في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
أسقطت حرب إسناد غزة التي شنّها حزب الله ، وما رافقها من حرب إسرائيلية على لبنان ، جملة من الخطوط الحمر، كانت تعد منذ اتفاق الطائف -الذي أنهى الحرب الأهلية عام 1991- من المحرمات، في مقدمها سلاح حزب الله والسلاح الفلسطيني في مخيمات اللاجئين .
وقد رُبط نزع سلاح الحزب بجلاء الاحتلال الإسرائيلي عن مزارع شبعا وتلال كفر شوبا وقرية الغجر، ولا يُسحب هذا إلا بزوال ذاك. في حين رُبط سلاح المخيمات بإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، والإقرار بحق العودة للاجئين، ولا يُسلّم هذا إلا بتحقيق ذاك.
وفي خطاب تنصيبه رئيسا، تعهد رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزيف عون ، بحصر السلاح بيد الدولة، وهو أمر تعهدت به أيضا حكومة الرئيس نواف سلام في بيانها الوزاري، وقد مضت عمليات نزع سلاح الحزب جنوب نهر الليطاني بسلاسة نسبيا على يد الجيش.
أما السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، فصارت مسألة نزعه تحصيل حاصل في التداول السياسي. وسبق ذلك تسليم "ودي" للسلاح -المنتشر خارج المخيمات- للجيش اللبناني، من فصائل كانت موالية للنظام السوري السابق، مثل "فتح الانتفاضة" و"الجبهة الشعبية-القيادة العامة".
وحول هذه المسألة، نشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية للباحث أمين قمورية بعنوان " السلطة اللبنانية في مواجهة تحديات نزع سلاح المخيمات الفلسطينية ".
أخذت مسألة تنظيم السلاح الفلسطيني داخل المخيمات بعدها السياسي الواسع، بعد زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ، لبيروت، في 21 مايو/أيار 2025، مقابل رفض التوطين وتحسين الأوضاع الاجتماعية للمدنيين الفلسطينيين في لبنان ومنحهم حق العمل والتملك.
واتفق الطرفان على "بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها" بما فيها مخيمات اللاجئين، وتشكيل لجنة مشتركة لإطلاق مسار وخطة طريق لتسليم السلاح الفلسطيني وفق جدول زمني محدد، وعبر وضع آلية تنفيذية لبدء سحب السلاح الفلسطيني على مراحل.
ولا يمكن عزل زيارة عباس لبيروت عن ضغوط دولية وإقليمية تهدف إلى نزع السلاح الفلسطيني من المخيمات ولو بالقوة، كجزء من مقايضة أوسع تمتد من غزة إلى لبنان إلى طهران .
أما عباس فقد سعى من وراء زيارته لاصطياد عصفورين بحجر واحد:
يعود الوجود الفلسطيني في لبنان إلى نكبة عام 1948 حين هُجّرت أعداد كبيرة من أبناء فلسطين واستقرت فيه. ويُقدّر عدد الفلسطينيين المسجلين اليوم لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم ( الأونروا ) في لبنان يقترب من 500 ألف فلسطيني، لكن بيانات صادرة عن لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، ونتائج مسح أجرته إدارتا الإحصاء المركزي في كل من لبنان و فلسطين عام 2017، كشفت أن العدد يبلغ فقط 175 ألفا فقط.
ويتوزع الفلسطينيون على 12 مخيما، أهمها في الجنوب:
وفي بيروت ومحيطها، فتوجد مخيمات:
وفي الشمال:
ويعاني فلسطينيو لبنان من أوضاع معيشية صعبة للغاية ومن ضائقة اقتصادية، إذ تتجاوز نسبة الفقر بينهم 70%، وتبلغ نسبة البطالة 56% مقارنة بنسبة البطالة في السياق اللبناني التي تبلغ 29%، كما تغيب فرص الحصول على الرعاية الصحية والتعليم.
أما السلاح فقد دخل المخيمات قبل سنوات قليلة من اندلاع الحرب الأهلية في لبنان (1975-1990) عندما وقّعت الدولة اللبنانية مع منظمة التحرير الفلسطينية " اتفاق القاهرة " عام 1969، وقد سمحت بنوده للفلسطينيين بالتنقل داخل لبنان، والتسلح ضمن المخيمات وتولي أمنها، والقيام بالعمل العسكري ضد إسرائيل انطلاقا من الأراضي اللبنانية.
وبحلول عام 1971، أصبح لبنان القاعدة الوحيدة لمقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية ، بعد اشتباكات مسلحة بين الأخيرة والجيش الأردني، التي عُرفت بأحداث "أيلول الأسود" عام 1970، وأنهت الوجود المسلح للمنظمات الفلسطينية في المملكة.
وكان السلاح الفلسطيني محوريا في التوازنات الإقليمية والمحلية، وشارك بفاعلية في الحرب الأهلية اللبنانية وفصولها الدامية، وهو ما جعل من ملف السلاح أمرا متشابكا مع الداخل اللبناني كما الخارج.
ولكن الاجتياح الإسرائيلي في يونيو/حزيران 1982 -والذي بلغ العاصمة بيروت وأدى لمجازر فظيعة بحق المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين في مخيمي صبرا وشاتيلا- انتهى بخروج منظمة التحرير من لبنان بقيادة ياسر عرفات .
ورغم أن المنظمة سلّمت السلاح الثقيل قبل انسحابها، لكن السلاح المتوسط والخفيف وبعض الثقيل بقي خارج المخيمات وداخلها إلى اليوم على رغم اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان، ونصّ على حصرية السلاح في يد الدولة اللبنانية وحدها.
وقد تراجع النشاط المسلّح الفلسطيني لاحقا، وألغيت اتفاقية القاهرة في مايو/أيار 1987، لكن من دون التأسيس لاتفاق بديل يرعى شؤون الفلسطينيين. ومن الناحية العملية، تراجع دور سلاح هذه الفصائل في مقاتلة إسرائيل وتعزز في القتال الداخلي بالمخيمات.
حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ): كبرى الفصائل المسلحة وأقدمها، وتشكو من انقسامات داخلية وانشقاقات عدة.
فصائل منظمة التحرير، وأبرزها:
فصائل كانت موالية لنظام بشار الأسد:
الحركات الإسلامية خارج منظمة التحرير:
مجموعات "الجهادية السلفية":
السلطة الفلسطينية هي الطرف الأضعف بمخيمات لبنان في ظل تعدد المرجعيات السياسية. فعباس لا يمثل كل الفلسطينيين في لبنان، وهو منذ رحيله عن بيروت عام 1982 لم يزر أي مخيم فلسطيني. وميدانيا، لم تنجح قوات الأمن الوطني الفلسطيني التابعة للمنظمة -والتي يفترض نظريا أنها المسؤولة عن تنظيم أمن المخيمات- ولا مرة في منع إطلاق الصواريخ ولجم أي تحركات مسلحة خارجة عن السيطرة.
وتثير مشاركة السلطة الفلسطينية وحركة فتح، في صياغة خطة نزع السلاح، تحفظات من بعض الفصائل الفلسطينية التي تتبنى مواقف سياسية وأيديولوجية مختلفة.
ومما يشير لتعقيد المهمة، صدور بيان لافت باسم "الحراك الفلسطيني الموحد" في المخيمات الفلسطينية بلبنان، عشية وصول عباس إلى بيروت، أعلن "رفض نية عباس تسليم السلاح الفلسطيني في لبنان إلى الدولة اللبنانية، دون أي تشاور أو تنسيق مسبق مع الفصائل والقوى الفلسطينية أو ممثلي الشعب الفلسطيني في لبنان".
وفي المقابل، ثمة إجماع عام لدى القوى اللبنانية على ضرورة بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها وحصر السلاح بأيدي القوات النظامية اللبنانية وتصفية ما يُعرف بالدويلات خارج الدولة، لكن وجهات النظر تختلف حول كيفية مقاربة الموضوع والتعامل معه.
فما يُسمى "الفريق السيادي" داخل السلطة اللبنانية ممثلا خصوصا بحزب "القوات اللبنانية" المعارض الأبرز لسلاح حزب الله والمخيمات، يرى ضرورة نزع السلاح بالقوة إذا ما لزم الأمر. كما دعا رئيس الحكومة نواف سلام إلى "إصدار بيان شديد اللهجة يصنّف حماس كعصبة الأنصار وجند الشام، وهما تنظيمان سلفيّان خاضا مواجهات مسلحة ضارية مع الدولة اللبنانية" معتبرا أن الظرف الآن مواتٍ لتطويق حماس.
لكن الرئيس عون وقادة الأمن دعوا إلى مزيد من الهدوء في التعامل مع الموضوع، تحسبا لانفجار الموقف داخل المخيمات من دون داعٍ، وظهر قائد الجيش العماد رودولف هيكل أكثر حذرا بحديثه عن وسائل ضغط أخرى يمكن القيام بها لمنع حماس من المسّ بالأمن القومي، دون ذكر اسمها.
وفي ضوء التطورات المتلاحقة، يمكن الحديث عن نشأة شبكة مصالح لبنانية إقليمية عربية ودولية لمساعدة الحكومة اللبنانية على بسط سيطرتها ونفوذها على كامل أراضي الدولة، ومصادرة أي سلاح "خارج عن القانون".
وإذا كانت حماس لم تسلّم بعد بطلبات عباس واتفاقه مع الحكومة اللبنانية، إلا أنها تعاملت بحذر شديد إزاء هذه التطورات اللبنانية الداخلية، وقرأت بسرعة التوجهات المستقبلية تجاه السلاح الفلسطيني بالمخيمات، مما دفعها إلى تسليم من تشتبه السلطات بإطلاقهم صواريخ على إسرائيل، في محاولة لنزع فتيل مواجهة -قد تندلع مع الأمن اللبناني- لن تكون في صالح الفلسطينيين.
من المؤكد أن الطريق نحو نزع السلاح الفلسطيني بالمخيمات ليس سهلا ويشوبه عوائق وتحديات معقدة وربما بعض المفاجآت، ويحتاج حل هذه المسألة مقاربات دقيقة تراعي التوازنات الداخلية والخارجية، والتوازن ما بين ضرورات أن يكون للدولة اللبنانية حقها في فرض سيادتها على كامل أراضيها، وبين إعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة على المستوى الإنساني والاقتصادي والسياسي، وأولها ضمان حقهم بالعودة إلى ديارهم.
ويتطلب نجاح أي حل أن يُبنى على الحوار السياسي اللبناني الفلسطيني، وتوفير الرعاية العربية والدولية لذلك.