جمعت التصريحات الأخيرة لسيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، بين دعم المغرب في إيجاد حل للنزاع وبين انتقاد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء.
هذه التصريحات، التي جاءت خلال مؤتمر صحافي حول نتائج الدبلوماسية الروسية في 2024، تفتح الباب أمام قراءات وتحليلات مختلفة حول الموقف الروسي من هذا الملف الشائك.
وأكد وزير الخارجية الروسي، خلال المؤتمر الصحافي ذاته، أن “لدى موسكو والرباط آفاقا جيدة للتعاون في مختلف المجالات، بما في ذلك مشكلة الصحراء”.
وأوضح لافروف أن روسيا “تساعد المغرب في حل هذه القضية؛ وأن الحل يجب أن يكون على أساس الاتفاق المتبادل”؛ غير أن المسؤول الروسي انتقد بشدة قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالاعتراف بمغربية الصحراء، واصفا ذلك بأنه “محاولة لفرض حل أحادي الجانب”.
تعليقا هذه التصريحات، اعتبر عبد الفتاح الفاتحي، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات، أنها تمثل “تطورا كبيرا في الموقف الروسي فيما يخص النزاع حول الصحراء”، مشيرا إلى أنه أخذا بالاعتبار “ما تم إنضاجها من اتفاقيات تجارية وبحرية بين المغرب وروسيا فإن الأخيرة تحاول إعادة ترتيب تموضعها كطرف محايد من النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء”.
وأضاف الفاتحي، ضمن تصريح لهسبريس، أن روسيا تعتبر المغرب بالبلد الصديق؛ وبالتالي فهي تعيد ترتيب تموضعها على أساس الحياد واتخاذ المسافة نفسها من كل الأطراف بخصوص النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء”.
وتابع الخبير سالف الذكر: “ومنه، فإن روسيا لا تعارض إيجاد تسوية سياسية للنزاع المفتعل على أساس مبادرة الحكم الذاتي بمدلول اشتراط وزير خارجيتها سيرغي لافروف البحث عن اتفاقيات متبادلة “بين الطرفين” على حد قوله”.
ومع ذلك، فإن لافروف لا يخفي، حسب المتحدث ذاته، أن بلاده “تبقي قضية الصحراء ورقة من أوراق صراعها مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ وذلك عبر معارضته للولايات المتحدة لفرض رؤيتها الأحادية للحل دون التوافق معها”.
وأشار إلى أن “روسيا في الجوهر لم تعد معنية بحل تنظيم الاستفتاء في الصحراء؛ بل بإيجاد تسوية سياسية متشاور بشأنها من دون أن تنفرد الولايات المتحدة الأمريكية بفرض الحل، حيث تحاول روسيا الحفاظ على موقعها في أي تصور للحل باعتبارها عضو أساسي في مجموعة أصدقاء الصحراء (أعضاء مجلس الأمن الدولي الدائمين ناقص الصين زائد إسبانيا)”.
من جانبه، سجل محمد شقير، المحلل الأمني والسياسي، أن تصريحات سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، جاءت للتأكيد على أن “المغرب بلد صديق لروسيا وموجب هذه الصداقة تحرص روسيا على إيجاد حل متفق عليه لنزاع الصحراء؛ الشيء الذي يستبطن ليونة الجانب الروسي فيما يتعلق بحل هذا المشكل”.
وأضاف شقير، في حديث لهسبريس، أنه على الرغم من انتقاد لافروف للقرار الأحادي لترامب بالاعتراف بمغربية الصحراء فقد أشار إلى ضرورة أن يتم الاتفاق على حل متوافق عليه؛ مما قد يعني بأن روسيا مستعدة للتباحث مع ترامب بعد تجديد ولايته حول هذا النزاع وإمكانية التوصل إلى حل بهذا الشأن.
وذكر بأن الولايات المتحدة “لم تعد لوحدها من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والتي تمتلك حق الفيتو من اعترفت بمغربية الصحراء؛ بل انضافت إليها فرنسا التي أغفل لافروف ذكرها في انتظار أن تحذو ربما بريطانيا حذو هاتين الدولتين، الشيء الذي ستأخذه روسيا بعين الاعتبار في تعديل موقفها في ضوء هذه المتغيرات التي عرفها هذا الملف وفي ضوء أيضا التوتر القائم بين روسيا والجزائر في ملف مالي وكذا بعد الضربات التي وجهت إلى روسيا بعد سقوط نظام بشار الأسد والانشغال بإيجاد حل للحرب الروسية الأوكرانية”.
وخلص المحلل السياسي والأمني ذاته إلى التنبيه إلى أن “وسائل الإعلام الجزائرية بالخصوص قد اهتمت بتصريحات لافروف التي جاءت بالأساس في مؤتمر تقييمي للدبلوماسية الروسية خلال سنة 2024، معتبرة ذلك تأكيدا للموقف الجزائري الرسمي من هذا النزاع في وقت توالت فيه الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء”.