آخر الأخبار

بلقزيز: "الاستعمار الجديد" يستغل حقوق الإنسان في تفتيت المجتمعات المارقة

شارك الخبر
مصدر الصورة

قال المفكر والأكاديمي عبد الإله بلقزيز إن “حقوق الإنسان” اليوم انحطت من قضية عليا مبدئية مثالية إلى قضية سياسية تخضع لكثير من الابتزاز، يستعملها الخطاب الاستعماري الجديد “لتفجير الأوطان من الداخل”، مردفا: “كم من الجرائم اليوم ترتكب باسم المبادئ السامية التي ناضلت من أجلها البشرية في أزمنة مضت”.

جاء هذا في مداخلة لبلقزيز خلال ندوة بعنوان “حقوق الإنسان في مرآة العلوم الإنسانية”، نُظّمت مساء أمس الخميس في المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، بمناسبة الذكرى الأولى لرحيل الحقوقي والمحامي أحمد شوقي بنيوب، الذي شغل منصب المندوب الوزاري لحقوق الإنسان، وذكر فيها المتدخل أن الفقيد “ذو أثر كبير في البلاد وميدان حقوق الإنسان على نحو خاص”.

ولبلوغ خلاصة واقع “أدلجة حقوق الإنسان” انطلق المتحدث من الأصول الفلسفية للفكرة، التي “شأنها شأن أفكار سياسية كثيرة مثل المجتمع المدني، والديمقراطية، والدولة، تبلورت في الفكر الفلسفي، وخاصة الفلسفة السياسية، وانتقلت من بيئة الفلسفة إلى بيئات معرفية أخرى، خاصة عند تكوُّن العلوم الإنسانية والاجتماعية (…) وتبلورت أولا بمسمى الحقوق الطبيعية، مع مفكري العقد الاجتماعي مثل روسو وهوبز ومونتيسكيو… المنطلقين من فكرة تصرفوا معها وكأنها مسلمة لا تحتاج تبريرا؛ وهي أن الطبيعة منحت الناس حقوقا بالتلقاء، مثل الحرية وغيرها”.

وزاد المفكر شارحا: “هكذا كان مفهوم الحق الطبيعي مركزيا في هذه الفلسفة التي تفترض حقبة أولى تشكّلت قبل قيام الدولة، أسميت حالة الطبيعة؛ وهي حالة اتسمت في نظرهم بغياب أي سلطة رادعة، وبالتالي بقدر من الفوضى وحريات مطلقة غير مقيدة من سلطة مركزية. والمشكلة تكمن في أنه ليس ثمة من ضمانات لضمان هذه الحقوق؛ فمجتمع حالة الطبيعة مجتمع حرب الجميع على الجميع بتعبير هوبز. وفي جو الصراع لا يستطيع الناس الحفاظ على الحقوق وحمايتها؛ وبالتالي وجب الخروج من حالة الفوضى إلى حالة النظام، بسلطة فيهم تردع الناس”.

وتابع بلقزيز: ” لهذا ستصبح الدولة حلا لفلسفة العقد الاجتماعي، لكونها تكوّن رباطا سياسيا رادعا لكل الانتهاكات. ومع هذا صارت حقوق الإنسان هي الحقوق الطبيعية بعدما صانتها الدولة، وتطوّرت إلى حقوق مدنية وسياسية وأجيال أخرى بعد استتباب الأمر لنظام الدولة الوطنية (…) التي ترعى الحقوق وتسنُّها وتحميها”.

لكن الأمر لا يقف هنا بالنسبة للأكاديمي البارز عربيّا، فقد نبه إلى أنه رغم ما يبدو من شمول للإنسانِ، كلِّ الإنسانِ، في عنوان مثل “إعلان حقوق الإنسان والمواطن”، إلا أن “الإنسان بالتعريف في خطاب الثورة الفرنسية والخطاب الأمريكي في دستورها وفي بريطانيا هو المواطن، لا الإنسان العابر للأوطان والتشريعات”، وزاد: “وحتى اليوم مازال هذا: هل يعني الأوروبيّ والأمريكي إنسانا آخر في أمريكا اللاتينية مثلا أو منطقة أخرى؟! لا يعنيه، بل يعني إنسانه”.

ثم استرسل المتحدث قائلا إن “الإلحاح على الإنسان بمفهومه الشامل للعالم سيقع بعد الحرب العالمية الثانية، زمن صراع المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي”، سعيا إلى “اغتنام مسألة حقوق الإنسان كورقة سياسية في المعركة الدائرة بين المعسكرين؛ فيسلّط المعسكر الغربي الضوء على محنة حقوق الإنسان في المجتمعات الاشتراكية، وهي الأسطوانة عينها التي استعملت ضد من سماها الخطاب النيوليبرالي الأمريكي دولا مارقة، فدخلت حقوق الإنسان نفقا كالحا”.

“هذا النفق هو تفكيك الأوطان الذي تم تحت عنوان الإصلاح، مثلما حدث في القرنين التاسع عشر والعشرين، واستمر في القرن الحادي والعشرين: تفكيك الإمبراطورية العثمانية بدعوى الإصلاح، واستعمار المغرب ودول أخرى بدعوى تحديث المؤسسات والسلطة، وهو ما حدث مع العراق ودول بأمريكا اللاتينية”، يورد بلقزيز.

ما الذي يعنيه هذا؟، يجيب صاحب سلسلة “العرب والحداثة”: “كل المبادئ الكبرى تحولت إلى أزعومات سياسية تُستَثمر سياسيا لتفكيك الأوطان والدول والعدوان عليها؛ وبالتالي انتقلت حقوق الإنسان من فكرة عُليا كبرى نموذجية مثالية إلى إيديولوجيا. ونحن اليوم في قلب إيديولوجيا حقوق الإنسان، لا فكرة حقوق الإنسان كما تبلورت في أصولها الفلسفية، وكما جرى العمل بها إلى حدود الحرب العالمية الثانية”.

وواصل المتحدث مفصّلا: “في طور العولمة نية المعسكر الغربي هي إطباق السيطرة على كل العالم، ومن وسائل ذلك استغلال وضيع لمسألة حقوق الإنسان. ففي حين توجد جملة من الحقوق المتدرجة من الفرد إلى الأمة، مرورا بالطبقات الاجتماعية، وهو حق انتزَعه العمال والفلاحون بالقوة من البورجوازية، ثم مع الاستعمار انتُزع حق الشعب في تقرير مصيره ودحر الاحتلال الأجنبي، ومع التجزئة الكولونيالية صار للأمة الحق في توحيد نفسها والرد على التجزئة الكولونيالية؛ إلا أن الخطاب النيو – كولونيالي العولمي لم يعد له حديث عن حقوق الفرد والشعب والأمة، بل يتحدث عن حقوق قِلَّات اجتماعية عمودية انقسامية، لا أقليات”.

ويقدّر بلقزيز أن هذا التركيز على “حقوق القِلَّات” وعدم الاهتمام بـ”حقوق الفرد، والشعب، والأمة”، يروم “تمزيق المجتمعات بناء على هذا الأساس؛ فالمجتمع الذي يراد تفتيته يقال إنه لا يحترم حق هذا المذهب من المذاهب مثلا… في تزوير فاضح لمعنى حقوق الإنسان في السياق العالمي الجديد الذي دشنته العولمة في ثلث القرن الأخير من التسعينيات إلى يوم الناس هذا”.

من جهته تحدث النقيب عبد الرحيم الجامعي عن الراحل شوقي بنيوب واصفا إياه بـ”صاحب عقل حقوقي يقود به مشروعا كاملا ومتكاملا، معنيا بثقافة وعلم حقوق الإنسان؛ فقد كان يعتبر حقوق الإنسان علما لا هواية، ينطلق من قراءة التاريخ ومراحله، وقراءة الواقع والحاضر، والتنبؤ بمستقبله، في ممارسة مليئة بشحنة نضالية حقوقية فكرية، محصنة بالفكر وسلاح الأخلاق والمعرفة، ولذا هو من كبار المناضلين المفكرين”.

ومن بين ما تطرّقت إليه مداخلة المحامي البارز كون حقوق الإنسان والعدالة صنوان، وشريكان، متكاملان، لا يمكن تصور أحدهما دون الآخر؛ وهو ما استحضره في سياق “حالة عبث ليس في التاريخ مثال لها، تمثلها ما تتلقاه حقوق الشعوب، وعلى رأسها الشعبان الفلسطيني واللبناني، من الكيان الصهيوني من تقتيل وتهجير ودمار، لا يقدر على تصوره عقل ولا خيال، لا سبيل أمامه إلا صمود المقاومة، وسلاح آخر استعملناه ومازلنا؛ العدالة والقانون دفاعا عن الحقوق والأرض وحصار الكيان؛ لكون العدالة إما أن تكون للجميع وأي إنسان بغض النظر عن الاختلافات وإلا لا تكون، أما تشتيتها بين الحسابات السياسة والدينية والإثنية فهي تصفية للحق في العدل والولوج إلى العدالة والولوج إلى القضاء، ومسخ للوظائف الكبرى التي تحدد مصير الحضارات والشعوب”.

كما ذكر الجامعي أن “ثورة العزيزية بتونس” و”حركة 20 فبراير بالمغرب”؛ “حاضرتان في الزمن الحقوقي المغربي، وكل من يتحدث عن نقلة الدستور يتحدث عن حركة 20 فبراير؛ ولها فضلان هما إشعال حماس جديد ظنه البعض ذاب وانتهى، وشق طريق جديد لمعايير جديدة لكرامة المواطن، وضرورة القطيعة مع البنيات العتيقة للسلطة والدولة”.

المؤرخ الطيب بياض تطرق من جهته إلى الواجب المزدوج للمؤرخ في المزج بين دوره الأخلاقي كناقد، يواجه توقعات المجتمعات، ودوره كـ”حكيم البلدة المعترف به”، ثم عاد إلى “تاريخ الزمن الراهن” والحذر المنهجي الواجب في التعامل مع أحداث “مازالت تعيش تفاصيلها”، قائلا: “الموضوعية لم تكن يوما مرتبطة بالمسافة الزمنية، بل بصنعة المؤرخ، وعدم الانتصار للقناعات السياسية والإيديولوجية؛ فرغم المسافة: هل من الممكن الموضوعية في الحديث بين عقبة بن نافع وكُسيلة؟”، في استحضار لصراعات التموقُفات المستمرّة حول بدايات الدخول الإسلامي للمغاربِ، وتأويلات الاصطدامات بين بعض وُلاة الأُمويّين وحكامٍ شمال إفريقيّين.

ومن بين ما يتطلبه الاشتغال على “الزمن الراهن”، وفق بياض، “اشتغال على صنف جديدة من الوثائق: مثل التدوينة، والصورة… وهذا توسيع للوثيقة وفق مارك بلوك، وعدم اقتصار على الوثيقة الرسمية المتأَكَّد من سلامتها فقط، ما يتطلب عدة منهجية”؛ مع وجود محاذير “الاشتغال على سيرورات غير مكتملة، وكيفية التعاطي مع هذه الأحداث الراهنة، مثل غزة، وما سمي الربيع العربي، وأحداث الحسيمة بالمغرب… والكتابة حول فاعلين مازالوا أحياء”، و”الحاجة إلى تأطير الذاكرة، والتعامل مع ذاكرة الشهود”، ما يستدعي “اجتهاد المؤرخ ضد مطبات النسيان، والانتقائية، وتضخم الأنا”.

أما المتدخل محمد الأزهر فاهتم بـ”الحماية القانونية والسياسية للمواطن وثقافته”، انطلاقا من “كتابات الفقيد الذي كان رجلا استثنائيا في حقوق الإنسان والسياسات العامة (…) وتكلم في مشروعه دائما عن الثقافة في علاقتها بحقوق الإنسان”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك الخبر

إقرأ أيضا