آخر الأخبار

سياسة إيران "التوجه شرقا" على المحك مع عودة العقوبات الأممية

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

طهران- في ظل عودة العقوبات الأممية على إيران إثر تفعيل الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) " آلية الزناد "، تبرز تساؤلات مصيرية عن جدوى سياسة "التوجه شرقا" التي انتهجتها طهران لسنوات لمواجهة الضغوط الغربية، وماذا عسى أن تقدم كل من الصين وروسيا لها عقب عودتها إلى طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة .

وإثر إخفاق مساعي موسكو وبكين في تمرير مشروع قرار داخل مجلس الأمن الدولي يقضي بتأجيل إعادة فرض العقوبات على إيران لمدة 6 أشهر، عاد الحديث عن "جدوى إبرام اتفاقيات إستراتيجية مع قوى شرقية غير قادرة على توفير غطاء في المحافل الدولية لطهران" إلى واجهة النقاش في الأوساط السياسية بالجمهورية الإسلامية.

وفي حين يحاول طيف من الإيرانيين إبراز الخطوات التي اتخذتها كل من روسيا والصين خلال الفترة الماضية لإدانة العدوان الإسرائيلي والأميركي على منشآت طهران النووية ثم اعتراضهما الرسمي على "عدم قانونية السلوك الأوروبي في تنفيذ آلية الزناد"، ترى شريحة منهم أنهما غير قادرتين أصلا على عرقلة عودة العقوبات بعد موافقتهما على سلب الأطراف الموقعة على الاتفاق النووي عام 2015 استخدام حق النقض ( الفيتو ).

إمكانية نظرية

وانطلاقا من متطلبات المرحلة الراهنة، وضع الرهان على دعم موسكو وبكين -لتحييد أو تخفيف آثار العقوبات الأممية والضغوط الدولية عن إيران- سياسة "التوجه شرقا" على المحك وحوّل فاعليتها إلى اختبار حقيقي كبديل إستراتيجي عن القوى الغربية.

وعما إذا كانتا تستطيعان تقديم مساعدة فعالة لطهران لتخفيف آثار عودة القرارات، يرد كوروش أحمدي الدبلوماسي الإيراني الأسبق في بعثة إيران بالأمم المتحدة، بالإيجاب على هذا التساؤل، ويضيف أنه نظريا هناك إمكانية لمثل هذه المساعدة في 3 مجالات كالتالي:


* عدم تنفيذ القرارات الأممية التي تمت إعادتها.
* عرقلة وتعطيل عمل لجنة العقوبات وفق القرار 1737.
* منع اتخاذ إجراءات جديدة في مجلس الأمن ضد إيران.
إعلان

وفي حديث للجزيرة نت، يعتقد أحمدي أن بكين وموسكو قدمتا لطهران ضمانا نظريا بعدم الالتزام بالعقوبات الدولية المعاد تفعيلها، لا سيما في المجالات الحساسة مثل التسليح التقليدي والبرنامجين الصاروخي والنووي، معتبرا التعاطي الروسي الصيني مع الملف الكوري الشمالي نموذجا عمليا يحتذى به لعرقلة العقوبات الأممية والضغوط الغربية ضدها.

وتابع أنهما تمتلكان أدوات فعالة لشل عمل آلية الرقابة على العقوبات داخل الأمم المتحدة وعرقلة قرارات لجنة العقوبات الخاصة بإيران، وإخفاق المساعي الرامية إلى تشكيل فريق الخبراء المعني بمراقبة تنفيذ العقوبات عليها.

وخلص الدبلوماسي الإيراني السابق إلى أن المواجهة العملية للعقوبات الأممية المعادة ضد طهران ستعتمد على تعطيل آليات تنفيذها عبر حلفائها الدائمين في مجلس الأمن، مشيرا إلى أن القوى الشرقية ستحاول الوقوف إلى جانبها داخل أروقة الأمم المتحدة، لكن من دون الدخول في مواجهة مفتوحة مع القوى الغربية.



توجه إستراتيجي

من جانبه، يستذكر الباحث الإيراني المختص في النزاعات الإقليمية مصطفي نجفي أن الجمهورية الإسلامية رفضت الانحياز لأي من القطبين الدوليين عقب قيامها عام 1979، لكن محاولاتها المتكررة للتطبيع مع الغرب غالبا ما أفضت إلى مزيد من العزلة والضغوط، حتى تحولت سياسة التوجه نحو الشرق من أداة تكتيكية إلى خيار إستراتيجي مستدام في مواجهة بنية الرفض الغربي.

وفي تصريحه للجزيرة نت، يوضح نجفي أنه رغم توقيع طهران عام 2015 اتفاقا دوليا لحلحلة ملفها النووي، فإن العقوبات الغربية تفاقمت عليها بدلا من رفعها، وصولا إلى عودة هذه العقوبات، مما عمق عدم الثقة في السياسة الغربية.

ورأى في التقارب الإيراني الشرقي خلال السنوات الماضية منفذا لطهران لتجاوز الحصار الغربي، لكنه يستدرك أن الذاكرة التاريخية ما زالت حاضرة بتجارب مريرة، حيث وقفت روسيا والصين مع العقوبات الغربية ضد إيران في محطات مصيرية، مما يحتم عليها تبني سياسة تقوم على تعددية الأقطاب إلى جانب تعزيز العلاقات مع جوارها الإقليمي.

و في ظل التحول من القطبية الأحادية إلى نظام دولي متعدد الأقطاب، تبرز -حسب الباحث ذاته- أوراق قوة إيرانية، من أبرزها موقعها الجيوسياسي وقدراتها العسكرية والصاروخية المتطورة التي يمكن توظيفها لتعزيز موقع طهران الإقليمي والدولي. وأكد في السياق نفسه أن هذا الموقع يسمح لها بتبني نموذج "الاستقلال النشط" القائم على التعامل المتوازن مع جميع القوى في إطار شبكة معقدة من المصالح الدولية المتقاطعة.

وختم بالقول إن مستقبل السياسة الخارجية الإيرانية يجد معناه في مزيج من "الاستقلال النشط" و"التعامل المتوازن"، موضحا أن التجربة التاريخية أثبتت أن الغرب ليس شريكا موثوقا به، لكن قوى الشرق أيضا يجب أن يُنظر إليها في إطار المصالح الوطنية.

إعلان

مظلة دبلوماسية

وفي حين يجمع الإيرانيون على أن سياسة التوجه شرقا قدمت بالفعل لبلادهم مظلة دبلوماسية وسياسية لا غنى عنها في مواجهة العزلة الدولية، لكنهم ينقسمون حول جدوى الاتفاقيات المبرمة بين طهران وموسكو وبكين وآفاقها للتعاون الاقتصادي والأمني؛ ذلك لأن الاختبار الحقيقي لتلك التحالفات يبقى محكوما بحسابات أخرى، وأن تجربة الحرب الإسرائيلية الأخيرة على إيران كانت خير شاهد على هذا الادعاء.

في غضون ذلك، يعتقد الباحث في شؤون الأمن الدولي محمد شاهون وند أنه رغم هذه الاتفاقيات الموقعة بين إيران وحلفائها الشرقيين، فإن الرغبة ستبقى في تطويرها محكومة بحسابات المصالح، ومن أبرزها طبيعة المنافسة بين القوى الشرقية مثل الصين والولايات المتحدة، مما يدفع بكين للبحث عن شركاء جيوسياسيين لموازنة النفوذ الغربي.

وفي حديث للجزيرة نت، يدافع الباحث الإيراني عن سياسة بلاده في تعزيز علاقاتها مع القوى الشرقية، موضحا أن حصول طهران على العضوية الدائمة في منظمة شنغهاي للتعاون وانضمامها اللاحق إلى مجموعة بريكس وغيرها من التطورات المؤسساتية والاتفاقيات الإستراتيجية، يمثلان نقلة نوعية في علاقاتها مع حلفائها الشرقيين، ويوفر منصة قانونية وسياسية لتعميق الشراكة في مجالات الاقتصاد والأمن.

وتابع أن التطورات الجيوسياسية الدولية خاصة بعد الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية على موسكو، أثرت في تعزيز التقارب بين إيران وروسيا، وأن هذا التقارب شكّل مثلثا إستراتيجيا غير رسمي ضمّ بكين إلى جانب طهران وموسكو، مضيفا أن هذه الديناميكية الجديدة دفعت الصين إلى منح وزن أكبر للعلاقة مع إيران كجزء من إستراتيجية أوسع لبناء تحالفات متعددة الأقطاب تقاوم الهيمنة الغربية في النظام الدولي.

وعلى عكس التصور السائد لدى شريحة كبيرة من الإيرانيين، يعتقد شاهون وند أن البراغماتية المطلقة تظل المحرك الأساسي لسياسة الدول، فعلى سبيل المثال لا تسعى بكين لتحالف أيديولوجي أو دعم غير مشروط لطهران، بل تتعاون حيثما تتطلب مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية ذلك، وتتراجع عندما ترتفع التكاليف.

ومن ثم يبدو أن طهران -وفق مراقبين- ورغم كل الانتقادات الداخلية لسياسة التوجه شرقا، لا تملك في المدى المنظور خيارا إستراتيجيا بديلا يمكنه تعويض الدعم السياسي والدبلوماسي الذي تقدمه روسيا والصين لها، لكن التحدي الأكبر يبقى في قدرة هذا الثنائي على حمايتها من تداعيات العودة القاسية للعقوبات الأممية.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا دونالد ترامب حماس اسرائيل

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا