آخر الأخبار

سقوط الفاشر وأثره على سياسة واشنطن بالسودان

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

بعد مرور 10 أيام على سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر غربي السودان أكد البيت الأبيض أمس الثلاثاء التزام الولايات المتحدة بمواصلة التعاون مع شركائها الإقليميين لإنهاء الصراع الدائر في البلاد، وتجديد مساعيها لوقف القتال المستمر منذ أكثر من عام ونصف.

ويتزامن الموقف الأميركي مع إعلان مجلس الدفاع والأمن السوداني في اليوم نفسه عن ترحيبه بالجهود التي تبذلها واشنطن لتوقيع هدنة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لكنه ربط أي اتفاق محتمل بانسحاب قوات الدعم السريع من المدن والمناطق التي تسيطر عليها.

وتمسّك المجلس بشرط الانسحاب، وطرح تساؤلات بشأن مدى فعالية المسار الدبلوماسي الذي تتبناه واشنطن في تحقيق اختراق سياسي يُقرّب بين طرفي النزاع، وحول ما إذا كانت واشنطن ستعيد النظر في خيار "الرباعية" لتتبنى مسارات أخرى، من بينها "الصفقات السريعة" التي لجأت إليها في ملفات سابقة.



تجاوز الرباعية

تصاعدت الانتقادات الموجهة للإدارة الأميركية بسبب ما اعتبره مراقبون "تجاهلا غير مبرر" لتطورات الوضع الميداني في السودان، في وقت تتصدر فيه واشنطن مساعي التوصل إلى هدنة تضع حدا للاشتباكات في البلاد.

فتأخر التعليق الرسمي الأميركي على أحداث الفاشر أوحى بأن مسار "الرباعية" قد بلغ طريقا مسدودا، وأن فرص الدبلوماسية لحل النزاع بدأت تضيق، مما أعاد إلى الواجهة الدعوات إلى تجاوز هذا النهج والاستعاضة عنه بآلية تفاوض جديدة يقودها الاتحاد الأفريقي، مع دعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.

إعلان

وكان مسعد بولس مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية صرح من العاصمة المصرية القاهرة بوجود موافقة مبدئية من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على مبادرة هدنة إنسانية تمتد لـ3 أشهر، موضحا أن الاتفاق في "لمساته الأخيرة".

وترى المحللة السياسية وخبيرة التنمية الدولية شذى المهدي أن واشنطن كانت ولا تزال تدفع بقضية السودان على أعلى المستويات الدبلوماسية، مشيرة إلى أنها المكون الأقوى ضمن آلية "الرباعية".

وتعتقد أن سقوط الفاشر يدفع الإدارة الأميركية إلى تكثيف انخراطها في الملف السوداني لإيجاد حلول ايجابية، مستشهدة بما ارتكبته قوات الدعم السريع من انتهاكات بعد انسحاب الجيش من المدينة، معتبرة أن تلك الانتهاكات "أضرت بهم أكثر مما أفادهم النصر العسكري".

وتضيف المهدي في حديثها للجزيرة نت أن الحملة الدولية المنددة بتلك الأفعال ستكون ذات عواقب وخيمة على مستقبل تلك القوات كجزء من أي عملية سلام قادمة، مشيرة إلى أن "هذا السلوك البربري هو الذي سيجبرها على تقديم تنازلات أكبر على طاولة التفاوض".

ولا تزال المهدي تأمل في إمكانية التوصل إلى اتفاق لأن "تجارب التفاوض برهنت أن اتفاقيات السلام يمكن أن تتحقق في وقت وجيز متى ما توفرت الإرادة الحقيقية لدى الطرفين لإنهاء الحرب".

في المقابل، يصف الكاتب والصحفي السوداني المقيم في الولايات المتحدة حسام محجوب التطورات الميدانية الأخيرة بأنها "نقطة تحول خطيرة في مسار الحرب ومستقبل السودان والإقليم بأسره".

ويضيف محجوب في حديثه للجزيرة نت أن سيطرة الدعم السريع على أجزاء واسعة من دارفور منحتها هيمنة ميدانية تعزز موقفها التفاوضي مقارنة بما كانت عليه عقب الهزائم العسكرية السابقة.

عصا أم جزرة؟

ومع بداية ولايته الثانية في يناير/كانون الثاني 2024 لم يُبد الرئيس الأميركي دونالد ترامب اهتماما يذكر بالحرب الدائرة في السودان، والتي ظلت آنذاك قضية هامشية في أجندة البيت الأبيض المزدحمة.

لكن الموقف تبدل مع تبنّي إدارته جهود كل من السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة لإيجاد مخرج للأزمة السودانية.

ويقول الإعلامي المقيم في واشنطن إسلام صالح إن السودان "لا يمثل الكثير في أولويات السياسة الأميركية"، لكن تصاعد التوتر في المنطقة "يشكل تهديدا محتملا للأمن القومي الأميركي"، مما يجعل الفترة المقبلة مرشحة لمزيد من الانخراط الأميركي في الملف السوداني.

ويضيف أن الإدارة باتت تدرك أن سياستها القائمة على مبدأ توكيل الحلفاء الإقليميين لإدارة الأزمة لم تعد عملية بعد أن تبين لها تضارب مصالح الحلفاء وتباين أهدافهم داخل السودان.

وعن البدائل المحتملة، يوضح صالح في حديثه للجزيرة نت أن السياسة الأميركية "دائما ما تعتمد على نهج العصا والجزرة"، مشيرا إلى أن "الجزرة" تتمثل في تقديم تعهدات لطرفي الصراع تشمل الحصانة من الملاحقات القضائية ورفعا تدريجيا للعقوبات، في حين "العصا" هي عقوبات أوسع في حال لم يُبد الطرفان تجاوبا مع واشنطن.

عقوبات وأدوات

وكانت الولايات المتحدة فرضت عقوبات على قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) شملت منعه وأفراد عائلته من دخول الأراضي الأميركية وتجميد أصولهم المالية، كما أعلنت في مايو/أيار من العام الجاري فرض عقوبات على الحكومة السودانية.

إعلان

وركزت العقوبات في معظمها على أفراد وكيانات محددة، مما جعل تأثيرها الميداني محدودا.

ويرى محجوب أن واشنطن "لم تستنفد أدواتها لإنهاء الصراع، لكنها امتنعت عن استخدامها"، موضحا أنها لم تلق بعد بثقلها في الأزمة السودانية رغم قدرتها على تبنّي سياسة ضغط حقيقية لتجفيف منابع تمويل الحرب، لكنها لم تفعل".

ويعزو محجوب ذلك إلى أن الإدارة الجديدة تنظر إلى النفوذ المتصاعد لحلفائها في السودان كفرصة لتحقيق توازن إستراتيجي في مواجهة روسيا والصين، في ظل تراجع الاهتمام الأميركي المباشر بأفريقيا وتقلص الموارد المخصصة للقارة.

ويتنامى داخل الكونغرس الأميركي تيار يقوده السيناتور الجمهوري جيم ريش رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ يدعو إلى تصنيف قوات الدعم السريع منظمة إرهابية أجنبية.

ويرى مؤيدو الخطوة من الحزبين أن هذا التصنيف من شأنه قطع موارد الدعم السريع وتقليص قدرتها على شراء السلاح، بالإضافة إلى منح واشنطن أداة ضغط فعالة لإجبار قادتها على الانخراط في تسوية سياسية.

لكن مراقبين استبعدوا إقدام ترامب على تبنّي هذا الإجراء في المدى القريب، مرجحين أن فرص قبوله التصنيف محدودة، استنادا إلى اعتبارات المصالح الخارجية الأميركية وحرص واشنطن على توازن علاقاتها مع حلفائها الإقليميين الذين قد يرون في الخطوة استهدافا يخل بتوازناتهم في السودان.

الفاشر تعيد السودان إلى الواجهة

وأحدثت التطورات في الفاشر اهتماما غير مسبوق بالصراع الدائر في السودان عقب انتشار مقاطع مصورة على منصات التواصل الاجتماعي توثق الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع عقب إحكام سيطرتها على المدينة.

وأعلن مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن وقوع انتهاكات واسعة وجرائم جسيمة ضد المدنيين في عاصمة ولاية شمال دارفور بعد الهجوم الأخير.

وقال المتحدث باسم المكتب سيف ماغانغو إن المنظمة الأممية تلقت "روايات مروّعة عن عمليات إعدام جماعي واغتصاب وهجمات ضد العاملين في المجال الإنساني ونهب واختطاف وتهجير قسري ".

وبالنسبة لصالح، فإن الإدارة الأميركية ترغب الآن أكثر من أي وقت مضى في رؤية وقف لإطلاق النار في السودان، موضحا أن ترامب "منزعج" من حجم الانتهاكات التي وقعت في دارفور، خاصة خلال سقوط الفاشر، بعد أن انتشرت مشاهد الدمار في وسائل الإعلام الغربية، والتي "أفسدت عليه ما اعتبره إنجازا سياسيا في غزة يمهد له الطريق ليعتلي منصة صانع السلام في العالم بلا منازع".

ويبدي صالح مخاوفه من أن تتدهور الأوضاع الإنسانية أكثر حتى في حال التوصل إلى هدنة، فالهدن المؤقتة تمنح المتحاربين فرصة لالتقاط الأنفاس، وأثرها محدود على المواطنين، إذا لم تضع الولايات المتحدة معايير صارمة تضمن وصول المساعدات الإنسانية وإطلاق سراح المحتجزين تعسفا من الجانبين، وغيرها من الانتهاكات.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا