آخر الأخبار

عام على الزلزال.. منكوبون في الخيام ينتظرون تراخيص البناء وآخرون يشتكون “الإقصاء” (فيديو)

شارك الخبر

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على الرابط أعلاه للمشاهدة على الموقع الرسمي

ألقى سعيد نظرة شاردة وهو يتأمل أطلال منزل بناه قبل أكثر من عام، كان حينها على مشارف الزواج، لكن الزلزال هدم البيت وقطع آماله في تكوين أسرة.. أكثر ما يؤرق هذا الشاب الثلاثيني اليوم هو عدم إحصاء منزله وحرمانه من الدعم المخصص لضحايا الفاجعة ولإعادة إيوائهم، أما جيرانه من أبناء دوار “تسغيموت” بجماعة إجوكاك في إقليم الحوز فلم يرخص لهم بعد بإعادة بناء مساكنهم التي تهدمت.

على بعد حوالي 60 كيلومترا من تحناوت، مركز إقليم الحوز، يقبع العشرات في دوار “تسغميوت” تحت الأكواخ والخيام البلاستيكية منذ عام. بالنسبة لهؤلاء “كأن الزلزال وقع الليلة الماضية”، بحسب ما قال عدد منهم لجريدة “العمق”، لأن لا شيء تغير منذ الفاجعة.

يبدو الوصول إلى دوار “تسغيموت” مهمة مستحيلة، إذ يتطلب سلك طريق ترابية ضيقة تمر صعودا خلال الجبال، متفرعة عن الطريق الوطنية رقم 7 بين تحناوت وإجوكاك، يضطر السائق أثناء عبورها إلى السير بسرعة بطيئة جدا محاصرا بين الجبل من جهة والوادي من جهة أخرى.. بعد حوالي 4 كيلومترات من السير على هذا المسلك الخطير يتراءى مخيم على سفح الجبل.

زواج مجهض

أول ما يستقبلك عند النزول من هذه الطريق الوعرة إلى الدوار على سفح الجبل، منزل طيني تهتك سقفه وتهدمت جدرانه. يقف سعيد أمام أطلاله ويشير بسبابته قائلا “هذا البيت بنيته بمجهود شخصي على أمل أن أتزوج وأستقر فيه رفقة زوجتي، لكن كل شيء تلاشي واندثر يوم الثامن من شتنبر 2023”.

عند النظر إلى هذا المنزل الذي أصبح خرابا، يحس هذا الشاب الثلاثيني بخيبة أمل وغصة في الحلق، لأنه يذكره بالزلزال الذي كان بداية لكل شيء سيء في حياته. هزة أرضية لم تدم أكثر من 30 ثانية كانت كافية لإجهاض أحلام تبدو بسيطة، لكنها كبيرة في عيني سعيد.

يقول هذا الشاب بنبرة منكسرة إنه اشتغل في مهن مختلفة وفي مدن عدة بعيدا عن مسقط رأسه، وعندما تمكن من ادخار مبلغ من المال عاد إلى مدشره، ليبني بيتا بجانب منزل والديه، كلفه قرابة 40 ألف درهم.

عندما تم الإعلان عن تخصيص دعم لإعادة إيواء المتضررين من الزلزال، دبّ بعض الأمل إلى نفس سعيد، لكن كل شيء تحطم على صخرة “الإقصاء”، إذ يقول إن القائمين على الإحصاء استبعدوه بذريعة أنه أعزب، فحرم من الدعم.

يقطن سعيد اليوم رفقة والديه في خيمة بلاستيكية مدعومة بعصي وأعمدة خشبية، تتزاحم في مساحة صغيرة مع باقي خيام وأكواخ سكان المدشر، الذي تتوسطه قاعة للصلاة تم إعدادها بتعاون بين السكان كبديل للمسجد الذي تهدم، بالإضافة إلى خيمة كبيرة تخصص لاستقبال زوار وضيوف الدوار.

“الشتاء قادم”

هنا في هذا الركن القصي من إقليم الحوز لا يوجد أي أثر لإعادة الإعمار، مجرد خيام وأكواخ متشبثة بمنحدر وتطل على الوادي. هدوء يخيم على المكان، لا يكسره سوى صياح بعض الصبية وهم يلعبون.

بالنسبة لمحمد أوبلعيد، وهو أحد سكان الدوار، فإن هذا الوضع وهذه الخيام تصر على تذكيره بالفاجعة التي حدثت قبل عام، “الزلزال بحال إلا داز غير البارح، وحنا خرجنا للخيام، مزال غنبداو ثاني من الأول ونجيبو الميكة اللي رشات بالشمس”.

أغلب الرجال في هذا الدوار يشتغلون في مدن بعيد من قبيل البيضاء ومراكش وغيرها، ويترددون على زيارة أسرهم كلما سمحت لهم الظروف، لكن بعد الزلزال أجبروا على المكوث في الخيام رفقة أزواجهم وأبنائهم، بحسب ما استقت “العمق” على ألسنة عدد منهم.

يقول أحد السكان للجريدة، “في ظل هذا الوضع لا نستطيع مغادرة المكان وترك أسرنا في هذا الوضع، خصوصا إذا تساقطت الأمطار أو الثلوج، فالخيمة مهددة بالانهيار على رؤوس ساكنيها في أي لحظة”، مضيفا أن دعم 2500 درهم شهريا المخصص للمنكوبين خفف عنهم معاناتهم، لكنه استدرك “الدعم يوشك على الانتهاء والشتاء قادم”.

تعثر إعادة الإيواء

تمر إعادة الإيواء في دواوير الحوز بعدد من المراحل، أبرزها إحصاء المنازل المنهارة والمتضررة جزئيا، ثم هدم تلك التي سيعاد بناؤها، بعد ذلك تأتي مرحلة إزالة الأنقاض من المكان، فالحفر والبناء، بعد الترخيص للسكان بذلك. لكن في دوار “تسغيموت” لم يتم بعد إزالة الأنقاض.

وعن هذا التعثر في إجراءات إعادة الإيواء يقول الحسين أوبلعيد، وهو فاعل جمعوي وواحد من السكان، “في البداية قالو لنا إنه لا يمكن إعادة البناء في مكان الدوار، بعد ذلك أخبرونا بأن خمسة دور لا يمكن إعادة البناء في مكانها، والباقي سيعاد بناءه في مكانه”.

واسترسل المتحدث، “حلت آليات شركة بالدوار وهدمت الأطلال التي خلفها الزلزال” ومنذ ذلك الحين والسكان في الخيام بدون حمامات ولا مراحيض، “وعدنا قائد المنطقة بأن الشركة التي ستزيل الأنقاض لتهييئ المكان ليكون صالحا لإعادة البناء في المكان ستشرع في العمل قريبا”.

“استحملنا البرد القارس والحر الشديد في الخيام، ونحن الآن نتهيأ لنقضي البرد مجددا في المكان ذاته”، يقول أحد السكان، مطالبا السلطات بتسريع إجراءات إعادة إيواء المنكوبين، الذين يعيشون ظروفا صعبة منذ عام.

فقد الكثير من السكان مورد رزقهم بعد الزلزال، خصوصا أنهم يعتمدون على الماشية التي يرعونها في جبال المنطقة. يوم الثامن من شتنبر سنة 2023 نفقت العديد من رؤوس الماشية تحت الأنقاض، وحتى تلك التي نجت باعها عدد من أصحابها بأثمان بخسة لأنهم لم يجدوا مكانا يأويهم فبالأحرى إيواء قطعانهم.

“منسيون”

طالما شعر الكثير من السكان في هذا المدشر بأنهم منسيون ومعزولون عن العالم الخارخي، وتضخم لديهم هذا الشعور بعد الفاجعة. يقول أحد السكان إنهم انتشلوا الجثت وأنقذوا الجرحي من تحت الركام بإمكانيات ذاتية، إذ لا يوجد طريق لمرور رجال الوقاية المدنية وسيارات الإسعاف.

ويتذكر عدد من شباب الدوار كيف كانوا يحملون الجرحى على أكتافهم عبر طريق جبلي وعر يمتد لحوالي أربعة كيلومترات، تعيقه الأحجار المتساقطة من الجبال، “كنا نصل إلى الطريق الوطنية بعد جهد جهيد وكنا نعترض طريق سيارات الإسعاف لتحمل المصابين إلى المستشفى”، يقول أحد السكان.

كانت الأيام الأولى للفاجعة صعبة جدا بالنسبة لهؤلاء القرويين، فحتى قوافل المساعدات لم تجد طريقا للوصول إليهم، ولم تعرف بوجودهم أصلا، وهو ما اضطر عددا منهم إلى الوقوف بجانب الطريق المعبدة وتنبيه المنقذين وقوافل المساعدات إلى أن هناك منكوبون على بعد كيلومترات.

 تعويض جزئي

كل الدواوير التي زارتها جريدة “العمق” بمنطقة الحوز، بعد عام على الزلزال، تهدمت منازلها كليا أو تضررت بشكل كبير لم تعد معه صالحة للسكن، مما دفع السلطات إلى هدمها، لكن في المقابل استفاد عدد كبير من المتضررين من دعم 80 ألف درهم فقط المخصص لإعادة بناء المنازل المنهارة جزئيا رغم انهيار دورهم كليا.

في ويركان، جنوب مدينة مراكش، ما يزال الكثير من السكان يقطنون تحت الخيام، وعدد من الدور الحديثة في طور البناء، قليل منها شارف على الانتهاء. يتزود السكان في هذا المخيم بالماء من عدة صنابير، كما تم وصل الخيام بأسلاك الكهرباء، لكن المراحيض والحمامات قليلة ومشتركة بين كل السكان.

واشتكى العديد من المنكوبين بالمنطقة، في حديثهم لـ”العمق”، من إحصائهم ضمن من انهارت منازلهم جزئيا، قائلين إن ذلك مكنهم فقط من الاستفادة من دعم 80 ألف درهم بدل، مبلغ 140 ألف درهم المخصص لمن انهارت منازلهم بشكل كلي، العربي أحد هؤلاء.

يعول العربي أسرة تتكون من تسعة أفراد؛ هو وزوجته بالإضافة إلى أربعة أبناء وثلاثة أولاد، ضمنهم أطفال. يحاول هذا القروي جاهدا منذ أشهر إعادة بناء منزل بدل الذي انهار، ليجمع أسرته تحت سقف بيت دافئ بدل الوضع الذي يعيشونه تحت الخيمة.

كل ما أنجزه العربي إلى حدود اليوم، في ما يتعلق بأشغال البناء، هو حفر الأساس ووضع بعض القضبان الحديدية، موضحا في هذا الصدد أن بناء منزل إسمنتي يعد أمرا مكلفا جدا بالنسبة لشخص مثله، “أعمل رفقة ابني في بناء المنزل كلما تيسر لي الوقت، لأنني مضطر إلى العمل خارج الدوار لأجلب لأبنائي قوت يومهم”.

“أسوء من الزلزال”

ما عاشه ويعيشه العربي رفقة عائلته طوال هذه الشهور بعد الفاجعة “أسوء من الزلزال”، كما قال في حديثه لـ”العمق”، فإذا كان الزلزال استمر فقط لثوان معدودة فإن المحنة التي تلته طالت لأشهر، ولا يبدو أنها ستنتهي قريبا.

مازالت ذاكرة العربي تحتفظ، بصورة واضحة، بما حدث ليلة الثامن من شتنبر من السنة الماضية، “دائما تستدعي ذاكرتي تلك المشاهد المؤلمة. لا يمكن أن أنسى”، وحتى إذا أراد العربي وجيرانه نسيان ما وقع، ولو مؤقتا، فإن مشاهد الخيام والأكواخ تصر على تذكيرهم بتلك الليلة العصيبة.

لا يخفي كل من تحدثت إليهم جريدة “العمق” من منكوبي الزلزال بإقليم الحوز، خوفهم الشديد من التساقطات المطرية بالمنطقة مع اقتراب فصل الشتاء، في ظل سكنهم بخيام يدركون أنها لا تصمد أمام السيول والثلوج.

كما يتخوف المنكوبون أيضا من أن تتفاقم نكبتهم، بتوقف المساعدات المالية المحددة في 2500 درهم التي استفادوا منها نهاية كل شهر منذ الفاجعة. لقد بات المستقبل القريب مفزعا للكثير من سكان الخيام هؤلاء.

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
العمق المصدر: العمق
شارك الخبر

إقرأ أيضا