أعاد استئناف القتال في غزة، الحديث عن مصير تلك الحرب - التي بدأت قبل نحو 17 شهراً - إلى صدارة أعمدة الرأي في الصحف العالمية، ونعرض هنا عدداً من تلك الآراء.
نبدأ جولتنا من صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، التي نشرت افتتاحية بعنوان "لا مزيد من وقف إطلاق النار المجاني مع حماس".
استهلت الصحيفة بالقول إن إسرائيل باغتت حماس، لكن لا يمكن لأحد أن يقول إن حماس لم تتلقَّ تحذيراً.
ورصدت وول ستريت جورنال تنديد الوسطاء العرب وداعمي حماس باستئناف إسرائيل هجماتها في قطاع غزة منذ ليل الاثنين، متسائلة: "ما الذي كانوا ينتظرونه بعد أن رفضت حماس إطلاق سراح الرهائن على مدى أسبوعين ونصف بعد انتهاء الهدنة؟".
ورأت الصحيفة أنه "لم يكن ممكناً أبداً إعطاء حماس مُهلة، بينما هي ترفض إطلاق سراح الرهائن؛ كما أنه لم يكن مُجدياً ترْك حماس تتفاوض في سلام وهدوء بينما تعيد تنظيم صفوفها ولديها كل الحوافز على المماطلة".
وأضافت الصحيفة: "لكن إعطاء الفرصة لاتفاق بخصوص الرهائن كان أمراً مُهماً بالنسبة لإسرائيل، وقد قبلتْ بالفعل مقترح ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب للشرق الأوسط؛ لكن حماس رفضت هذا المقترح".
وقالت الصحيفة: "الآن، وبدعم أمريكي، استأنفت إسرائيل القتال - في خطوة جاءت مخالِفةً لتوقعات كثيرين".
وتابعت: "ترامب ساعد إسرائيل عبر إمدادها بمزيد من الأسلحة أثناء الهدنة؛ وعبر دعم الخطوة الإسرائيلية الخاصة بقطع المساعدات عن غزة، وهي المورد المالي لحماس ومصدر أساسي لنفوذها".
ورأت الصحيفة أن المسؤولين الإسرائيليين "لم يشعروا بمثل هذا الدعم الأمريكي الكامل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023".
ولفتت وول ستريت جورنال إلى أن حركة حماس، في المقابل، تعاني العُزلة، مشيرة إلى أن جماعة حزب الله اللبنانية - في بيان لها يوم الثلاثاء - لم تعرض استئناف القتال مع إسرائيل، تاركةً الأخيرة تصبّ تركيزها على غزة.
أيضاً، جماعة الحوثيين في اليمن باتت "مشغولة بالهجمات الأمريكية" المتواصلة عليها، ورأت الصحيفة أن "هذه الحملة المنسقة تضاعف أثر العملية العسكرية" في غزة.
"لأول مرة منذ بداية الحرب، تخضع إيران للضغط الأمريكي بدلاً من الحماية الأمريكية"، على حدّ تعبير الصحيفة، مشيرة إلى أن ترامب يفرض عقوبات نفطية على إيران ويتعهد بمحاسبتها على هجمات وكلائها الحوثيين.
واختتمت وول ستريت جورنال بالقول: "لا شك أن حماس استغلّت الهدنة لنصْب كمائن للقوات الإسرائيلية، لكنّ الأرض تغيّرت تحت أقدام الحركة الفلسطينية المسلحة، وزاد موقفها سوءاً أكثر من أي وقت مضى"، بحسب الصحيفة.
وننتقل إلى صحيفة الغارديان البريطانية، والتي نشرت مقالاً لمحرر الشؤون الخارجية سيمون تيسدال، بعنوان "نتنياهو لن يقبل أبداً بالسلام. فإلامَ تقود حربُه الأبدية؟".
واستهل تيسدال بالقول إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتبنّى عقيدة مفادها أن "السلام لا يمكن أن يستمر ولا يجب السماح بذلك".
ورأى الكاتب أن الهدنة بين إسرائيل وحماس قد "تناثرت إلى مليون شظية"، مع استئناف القصف الإسرائيلي لغزة ليل الاثنين.
وأكد تيسدال أن هذه الهدنة "لم تكن سوى وقفة قصيرة وخادعة في حرب لن تتوقف أبداً".
وسرد الكاتب عدداً من الأسباب يرى أنها وراء عدم توقف الحرب في غزة؛ على رأس تلك الأسباب أن نتنياهو لا يزال في منصبه مستغلاً حالة الطوارئ المفروضة في إسرائيل.
ومن الأسباب أيضاً أن "الهدف الأكبر الذي ينشده نتنياهو هو تحطيم آمال الفلسطينيين في إقامة دولة"، ورأى الكاتب أن هذا الهدف محكوم عليه بالفشل.
سبب ثالث، بحسب تيسدال، هو أن الذين ينتقدون تصرُّفات الحكومة الإسرائيلية - سواء من داخل إسرائيل أو من خارجها - يجابَهون بالرفض والتنكيل بتهمة معاداة السامية، مع استبعاد فكرة أنهم ربما يفعلون ذلك بسبب دوافع إنسانية تتعلق بأعداد الوفيات جرّاء الحرب.
سبب آخر، لاستمرار الحرب وربما توسّعها، هو أن نتنياهو وشركاءه في الحكم من اليمين المتشدد قد وجدوا في هذه الحرب ذريعة للدفع صوب تحقيق الهدف الأكبر المتمثل في "إسرائيل الكبرى"، وفقاً للكاتب.
"هؤلاء جنباً إلى جنب مع حلفائهم من المستوطنين يتذرّعون بالحرب لبسط أيديهم على مساحات أكبر من الأرض ولتخويف الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية المحتلة"، بحسب تيسدال.
وأشار الكاتب إلى أن "مناطق جديدة من مرتفعات الجولان السورية دخلت تحت سيطرة إسرائيل"، قائلاً إن "عودة الاستيطان إلى قطاع غزة نفسه هو هدف معلَن" في إسرائيل.
وعلى الرغم من مقتل أكثر من 48 ألف فلسطيني وإصابة عشرات الآلاف وتشريد معظم سكان قطاع غزة البالغ تعدادهم حوالي مليونَي نسمة، لم يُظهِر نتنياهو استعداداً لوقف الحرب، لأنه بحسب تيسدال "يعلم أن وزراء متشددين في حكومته لن يتسامحوا مع استمرار السلام لفترة طويلة".
"أحد هؤلاء الوزراء هو إيتمار بن غفير، الذي كان قد استقال بالفعل احتجاجاً، فيما هدّد آخرون بأن ينحوا نحو بن غفير، ما يهدد بانهيار الحكومة" - وفقاً للكاتب.
نختتم جولتنا من صحيفة هآرتس الإسرائيلية، التي نشرت افتتاحية بعنوان "إسرائيل، وليست حماس، تنقض الهدنة، وتحول دون عودة الرهائن".
ورأت الصحيفة أن "نتنياهو دفع الثمن المطلوب لعودة إيتمار بن غفير إلى الحكومة مُقدَّماً، لكنْ ليس من جيبه بالطبع، وإنما من دماء 59 رهينة يمكن أن تُحسَم مصائرهم في ظلّ هذا الاستئناف للحرب".
ورصدت هآرتس قول إيليا كوهين، الذي كان رهينة لدى حماس وتمّ تحريره، إن استئناف الحرب هو "حُكم بالإعدام" على الرهائن.
"لكن هذا لا يهمّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بقدر ما تهمّه عودة بن غفير، زعيم حزب القوة اليهودية، إلى الحكومة"، بحسب الصحيفة.
وقالت هآرتس إن مكتب نتنياهو "يكْذب" حين يقول في بيان له إن قرار استئناف الحرب في غزة جاء بعد رفْض حماس المتكرّر لإطلاق سراح الرهائن، فضلاً عن رفضها كل المقترحات التي تلقتها من مبعوث ترامب في الشرق الأوسط ستيف ويتكوف ومن الوسطاء.
وأكدت الصحيفة الإسرائيلية أن "إسرائيل، وليست حماس، هي التي خرقت الاتفاق، بمخالفة بنوده الخاصة بالسماح بدخول المساعدات لقطاع غزة، وباستمرار المحادثات بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق".
ورأت هآرتس أن محاولة التذرُّع برفْض حماس مقترحات ويتكوف لاستئناف الحرب "تلاعبٌ يفتقر إلى الشرف"؛ ذلك أن موقف حماس الرافض لمقترحات ويتكوف نابعٌ من رفض إسرائيل الالتزام بالجزء الخاص بها في الاتفاق.
ورأت الصحيفة أن نتنياهو تخلّى عن الرهائن من أجل إنقاذ حكومته، قائلة إن صرخات عائلات الرهائن وصرخات الرهائن العائدين من غزة لا تلقى آذاناً صاغية في حكومة نتنياهو التي كل ما يهمّها هو "إقرار ميزانية الدولة"، وفقاً للصحيفة.