في 26 ديسمبر 2025، أعلنت إسرائيل اعترافها الرسمي بـ"أرض الصومال" كدولة مستقلة، في خطوة غير مسبوقة جعلتها أول دولة تقدم على ذلك منذ إعلان الإقليم انفصاله عام 1991.
وعقب الإعلان، تتابعت إدانات إقليمية ودولية واسعة اعتبرت الخطوة مساساً بوحدة الصومال وتهديداً لاستقرار القرن الأفريقي.
وبينما بدا القرار في ظاهره اعترافاً دبلوماسياً، إلا أنه عملياً يفتح باباً لأزمة أمنية بحرية؛ لأن ساحل أرض الصومال يطل على خليج عدن عند تخوم الممر الذي يقود إلى باب المندب والبحر الأحمر. وهي جغرافيا تتقاطع فيها الحرب في اليمن، واضطرابات السودان، والتنافس الإثيوبي الصومالي، والتهديدات الإرهابية العابرة للحدود.
النتيجة هي أن البحر الأحمر، الذي لم يلتقط أنفاسه منذ موجة استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل ثم تمدد المخاطر إلى شركات وشحنات متعددة، بات أمام عامل تفجير جديد يخلط الاعتراف السياسي بالمكاسب الأمنية وبحسابات الردع والانتقام، ويزيد من قابلية انتقال الصراع من البر إلى البحر.
الاعتراف وتداعياته المباشرة في القرن الأفريقي
الاعتراف الإسرائيلي لم يأتِ في فراغ، بل في لحظة انكشاف استراتيجي في القرن الأفريقي، حيث تتحول الموانئ إلى "عملة نفوذ" وتتحول الاعترافات إلى أدوات ضغط.
من زاوية مقديشو: يمثل الاعتراف سابقة تهدد فكرة وحدة الدولة الفيدرالية، وتمنح الإقليم المنفصل غطاءً سياسياً يمكن أن ينعكس على ملفات المساعدات والاستثمارات والتسليح والشراكات الأمنية؛ وهو ما يفسر توصيف الحكومة الصومالية للخطوة كاعتداء على السيادة وسعيها لمواجهتها دبلوماسياً وقانونياً.
من زاوية هرجيسا: يمثل الاعتراف اختراقاً تاريخياً في معركة الشرعية الدولية، لكنه يرفع أيضاً سقف المخاطر؛ لأن أي تقارب أمني أو استخباراتي مع إسرائيل سيجعل الإقليم هدفاً محتملاً لوكلاء إقليميين أو لجماعات مسلحة تبحث عن عناوين تعبئة جديدة.
هذا التوتر تضاعف سريعاً مع موقف الحوثيين؛ ففي 28 ديسمبر 2025 أعلن زعيم الجماعة أن أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال سيعد "هدفاً عسكرياً"، وهو تهديد ينقل الصراع نظرياً من مسرح البحر الأحمر قبالة اليمن إلى مسرح ممتد نحو خليج عدن والسواحل المقابلة في القرن الأفريقي.
في الخلفية، يقف ملف إثيوبيا والصومال كقنبلة مؤجلة منذ مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال مطلع يناير 2024 للحصول على منفذ بحري عبر " بربرة" مقابل حديث عن اعتراف إثيوبي محتمل، وهو ما رفضته الصومال وعدّته بلا أثر قانوني. وقد اعتبر تحليل لـ"مجموعة الأزمات الدولية" تلك الصفقة محفزاً لتوترات أوسع لأنها تمس توازنات السيادة والحدود والهوية في منطقة هشة، وقد تخلق سلسلة ردود فعل إقليمية.
يأتي اعتراف إسرائيل ليضيف طبقة جديدة فوق هذا الخلاف، لأنه يرفع قيمة ساحل أرض الصومال في أعين اللاعبين الإقليميين، ويزيد حساسية أي ترتيبات بحرية أو قواعد أو تسهيلات لوجستية حتى لو ظلت في إطار التعاون المدني.
من باب المندب إلى خليج عدن: لماذا تتحول الجغرافيا إلى ساحة صراع؟
باب المندب ليس مجرد مضيق، بل نقطة خنق لسلاسل الإمداد بين آسيا وأوروبا، ورافعة مالية لقناة السويس، ومجال اختبار لقوة الردع لدى القوى الإقليمية والدولية.
منذ نوفمبر 2023، دفعت هجمات الحوثيين على الشحن التجاري شركات كبرى إلى تحويل مساراتها حول رأس الرجاء الصالح؛ ما رفع زمن الرحلات والكلفة والتأمين وأدخل التجارة العالمية في حالة تذبذب مزمنة.
وحتى عندما تراجعت وتيرة بعض الهجمات في فترات متقطعة، ظل تقييم المخاطر مرتفعاً في ممرات البحر الأحمر و خليج عدن، كما تظهر نشرات التهديد البحري المشتركة (UKMTO) التي تقيّم مستويات الخطر بحسب الارتباط بإسرائيل ودينامية التصعيد في غزة واليمن.
في هذا السياق، يأتي تهديد الحوثيين المرتبط مباشرة بأرض الصومال ليخلق معادلة جديدة عنوانها ليس فقط استهداف السفن، بل أيضاً استهداف أي تموضع على الضفة الأفريقية المقابلة.
وتصبح هذه المعادلة أخطر عندما تدخل الجماعات المتطرفة على الخط:
حركة الشباب: تظل التهديد الأهم داخل الصومال وفق توصيفات أممية متكررة، وهي تمتلك قدرة على تنفيذ عمليات معقدة وعابرة للمناطق وتستثمر في اقتصاد ظل محلي وإقليمي.
تنظيم الدولة في الصومال: رغم صغر حجمه، إلا أنه اكتسب أهمية متزايدة في شبكة التنظيم عالمياً (وفق "مجموعة الأزمات الدولية").
الخطر البحري هنا ليس أن هذه الجماعات ستسيطر غداً على مضيق، بل أن تتوسع خياراتها لتهديد الشحن عبر السواحل، أو عبر تهريب السلاح والتكنولوجيا، أو تنسيق تكتيكي يرفع كلفة التأمين ويزيد احتمالات العمليات النوعية.
وقد أشارت تحليلات لـ"مركز مكافحة الإرهاب في وست بوينت" إلى اتساع شبكة الحوثيين في القرن الأفريقي وروابطهم مع شبكات تهريب وسماسرة سلاح في بيئة خليج عدن، مما يخلق جسوراً بين اقتصاد الحرب في اليمن وبيئات التطرف على الضفة الأخرى.
كما وثّق تقرير لـ"معهد الدراسات الأمنية" (ISS Africa) مسارات تهريب بحري للسلاح تنتهي في أسواق تغذي جماعات العنف، وهو ما يرفع المخاطر الهيكلية حتى وإن لم يتحول فوراً إلى هجمات بحرية.
أخطار التوتر على الملاحة وقناة السويس واقتصاد الحرب الإقليمي
أي تصعيد في البحر الأحمر لا يضرب السفن فقط، بل يضرب الاقتصاد السياسي لدول الممر.
فقد وثّق صندوق النقد الدولي أن حجم التجارة العابرة ل قناة السويس هبط بنحو النصف في أول شهرين من عام 2024 مقارنة بالعام السابق، مع قفزة كبيرة في الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح.
هذا التحول يترجم مباشرة إلى ضغط على إيرادات مصر من العملة الصعبة، وكلفة إضافية على أوروبا وآسيا، وتضخم في أسعار النقل والتأمين.
ومع استمرار عدم اليقين، أصبحت شركات الشحن تدرس العودة المشروطة أو الجزئية، لكنها تربط ذلك باستقرار أمني قابل للتنبؤ، وهو ما يفسر سؤال السوق الدائم: "هل عاد البحر الأحمر آمناً فعلاً؟"
تقرير "الأونكتاد" أشار إلى أن تحويل المسارات يضيف أميالاً وأياماً وتكاليف وقود وزمناً مهدوراً، ما يفاقم الكلفة الاقتصادية. كما وثق "البنك الدولي" ارتفاعاً حاداً في زمن الرحلات، ما يعيد تشكيل أنماط التجارة والجدوى التشغيلية للموانئ.
البعد السوداني: يأتي السودان ليضيف بعداً ثالثاً؛ فمنذ 2025 بدأت الحرب السودانية تقترب من الساحل عبر هجمات بالمسيّرات على بورتسودان، ما يهدد عقدة الإغاثة والتجارة ويخلق مخاطر تتصل بالبنية التحتية والوقود.
في قراءة لـ"مجموعة الأزمات الدولية"، فإن ضرب بورتسودان يمثل تصعيداً دراماتيكياً ينقل الحرب إلى واجهة البحر الأحمر ويزيد احتمالات الارتباك الإقليمي، بالتوازي مع تقارير ملاحية (Inchcape) عن تشويش وتداخلات إلكترونية قرب الساحل السوداني.
سيناريوهات التصعيد والاحتواء:
المصدر:
سكاي نيوز