موازاة مع اشتغال الغرفة الثانية للبرلمان على النظر الدقيق في نصوصه كان مشروع القانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية محطّ نقاش مستفيض، مساء الأربعاء، بين عدد من المسؤولين في إطار ندوة وطنية علمية تكفلت بتنظيمها شعبة القانون الخاص بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط.
المسؤولون المشاركون ضمن هذه الندوة اختاروا العودة إلى النقاش المجتمعي والقانوني الذي كان المحامون بالمغرب وراء تحريكه خلال الأشهر الماضية، وتحول إلى تقاطب بينهم وبين وزارة العدل، انتهى بتنفيذ إضرابات عن العمل ووقفات احتجاجية، قبل الاجتماع في الأخير على طاولة الحوار.
رشيد وظيفي، مدير الشؤون المدنية والمهن القانونية والقضائية بوزارة العدل، قال إن “النقاش بخصوص مشروع قانون المسطرة المدنية كان صحيّا، لكون المادة القانونية في الأساس تحتمل ذلك”، مضيفا أن “هذا القانون جاء بمجموعة من المكاسب، خصوصا بعدما كانت في وقت سابق جملةٌ من الاجتهادات والتعديلات الطفيفة عليه، لم تمس الجوهر”.
وأوضح وظيفي ضمن كلمته أنه “لأول مرة في تاريخ البرلمان يعرف مشروع قانون حوالي 1200 مقترح تعديل، ما يبرز المجهود الذي قامت بها السلطة التشريعية في هذا الإطار”، وزاد: “قبل كل هذا كانت هناك دراسات حول الموضوع، وتم الاطلاع على الفقه المقارن، بما جعلنا نصل إلى الصيغة المقترحة من مشروع القانون على مجلس النواب”.
وبيّن المسؤول ذاته أن “الفلسفة التي كانت وراء هذا القانون تروم التجاوب مع مجموعة من المعطيات، بما فيها كون العمل القضائي يعاني من مفهوم النجاعة، بما يؤكد على ضرورة وجود قانون إجرائي بهذا الخصوص”.
مواصلا الحديث عن العوامل التي قادت إلى طرح مشروع قانون مسطرة مدنية من قبل المؤسسة التنفيذية سجّل وظيفي أنه “كان لا بد من أن نعيد النظر في كيفية ضمان وصول المرتفق إلى حقه في التقاضي في إطار وآجال معقولة؛ فكان هناك وعي بضرورة التدخل التشريعي للمساعدة في هذا الصدد”، متابعا: “كان لا بد من الجرأة في ما يخص التبليغ الذي يبقى بمثابة الطامة الكبرى”.
ووصف المتحدث ذاته الباب 11 من مشروع قانون المسطرة المدنية بأنه “ثورة هادئة في تاريخ التشريع المغربي، إذ كان الرهان على كيفية المرور من إجراءات مادية إلى أخرى رقمية دون إقصاء الشق الأول؛ لكن مع ضمان حجية الوثائق وصدقية الإجراءات وحقوق الأطراف المتقاضين”، موضحا أنه “أتى بمادة نصت على أن مختلف الإجراءات التي تأتي ما قبله يمكن أن تتم بطريقة إلكترونية”.
إذا كان رشيد وظيفي تحدث عن الموضوع من منطلق تمثيله الجهة التي أعدت المشروع فإن سعيد باعزيز تحدث عنه كرئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، موردا أنه “على عكس ما يقال فإن القانون مرّ بشكل مستعجل داخل اللجنة، على اعتبار أن الزمن التشريعي في الأساس لا يرحم ونحن على مقربة من سنة 2026”.
وأوضح باعزيز أن “مشروع قانون المسطرة المدنية عرف وضع حوالي 1161 تعديلا بشأن مواده، ولأول مرة في تاريخ البرلمان، وذلك طبيعي لكونه يعتبر قانونا مجتمعيا يجب أن يعرف كل هذا النقاش الذي أثير بخصوصه، موازاة مع وجود مشاريع قوانين أخرى في طريقها إلى اللجنة، ووجود آجال دقيقة ينبغي التقيد بها كذلك، بما يشمل التقدم بالتعديلات خلال 3 أيام، مع إمكانية التمديد لمدة 30 يوما”.
كما أوضح المتحدث ضمن كلمته في الندوة ذاتها أن “الحكومة قبلت 269 تعديلا كليا، إلى جانب تعديلات جزئية، في وقت وصلت مناقشة هذا النص إلى المادة 309 على مستوى مجلس المستشارين، بما يعني أن من المنتظر إعادة إحالته على مجلس النواب عما قريب”.
وذكّر رئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب أن “هذا المشروع كُتب له الوصول إلى لجنة العدل والتشريع بعد 59 اجتماعا بينْ ـ وزاري، ويتضمن في الأساس مجموعة من المكاسب المهمة التي تنطلق من العوامل الواقفة وراء طرح مسودته، بما فيها الرقمنة، إذ كان من الأساسي أن يتم أخذ هذا المعطى بعين الاعتبار”، متابعا: “لكنّ أملنا يتعلق بالتنزيل الضامن للمساواة في التقاضي، فالمتقاضي في الرباط ليس هو المتقاضي في فجيج. وكان لدينا نقاش على مستوى اللجنة بخصوص المساواة في الولوج إلى الخدمات المرفقية”.
كما بيّن باعزيز “وجود طموح تجاه المادتين 17 و407؛ فالمادة 17 تؤكد المساس بحجية قوة الشيء المقضي به، بما يبين أنه من اللازم أن تكون لدينا أحكام نهائية ونافذة؛ أما في ما يخص سلامة النص مع الدستور فكان من اللازم أن تكون هناك مراجعة”، مردفا: “قدوم هذا النص كان من الضروري بعد صدور الدستور والنصوص الأخرى الخاصة برجال القضاء والتنظيم القضائي، فضلا عما يتعلق بضرورات إصلاح منظومة العدالة وتحديد اختصاصات المحاكم الوطنية”.
الحسين الزياني، رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، قال ضمن كلمته حول الموضوع: “أتفق تماما مع كل ما قيل بخصوص ما جاء في مشروع القانون ذاته، غير أنني أشير كذلك إلى أنه أتى بمقتضيات تشكل تراجعا خطيرا مقارنة بمضمون الدستور، مع الإشارة إلى أنه من الواجب في الأساس مواكبة هذا المشروع الذي يعرض حاليا على مجلس المستشارين”.
وبعدما ذكّر بنقاط اعتبرها “إيجابيات لا يمكن الاختلاف بخصوصها”، تساءل الزياني “عمّا إذا كان هذا المشروع أجاب عن كل تساؤلات المتقاضين والمحامين كذلك”، فحسبه “الولوج إلى القضاء يجب أن يكون مفتوحا أمام الكل، لأنه حينما تضرب هذه المبادئ في الصميم فلا يمكن أن يسكت المحامي، بما فيها المادة 383 التي تضرب المساواة أمام القضاء”.
وأشار المتحدث ذاته إلى “وجود مساس بالمبدأ على هذا النحو”، وزاد: “لذلك نتمنى أن يتداركه مجلس المستشارين؛ فالغاية هي تجويد النص، ونحن لسنا ضد المشروع كما روّج له البعض”، متابعا: “لا يقبل رجل فكر أو قانون الحرمان من الطعن في القرارات الاستئنافية؛ فعلى سبيل المثال وضع 80 ألف درهم كمعطى للطعن في النقض مبالغ فيه”، وموضحا أن “مجلس النواب استدرك مجموعة من الأمور”.
متسلّحا بلغة حادّة قال رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب: “إن مشروع القانون في صيغته الأولى جاء بما يشبه جزاءات. وإذا كنا نريد النجاعة والبت في الملفات بسرعة فذلك لا يعني الإجهاز على حق المواطنين في التقاضي”، خاتما: “يجب التعاون من أجل صرف العدالة وليس من أجل عرقلة الأدوار”.