، من ضمنها بطبيعة الحال الفضاء الإفريقي الذي يشهد تدافعا دوليا من أجل الاستفادة من الثروات التي تزخر بها دوله وتعزيز التبادل التجاري والتفاعلات الاقتصادية مع هذه الدول، على رأسها المغرب”.
وأضاف المصرح لجريدة هسبريس الإلكترونية أن “علاقات البرازيل وإفريقيا شهدت في السنوات الأخيرة نموًا ملحوظا، إذ يرى هذا البلد اللاتيني في تقوية شبكة مصالحه مع الدول الإفريقية بوابة لريادة وقيادة الجنوب العالمي وتوسيع دائرة تفاعلاته وعلاقاته خارج فضاء أمريكا اللاتينية”.
وأوضح المحلل الاقتصادي نفسه أن “البرازيل، وعلى غرار عدد من الدول الأخرى، كالصين وروسيا وأمريكا وتركيا والاتحاد الأوروبي، تحدوها رغبة أكيدة وظاهرة من خلال التوجهات السياسية والاقتصادية للحكومة البرازيلية في بناء شراكات موسعة مع إفريقيا من خلال الانفتاح على الدول والأقطاب المؤثرة في هذه القارة، ومن ضمنها المملكة المغربية التي لا يخفى على أحد وجود تهافت دولي على تعزيز التعاون معها في جميع المجالات، خاصة تلك المتعلقة بالرهانات التنموية البعيدة”.
في المقابل، لفت عبد الخالق التهامي إلى أن “البرازيل سوف تتجه إلى تنويع وتطوير مجالات الشراكة مع الدول الإفريقية لتشمل كل القطاعات الحيوية بالنسبة للجانبين، وهذا توجه أعادت الحكومة البرازيلية التأكيد على أهميته في أكثر من مناسبة”، مشددا في الوقت ذاته أن “القطاع الخاص المغربي يجب عليه أن يتحمل مسؤوليته في هذا الصدد وأن يبحث عن كيفية استثمار هذا التوجه بما يعود على الاقتصاد الوطني بالنفع”.