وضع أساتذة باحثون ومحللون اقتصاديون الأوضاع “المزرية”، التي تعيشها فئة حراس الأمن الخاص، على طاولة التحليل الأكاديمي والقانوني، مؤكدين أن النصوص القانونية المتوفرة الخاصة بهذه الفئة ما زالت “قاصرة” عن حماية هذه الشريحة من “هضم حقوقها في الأجر المحترم، وعدم تجاوز الساعات القانونية في العمل، فضلاَ عن التأمين عن المخاطر التي قد تلحقها خلال مزاولتها لمهامها”.
هؤلاء الذين كانوا يتحدثون في يوم دراسي، عالج موضوع “حراس الأمن الخاص بالمغرب بين مطرقة غياب تطبيق القانون وسندان تعديل مدونة الشغل”، نظمه فرع أنفا لحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، السبت، اتفقوا على أن “الأهداف الاقتصادية التي يضعها المغرب، والتظاهرات العالمية التي هو مقبل عليها”، تجعل الحاجة ملحة لتسريع تقوية الحماية القانونية لأعوان الحراسة؛ رغم أن الاختلاف بدا قائما بينهم حول آلية ذلك: أهي تعديل مدونة الشغل، أم إقرار قانون خاص؟
طارق لكدالي، أستاذ باحث وخبير في الحماية الاجتماعية، توقف عند “إشكالية غياب التأمين لدى فئة حراس الأمن الخاص، حيث إن المشرع في التعديلات التي أدخلها على مدونة التأمينات، في دجنبر الماضي، أضاف إلى قائمة التأمينات الإجبارية التأمين عن المسؤولية العشرية بالنسبة للمنعشين العقاريين، وكذا التأمين ضد مخاطر الأوراش؛ غير أنه لم يفكر في ضرورة فرض التأمين ضد المخاطر التي يصاب بها حارس الأمن أو غيره”.
وأوضح لكدالي في مداخلته أن “التأمين الذي يستفيد منه حراس الأمن لا يؤمن هذه الأخطار، فهو، أي تأمين المسؤولية المهنية، يؤمن فقط ضد المخاطر التي تصيب الأغيار”، مضيفا أن تنظيم التأمين وكافة حقوق هذه الفئة تستدعي إقرار قانون خاص بها، “على اعتبار أن مرسوم سنة 2010 يعتبر حراسة الأمن مهنة، بمعنى أنه لا يجب أن تدرج في إطار مدونة الشغل”.
وأشار إلى أن القانون رقم “القانون رقم 27.06 المتعلق بأعمال الحراسة ونقل الأموال به مقتضيات عامة فقط، تهم الإذن والممارسات، فيما يحيل على مستوى التنظيم وساعات العمل والتعويض والفصل التعسفي على مدونة الشغل”، مردفا أن “ذلك يعني أنه ليست هناك خصوصية بالنسبة لهذه الفئة”.
واستنكر الأستاذ الباحث “تقسيم أيام عمل هؤلاء إلى 50 في المئة نهارا و50 في المئة ليلا، مع اشتغالهم طيلة سبعة أيام في الأسبوع وكأنهم مجرد روبوتات”.
محمد جدري، خبير ومحلل اقتصادي، تطرق في مداخلته إلى عدة عوامل تستعجل النهوض بأوضاع حراس الأمن الخاص، مشيرا إلى “رؤية المغرب الاقتصادية 2030، التي يتم في إطارها تنفيذ عدة أوراش كبرى بشكل مواز، وإقبال المغرب على تنظيم تظاهرات رياضية دولية كمونديال 2030 التي سيلعب فيها حراس الأمن دورا أساسيا، وكذا توجه الدولة نحو الخوصصة”.
وأوضح أن أول “ما يسوقه المغرب اليوم قبل موقعه الجغرافي وجودة مناخ الأعمال به هو الأمن والاستقرار، اللذان لا يمكن إغفال أن الأمن الخاص يلعب دورا محوريا في تحقيقهما؛
فلا يمكن للمؤسسات العمومية والبنوك وغيرهما أن يسير نشاطها بشكل عادي ومنتج بدون وجود حراس الأمن الخاص”.
وأبرز المتحدث أن “اعتبار حراس الأمن الخاص ضمن فئة البوابين هو ثغرة قانونية بمدونة الشغل”، مشددا على أن “سد هذه الثغرة يستوجب تطبيق أحد الحلين: إما إعداد قانون خاص بهذه المهنة أو تمرير تعديلات بمدونة الشغل لإصلاح وضعيتها”. وأضاف أن “مسألة الأجور مشتركة، فالقطاع العمومي حين يتعاقد مع شركة على أساس 4000 درهم مثلا شاملة للأجر والتحملات والتعويضات، فهو يدفع المشغل إلى هضم حقوق حارس الأمن”.
وشددّ على “ضرورة إصلاح هذا الوضع والتعاقد على أساس مبلغ مهم، يقيم الحجة على الشركات إن لم تحترم بنود دفاتر التحملات”، مبرزا أن “إحدى الإشكاليات المهمة التي تشكو منها هذه المهنة كونها مفتوحة للعموم بالنظر لغياب هيئة خاصة بها تمنح البطاقة المهنية، على غرار الأطباء والممرضين وغيرهم، حيث نجد متقاعدين يشتغلون أعوان حراسة”.
ومن أجل حماية قانونية شاملة لحراس الأمن الخاص، دعا جدري إلى “النظر في تجارب عدة دول كإسبانيا، التي أقرت قانونا خاصا بهم، وألمانيا التي ذهبت نحو عقد شراكات بين الشرطة وشركات الأمن الخاص، نظرا لأن هاتين الفئتين لهما مهام متكاملة”، موصيا “بإلزام شركات الأمن الخاص بتقديم وثائق تثبت تصريحها بالأيام القانونية وصرفها للأجور في فواتح الشهور، قبل منحها الصفقة، مع تعزيز تكوين حراس الأمن الخاص في اللغات والذكاء الاصطناعي”.
أمين السعيد، أستاذ القانون الدستوري، استحضر أن “جميع الدول التي شغلتها الحماية الاجتماعية كانت تضع الفئات الهشة كأولوية لهذه الحماية، غير أنه في المغرب نجد أن تنزيل الحكومة لهذا الورش الملكي انبنى على تغييب فئات محرومة كأعوان الحراسة والنظافة والطبخ وماسحي الأحذية عن الأولويات”.
وشدد السعيد في مداخلته على “ضرورة أن يجعل صناع القرار هذه الفئة في صلب أولوياتهم، فما يلاحظ اليوم هو أن النقابات ما زالت تترافع عن فئات تقليدية (رجال التعليم، الأطباء والمهندسين..) فقط”، كاشفا أن “المركزيات النقابية التي تعرف صعوبة لجوء حراس الأمن الخاص للانتماء النقابي يتعيّن عليها أن تؤدي ما يسمى بالنضال بالنيابة عن هؤلاء”.
ولم يتفق المتحدث مع دعوة لكدالي إلى “الترافع لإدراج باب خاص بهذه الفئة في مدونة الشغل لأنه مكلف من الناحية القانونية أكثر من إخراج قانون خاص بها، عدا أن المرسوم الصادر سنة 2010 المتعلق بها تضمّن مقتضيات مهمة تحتاج فقط التطبيق، على رأسها البطاقة المهنية”.
من جانبه أوضح كريم القرقوري، مختص في القانون العام، أن “عدد حراس الأمن الخاص بالمغرب يتجاوز المليون و200 ألف حارس، وباستحضار نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، الذي حصر اليد العاملة في 10 ملايين و600 ألف، فإنهم يمثلون 11 في المئة من العمال مهضومي الحقوق”.
واستنكر القرقوري في مداخلته “اغتناء أرباب شركات الأمن الخاص على حساب هذه الفئة”، معتبرا بدوره أن “الإشكال ليس في الترسانة القانونية المؤطرة لعملها، بل في تطبيقها وفي غياب المراقبة والدور الفعال لمفتشية الشغل في هذا الصدد”. وأبرز أن “هذه المهنة أصبح يؤطرها، للأسف، العرف لا القانون، حيث بتنا نجد بعض حراس الأمن الخاص يقومون بمهام القبالة والممرضات، وهناك مثال حي على ذلك في مستشفى سيدي بنور”.