حين تسلّمت جنوب أفريقيا رئاسة مجموعة العشرين العام الماضي، كانت تتطلع إلى أن تمكنها تلك الخطوة، كأول دولة أفريقية تستضيف اجتماع قادة العالم، من التصدي لقضايا ذات أهمية كبيرة بالنسبة للدول النامية.
فعلى سبيل المثال، ترغب جنوب أفريقيا في أن يأخذ رؤساء دول مجموعة العشرين، الذين تمثل بلدانهم أكبر اقتصاديات العالم، بعين الاعتبار ضرورة خفض تكلفة الاقتراض بالنسبة للدول النامية، إذ كونها تتحمّل أسعار فائدة تفوق ما تدفعه الدول المتقدمة بما يعادل مرتين إلى أربع مرات.
كما تشمل محاور قمة الأسبوع الجاري العمل على توفير تمويل واضح لقضايا تغيّر المناخ، وتعزيز مشاركة الدول الأفريقية في المنتديات متعددة الأطراف، وضمان تحقيق أقصى فائدة ممكنة من معادنها الاستراتيجية.
بيد أن الخطاب المتداول بشأن الاجتماع حتى هذه اللحظة تهيمن عليه بشدة خطوة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، المعلَنة بعدم مشاركته.
وقال ترامب إنه سيمتنع عن الحضور بحجة ادعاء مثير للجدل، جرى تفنيده على نطاق واسع، بأن الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا تتعرّض لعمليات قتل واسعة النطاق ونهب للأراضي.
وكانت العلاقة الثنائية بين البلدين قد توترت على مدار العام الماضي، وأقدمت الولايات المتحدة على طرد سفير جنوب أفريقيا لدى واشنطن، فضلاً عن تقليص جانب من تمويل مساعداتها، وفرض رسوم جمركية بنسبة 30 في المئة على جنوب أفريقيا، وهي النسبة الأعلى في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء.
وأخيراً، وبعد أن صرّح في بادئ الأمر بأنه سيرسل نائب الرئيس، جي دي فانس، إلى قمة مجموعة العشرين، عاد ترامب قبل أسبوعين ليعلن بصورة مفاجئة أنه لن يشارك أي ممثل أمريكي في القمة.
وسعت حكومة جنوب أفريقيا إلى تبني خطاب يتسم بالتحدي مع الحفاظ على طابعه الدبلوماسي، ونفت على نحو قاطع مزاعم حصول "إبادة جماعية للبيض"، وشددت على أن القمة ستنعقد بحضور الولايات المتحدة أو في غيابها.
وفي تحول مفاجئ، وقبل أقل من 48 ساعة على انطلاق قمة مجموعة العشرين، أفادت الولايات المتحدة بأنها سترسل فريقاً صغيراً من دبلوماسيين موجودين بالفعل في جنوب أفريقيا لحضور مراسم التسليم، غير أنها لن تشارك في أي محادثات.
ونظراً لاستمرار حدة التوتر الدائر بين البلدين، تُثار مخاوف من احتمال حرمان دبلوماسيي جنوب أفريقيا من المشاركة في الاجتماعات عندما تتسلم الولايات المتحدة رئاسة مجموعة العشرين العام المقبل.
ولفت إينوك غودونغوانا، وزير مالية جنوب أفريقيا، خلال مؤتمر صحفي عُقد في مستهل الأسبوع الجاري، إلى أن شيئاً واحداً فقط هو ما قد يمنع مشاركتهم في اجتماعات العام المقبل.
وأضاف: "نحن أعضاء في مجموعة العشرين، ولسنا دولة مدعوة، لذا لا يلزمنا الحصول على دعوة من أي جهة".
وقال غودونغوانا: "إذا كانت الولايات المتحدة لا تريد مشاركتنا، فالوسيلة الوحيدة لتحقيق ذلك هي رفض إصدار تأشيرات لنا".
فهل ستنجح جنوب أفريقيا في تحقيق أهدافها في غياب أغنى دولة في العالم؟
يرى البروفيسور ريتشارد كالاند، من معهد كامبريدج للقيادة في مجال الاستدامة، أن ذلك من الممكن أن يحدث.
وأضاف: "أظن أن الأشخاص الذين يتحلون بالجديّة في تحليلاتهم لن يهتموا كثيراً بغياب الولايات المتحدة".
وقال: "من المفارقات أن غياب الرئيس ترامب قد يفتح المجال أمام التوصل إلى إجماع فعلي، إذ لن يضطر المشاركون إلى مراقبته عن كثب لمحاولة استشراف سلوكه أو فهم مواقفه".
ويلفت كالاند إلى أن غياب الولايات المتحدة قد يتيح للدول متوسطة القوة فرصة لتصعيد دورها والدفاع عن إصلاحات تطمح إليها عبر إصدار بيان مشترك.
ورداً على أسئلة صحفيين في مقر انعقاد القمة في جوهانسبورغ يوم الاثنين، أيد وزير خارجية جنوب أفريقيا، رونالد لامولا، هذا الموقف تحديداً.
وأضاف: "(الولايات المتحدة) ليست حاضرة، وبالتالي في غيابها، ينبغي على الدول المشاركة أن تتخذ قراراً".
وأضاف: "نواصل السعي من أجل إقناع الدول المشاركة بضرورة اعتماد بيان صادر عن القادة، إذ لا يمكن للمؤسسة أن تتعثر بسبب غياب أحد".
ويمثّل بيان القادة خلاصة الجهود المبذولة طوال العام للتوصل إلى إجماع بشأن قضايا مؤثرة في الاقتصاد العالمي، مثل العقبات التجارية، والتطورات التكنولوجية، وتغيّر المناخ، كما يوضح البيان القرارات التي تعهّدت الدول الأعضاء بالعمل على تنفيذها في المستقبل.
وليس الرئيس ترامب وحده من بين رؤساء الدول الذي لن يحضر القمة، إذ قرر شي جينبينغ، رئيس جمهورية الصين، إرسال رئيس وزرائه لي تشيانغ، الذي مثّل الرئيس في عدة اجتماعات خلال العام الجاري.
كما سيغيب عن حضور القمة، الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، وذلك بسبب الأمر الصادر ضده من المحكمة الجنائية الدولية.
ولن تشارك كلاوديا شينباوم، رئيسة المكسيك، في القمة، كما يغيب عن الحضور الرئيس الأرجنتيني وحليف ترامب، خافيير ميلي، تعبيراً عن تضامنه مع واشنطن.
وعلى الرغم من ذلك، بخلاف الولايات المتحدة، سوف ترسل جميع هذه الدول وفوداً رفيعة المستوى لتمثيل مصالحها.
وأراد لامولا التقليل من شأن غياب بعض القادة، وأشار إلى أن قادة الدول قد لا يستطيعون أحياناً حضور الفعاليات الكبرى، وأنه "ليس من الغريب" أن يرسلوا ممثلاً عنهم.
كما أعربت قوى عالمية أخرى عن تأييدها لرئاسة جنوب أفريقيا لمجموعة العشرين، من بينها فرنسا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذي أبرم اتفاقاً مع جنوب أفريقيا يوم الخميس يهدف إلى تعزيز استخراج المعادن الاستراتيجية، والأهم من ذلك، معالجتها داخلياً.
ولطالما طالبت الدول الأفريقية بمعالجة المعادن داخل أراضيها قبل تصديرها، لافتة إلى أن ذلك يسهم في تعزيز اقتصاداتها، من خلال تعزيز التنمية وفرص العمل والدخل الضروري.
وتتمثل هذه في المبادرات التي كرست بريتوريا، عاصمة جنوب أفريقيا، جهودها خلال العام للضغط من أجلها ضمن مجموعات العمل المتنوعة واجتماعات الوزراء.
وتُعد جنوب أفريقيا آخر دولة في مجموعة العشرين تتسلم الرئاسة ضمن هذه الدورة الحالية، كما أنها آخر دولة من دول الجنوب العالمي تحتضن هذا الاجتماع، بعد أن قادت إندونيسيا والهند والبرازيل القمة خلال السنوات الثلاث السابقة.
وبناء عليه تُصرّ حكومة جنوب أفريقيا على اغتنام فرصة رئاستها للقمة من أجل تقريب الفجوة التنموية بين الشمال والجنوب العالمي، كما تسعى لتعزيز العدالة والاستدامة والرفاهية المشتركة.
وعلى الرغم من أن تحقيق إجماع من خلال المؤسسات متعددة الأطراف كمجموعة العشرين يزداد صعوبة في عالم منقسم، يؤكد كالاند على أن الحاجة إلى الإجماع أصبحت ضرورة ملحّة أكثر من أي وقت مضى.
وأضاف: "الحياة البشرية على كوكب الأرض تواجه سلسلة من التحديات الوجودية، بما في ذلك تغيّر المناخ والتحولات الديموغرافية والثورة التكنولوجية وغيرها".
وقال: "كل هذه تمثل نقاط ضغط بالغة الصعوبة بالنسبة للمجتمع البشري، ولا يمكن معالجتها إلا من خلال تعاون وتنسيق دولي."
ويقول ترامب وأنصاره إن المنظمات متعددة الأطراف لا تؤثر كثيراً في واقع حياة الأفراد، ويفضلون الاتفاقيات الثنائية التي تُبرم مباشرة بين دولتين.
بيد أن جنوب أفريقيا ودولاً نامية أخرى ترى أن قضايا مثل تقليل تكلفة الاقتراض عن كاهل الدول الأشد فقراً تستدعي مساهمة مؤسسات دولية كصندوق النقد الدولي، ولا يمكن تحقيقها عبر اتفاقات ثنائية مباشرة بين دولتين.
وتُعد رئاسة جنوب أفريقيا لمجموعة العشرين، في كثير من الجوانب، جزءاً من نقاش أشمل حول تعددية الأطراف ومدى فاعليتها.
وإذا استطاعت جنوب أفريقيا إقناع بقية الدول الأعضاء في مجموعة العشرين بإصدار بيان مشترك يوم الأحد، فقد تكون قد أثبتت إمكانية التوصل إلى توافق بدون مشاركة أقوى دولة في العالم.
المصدر:
بي بي سي
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة