آخر الأخبار

ماذا حدث على مائدة البيت الأبيض بين ترامب وقادة أوروبا؟

شارك

لقد كان هذا يوما تاريخيا بامتياز، وأُذيعت من البيت الأبيض صور ستظل محل حديث طويل في السنوات القادمة. جلس ترامب في منتصف الطاولة ذلك الجلوس الشهير الذي يميزه، يحيط به زعماء الدول والمؤسسات التي كانت، في زمن مضى، من أقوى القوى العالمية.

موضوع الاجتماع كان مستقبل أوكرانيا، ولكن الغائب الأكبر عن المائدة كان روسيا، الطرف الرئيسي في الحرب. وقد أُعلن أن ترامب سيمثّل بوتين في الاجتماع، وسيطلعه لاحقا على ما دار فيه!

بدأ ترامب بعدّ الحاضرين واحدا تلو الآخر، مشيدا بكل منهم، ومبينا أمام الكاميرات عظمة الدول التي تحلقت حوله. وذكر أن مثل هذا الاجتماع، الذي يضم هذا العدد من الدول الكبرى، لم يشهده البيت الأبيض منذ 1876… وقد سُجلت هذه المعلومة كدليل إضافي على أهمية اللحظة، حسب تعبير ترامب.

وفي قاعة جانبية مزخرفة، وُضعت خريطة تُظهر آخر تطورات الحرب الروسية الأوكرانية، ملونة بالأحمر لتوضيح الأراضي التي تسيطر عليها روسيا.

ونشر البيت الأبيض صورة من هناك، يظهر فيها ترامب وهو يشير بإصبعه إلى زيلينسكي كأنه يُملي عليه شيئا أو يصدر له أمرا.

لقد سُجلت هذه المشاهد والصور وذلك الاجتماع في التاريخ كدلائل حية على النظام العالمي الجديد.

أوروبا المنفذة لا المقررة

ما الذي نراه؟ بوتين، الذي لا يرى حاجة للجلوس مع قادة أوروبا أو الناتو أو الاتحاد الأوروبي، يتحاور فقط مع ترامب. وترامب بدوره، بعد اجتماع منفرد مع زيلينسكي، يجمع القادة الأوروبيين حول الطاولة.

هذا المشهد يكشف لنا حقيقة: إنجلترا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وفنلندا، وحلف الناتو، والاتحاد الأوروبي… لم يعودوا فاعلين في صناعة القرار العالمي، بل أصبحوا منفذين له.

صحيح أن ماكرون وضع يده في جيبه أثناء التصوير، وأن الأمين العام لحلف الناتو اتخذ وضعية مريحة متكلفة، واضعا ساقا فوق ساق، لكن ذلك لا يغير من جوهر الحقيقة شيئا. لقد تراجع دور أوروبا إلى مرتبة "الدول الثانوية"، في حين أصبحت روسيا والولايات المتحدة هما القوى الحاكمة التي تفرض قراراتها عليها.

إعلان

أما زيلينسكي، الذي علق مستقبل بلاده ووجودها بالكامل على جيوش واقتصادات الدول الأخرى، فقد حضر مرتديا بذلة رسمية، مُغدقا المديح على ترامب، باحثا عن أي ضمانات أمنية يمكنه الحصول عليها، أو أي أمل في استعادة الأراضي التي تحتلها روسيا. إنه مشهد درامي بكل معنى الكلمة.

مشهد قاتم للنظام العالمي

إن تراجع أوروبا إلى هذا الحد لا يُبشر بالخير على صعيد التوازنات العالمية. ليس ثمة ما يدعو للابتهاج في هذه الصور. فإذا سلمنا بأن العالم انتقل من نظام ثنائي القطب إلى نظام متعدد الأقطاب، فإن الصور تخبرنا بأن أوروبا لن تكون واحدة من هذه الأقطاب.

لقد كان ظل الصين غير مرئي في تلك القاعة، ولكنه كان حاضرا في كل ركن، جليا للعيان، ما يعني أن مركز التوازن الجديد ربما يكون هناك.

ولا شك أن لروسيا مكانا بين الأقطاب، خاصة إذا ما أخذنا في الحسبان مهارات بوتين السياسية الشخصية، وتضحياته الجسيمة للحفاظ على القوة العسكرية الروسية. ومن الصعب إنكار أن روسيا ستظل، لفترة طويلة، إحدى القوى المحورية في العالم.

ومع ذلك، فإن بوتين، الذي نعته بايدن وقادة أوروبا بـ"الدكتاتور" و"القاتل"، والذين سعوا لعزله عن العالم، استُقبل على الأراضي الأميركية بسجاد أحمر، وفي أروقة السلطة. وبدا أنه كان الرابح الأكبر من كل هذا المشهد.

ولم تتوانَ وسائل الإعلام الأميركية في انتقاد ترامب بشدة، محمّلة إياه كامل المسؤولية عمّا آلت إليه الأمور.

أوروبا ستبدأ رحلة بحث جديدة

ما إن تخلص الإعلام الأوروبي من صدمته حتى بدأ ينتقد طريقة التعامل مع بلاده. فالدول الأوروبية، التي دفعت وما تزال تدفع ثمن الحرب، تُعامل بوصفها لاعبا من الدرجة الثانية في محادثات السلام، وهذا سيشعل في داخلها نقاشات معمقة وجادة.

غير أن الأوروبيين لا يملكون ترف الغضب أو رفع الصوت في وجه ترامب، فهم يدركون جيدا أنهم يعيشون منذ قرابة ثمانين عاما تحت مظلة الحماية الأميركية. إذ تبقى الولايات المتحدة هي الممول الأكبر للناتو، وصاحبة أعلى ميزانية دفاع.

في المقابل، اختارت أوروبا طوال هذه العقود عدم بناء جيوشها، ولا الاستثمار في صناعاتها الدفاعية، منصرفة إلى ترف التجميل والانشغال بقضايا "رفاهية". ولكن حين اقتربت روسيا من أبوابها، اكتشفت فجأة أنها لا تملك صواريخ، ولا طائرات، ولا أنظمة دفاع جوي. وتبين أن كل تلك الوسائل تأتي من أميركا، وأن لا سبيل لها لمواجهة روسيا دونها.

الآن بدأ الأوروبيون يُدركون خطورة الموقف، ولكن لتتمكن أوروبا من بناء دفاع ذاتي حقيقي، فهي تحتاج إلى مئات المليارات من اليوروهات، وإلى ما لا يقل عن 15 عاما.

لكن خلال هذا الزمن الطويل، من يعلم كيف سيكون شكل العالم؟ وأين ستكون الدول الأخرى؟

هل تريد أميركا حقا إنهاء الحرب؟

لعلكم تذكرون ما كتبته في مقالاتي السابقة: أميركا لا تريد إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.

والصور من اجتماع البيت الأبيض أكدت لي مجددا هذا الاستنتاج.

سأل أحد الصحفيين ترامب: "إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، هل ستتوقفون عن دعم أوكرانيا؟".

فأجاب ترامب بكلمات ربما لم ينتبه لها كثيرون، ولكنها عززت من صحة قناعتي:
"نحن لا ندعم أوكرانيا، نحن نبيعها أسلحة. بايدن أنفق 300 مليار دولار، أما أنا فلا. أنا أبيع لأوكرانيا أسلحة، والناتو هو من يدفع لنا الثمن".

إعلان

النتيجة إذًا: روسيا تضعف في هذه الحرب، ودول مثل أرمينيا وأذربيجان بدأت تخرج من المدار الروسي إلى المدار الأميركي. وأوروبا تزداد ضعفا، وتشتد تبعيتها لواشنطن، لتتحول إلى تابعة لها. وأوكرانيا تشتري أسلحة بمليارات الدولارات، والناتو يدفع الثمن لأميركا.

وهكذا، فإن الدولة التي تجني أكبر قدر من المكاسب من هذه الحرب هي الولايات المتحدة. فلماذا تُنهيها؟!

كل ما يحدث قد لا يكون أكثر من مجرد عملية انتخابية لا أكثر!

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا