بغرض تحقيق إصلاح شامل يرقى إلى تطلعات المهنيين في قطاع سيارات الأجرة؛ فيحل الإشكاليات المتعددة التي تواجههم، من تناسل الأحكام الصادرة في حق مستغلي الرخص منهم، والمنافسة “غير القانونية” من سائقي النقل عبر التطبيقات الذكية، وكذا هزالة الدعم الذي يحظى به القطاع، ويغني عن كثرة الدوريات الوزارية والقرارات العاملية التي لم “تستجب لتخوفاتهم ورهاناتهم”، اقترح المرصد الوطني للنقل الطرقي وحقوق السائق المهني إحداث وكالة وطنية لتسيير قطاع سيارات الأجرة.
المرصد الذي كشف لهسبريس أن هذا المقترح سوف يكون موضوع مراسلات يرتقب أن يشرع في توجيهها ابتداءً من الأسبوع المقبل إلى رئيس الحكومة ووزراء الداخلية والعدل والنقل، ورؤساء الفرق البرلمانية، عدّ أن “الدوريات الوزارية والقرارات العاملية غير المنسجمة مع بعضها البعض، التي أُصدرت العشرات منها خلال السنوات العشر الأخيرة، لم تستجب لعموم التخوفات والشكوك المطروحة من قبل المهنيين”.
واستحضر المرصد، باسطًا دواعي المقترح، أن “اختصاصات وزارة الداخلية (المشرفة على القطاع) كثيرة جدًا ومتداخلة ومكلفة في تسييرها (…) كما تتوفر هذه الوزارة على قسم خاص بالمأذونيات”، مضيفًا أن “الأحكام المتضاربة الصادرة في حق مستغلي رخص سيارات الأجرة أصبحت سيفًا مسلطًا عليهم وتضرب عرض الحائط كل الدوريات والمذكرات والقرارات، بل حتى الظهير الشريف”.
كما أشار التنظيم عينه إلى أنه “في مقابل استفادة وسائل النقل الحضري المشار إليها في الفصل الثاني من الظهير الشريف من الدعم المخصص لها بشكل منتظم، وله قيمة مالية هامة، فإن قطاع سيارات الأجرة كشريك من بين هذه الوسائل النقلية يستفيد فقط من دعم هزيل وغير منتظم، وكأنه صدقة”، مبرزًا من جانب آخر “استفحال ظاهرة النقل عبر التطبيقات بكافة أشكالها المرخصة وغير المرخصة، والسكوت غير المبرر لكل مؤسسات الدولة عن مآلاتها”.
واقترح المرصد اعتبارًا لهذه “العوائق” “العمل على إحداث وكالة وطنية لتسيير قطاع سيارات الأجرة على شاكلة الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، أو باقي الوكالات المعتمدة من طرف وزارة الداخلية”.
أحمد آيت الحنة، الكاتب العام للمرصد الوطني للنقل الطرقي وحقوق السائق المهني، أكد أن “كثرة العقوبات الصادرة في حق مستغلي رخص سيارات الأجرة، وهزالة الدعم الذي يمنح لمهنيي القطاع، فضلًا عن المنافسة غير الشريفة وغير القانونية التي باتوا يواجهونها من قبل أصحاب المركبات الخاصة الناقلين بواسطة التطبيقات، كلها دواع مقنعة يجب أن تدفع المغرب نحو إحداث الوكالة سالفة الذكر”.
وأوضح آيت الحنة، في تصريح لهسبريس، أن “حلّ جميع هذه الإشكاليات لا يمكن أن يحدث في تصور مهنيي المرصد إلا في إطار هذه الوكالة، خاصة في ظل عدم إثمار الجهود المبذولة من وزارة الداخلية تحقيق الإصلاح المنشود لقطاع سيارات الأجرة”، مردفًا بأن “مقترح تأسيس الوكالة هو بمثابة التماس للعذر من وزارة الداخلية، التي تشتغل وتشرف على مجالات متعددة، ما يصعب عليها تدبير القطاع على النحو المرجو”.
واستحضر المصرح عينه أن “وزارة الداخلية بدأت بالفعل حل إشكاليات الفساد في منح وسحب المأذونيات، من خلال الدورية 750 التي خوّلت هذه الصلاحيات للعمالات؛ غير أنه ليس من المعلوم ما إذا كانت هذه الأخيرة سوف تنجح في القطع مع هذا الفساد”، مبرزًا أنه يعوّل على الوكالة التي يدعو المرصد إلى تأسيسها “لجعل تدبير المأذونيات بالمغرب أكثر شفافية”.
ولفت المتحدث ذاته إلى أنه “من المرتقب أن يعرف القطاع تأسيس الشركات المهنية، ما سيطرح تساؤلًا حول كيفية تعامل العمالات معها”، مشددًا على أن “إحداث الوكالة سوف يجعل المهنيين، مستقلين أو في إطار شركات، أمام مخاطب وحيد يَسهل الحوار معه، بخلاف الوضع حاليًا مع وزارة الداخلية التي يجد المهنيون صعوبة في التحاور معها بسبب كثرة الملفات التي تشرف عليها”.
وبخصوص الصعوبات التي قد يطرحها نقل الاختصاصات من وزارة الداخلية إلى الوكالة الوطنية أوضح المهني ذاته أن “المرصد سوف يطالب البرلمان بتجميع كافة الدوريات والقرارات العاملية الخاصة بالقطاع في قانون منظم للمهنة، سوف يكون بمثابة الإطار المنظم لصلاحيات الوكالة والمؤطر لعملها”.
كما كشف آيت الحنة، للجريدة، أن “هذا المقترح سوف يتم طرحه على جميع الجهات ذات الصلة بقطاع سيارات الأجرة، بما فيها وزارة الداخلية والنقل والعدل، ورئاسة الحكومة، ورؤساء الفرق البرلمانية بالغرفتين، والمؤسسات الاقتصادية المعنية”، مبرزًا أن “المراسلات التي سوف توجه بشأنه إلى هذه الجهات مُصاغة وموجودة، وقد يُشرع في إرسالها بدءًا من الأسبوع القادم”.
من جهته ذكر العياشي أولاد جمعة، رئيس المرصد سالف الذكر، أن “المغرب أحدث عدة وكالات لتسيير القطاعات التي كانت شبه متوقفة، مع منحها صلاحيات واسعة، ولذلك يصر المرصد على ضرورة إحداث هذه الوكالة”، مشددًا على أن “المملكة بما أنها مقبلة على استحقاقات عالمية، وبصمت على إنجازات اقتصادية وسياسية ورياضية كبيرة، فإنها مطالبة بمواكبة هذه المكاسب بتنظيم قطاع سيارات الأجرة عبر إحداث الوكالة”.
وأضاف أولاد جمعة، في تصريح لهسبريس، أن “عشرات الدوريات الوزارية والقرارات العاملية، التي وجّهت بغرض إصلاح القطاع، لم تفِ بالغرض، نظرًا لتعقد المشاكل التي يعاني منها الميدان وخصوصياته المحلية”، وزاد موضحًا: “حينما نتحدث مثلًا عن شراء عدة أشخاص في الشمال للمأذونيات لمدة 99 سنة يبرز التساؤل كيف يمكن تطبيق العقد النموذجي على هؤلاء؟”.
وأكد المتحدث ذاته أن “تعدد الأحكام التي تزعزع المهنيين وتحولهم إلى متشردين هو بدوره من الأسباب التي تلح على إخراج وكالة وطنية لتسيير قطاع سيارات الأجرة إلى حيز الوجود”.
وبخصوص تصور المرصد لتركيبة المجلس الإداري للوكالة كشف المصرح عينه أن “المقترح هو أن يضم هذا المجلس الوزارات المتدخلة، وهي الداخلية والعدل والنقل والمالية، إضافة إلى المهنيين، وكذا ممثلين عن أصحاب المأذونيات، إلى حين إيجاد حل لإشكالية الترخيصات، فضلاً عن خبراء وقانونيين”.