صنعاءـ سيناريوهات عدة تفرضها غارات عنيفة تشنها الولايات المتحدة الأميركية على العاصمة صنعاء، مستهدفة ما قالت، إنها مواقع لجماعة أنصاء الله الحوثيين ، لتتوسع هذه الغارات مستهدفة عدة محافظات يمنية أخرى، هي صعدة وذمار وحجة ومأرب والبيضاء والجوف.
وتعد هذه الغارات أول عدوان تشنه القوات الأميركية على اليمن منذ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي.
وتعليقا على ذلك، قال ترامب، إن "واشنطن أطلقت عملا عسكريا حاسما وقويا ضد الحوثيين"، متوعدا باستخدام "القوة المميتة الساحقة حتى نحقق هدفنا".
جاءت الغارات الأميركية بعد إعلان زعيم جماعة أنصار الله الحوثيين عبد الملك الحوثي مساء الأربعاء الماضي، استئناف الهجمات التي تشنها جماعته لحظر ملاحة السفن الإسرائيلية والمتعاملة مع إسرائيل في البحر الأحمر و خليج عدن .
وجاء هذا الموقف عقب منح الحوثي إسرائيل مهلة 4 أيام لإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة ، مهددا باستئناف الهجمات عليها حال عدم تنفيذ ذلك خلال الفترة المحددة.
وانخرطت جماعة الحوثي في الصراع بين إسرائيل و حركة حماس في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، حيث أعلنت بدء شن هجمات تضامنا مع قطاع غزة.
وبدأت الهجمات على سفن إسرائيلية في البحر الأحمر وخليج عدن، إضافة إلى استهداف مواقع في إسرائيل بصواريخ ومسيّرات بعضها طالت تل أبيب.
وفي المقابل، شكّلت الولايات المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2023 تحالفا يضم أكثر من 20 دولة أُطلق عليه اسم " حارس الازدهار "، بدعوى الرد على هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر.
وبدأت الولايات المتحدة وبريطانيا في 12 يناير/كانون الثاني 2024 شن غاراتها على مواقع للحوثيين في اليمن ردا على هجمات الجماعة في البحر الأحمر.
وعقب ذلك، توعّدت جماعة الحوثي بأن "كل المصالح الأميركية والبريطانية أهداف مشروعة لقواتها ردا على عدوانهم المباشر والمعلن على اليمن".
وبدأت الجماعة باستهداف السفن الأميركية والبريطانية في البحر الأحمر، بعد أن كانت تستهدف فقط السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بإسرائيل، مما أدى إلى توسيع رقعة الصراع.
واستمرت الهجمات المتبادلة بين الجانبين حتى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في يناير /كانون الثاني 2025، قبل أن يتجدد الصراع بين الطرفين هذه المرة في عهد ولاية ترامب.
وكان آخر تطور في سياق هذه المواجهات، إعلان جماعة الحوثي، مساء أمس الأحد، استهداف حاملة الطائرات الأميركية " يو إس إس هاري ترومان " والقطع الحربية التابعة لها شمالي البحر الأحمر بـ 18 صاروخا بالستيا ومجنحا وطائرةً مسيرة.
بعد هذه الغارات، قلل عبد الملك الحوثي من آثار الهجمات الأميركية الجديدة متوعدا بالتصعيد، مضيفا في كلمة مصورة أن "العدوان الأميركي الجديد سيسهم في تطوير قدراتنا العسكرية أكثر فأكثر وسنواجه التصعيد بالتصعيد، ولن يحقق هذا العدوان أهدافه في تقويض القدرات العسكرية لبلدنا".
وحذر الحوثي من أن "حاملة الطائرات والقطع الحربية الأميركية ستكون هدفا لنا، وقرار حظر الملاحة سيشمل واشنطن طالما استمرت في عدوانها".
وفي المقابل، أعلن وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث ، في تصريح صحفي، أن هجمات بلاده على الحوثيين في اليمن ستتواصل بلا هوادة.
عن أسباب تجدد الغارات الأميركية حاليا، يرى المحلل السياسي اليمني عبد الواسع الفاتكي في حديث للجزيرة نت، أنها جاءت نتيجة للعمليات البحرية التي قام بها الحوثيون ضد الولايات المتحدة وحلفائها منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
كما تأتي -وفق الفاتكي- بعد سلسلة من الإجراءات التصعيدية التي اتخذتها الولايات المتحدة المتمثلة في تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية وإدراج بعض قادة الجماعة على قوائم الإرهاب، وفرض حظر استيراد المشتقات النفطية من ميناء الحديدة غربي اليمن.
وفق حديثه للجزيرة نت، تحدث الخبير العسكري علي الذهب: "الجديد في هذه الضربات الأميركية أنها تأتي في ظل 3 عوامل مهمة هي:
بينما يعتقد المحلل الفاتكي، أن غارات واشنطن الجديدة تختلف عن الضربات الأميركية والغربية السابقة، لأنها شملت أكثر من 6 محافظات وعددا كبيرا من الأهداف التي لم تُستهدف سابقا، إضافة إلى كثافة هذه العمليات العسكرية التي اشتركت فيها البحرية الأميركية والطيران الأميركي.
ويرى الفاتكي، أن الحوثيين قد يردون على الضربات الأميركية بالتصعيد عن طريق الهجمات البحرية على السفن أو على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
الغارات الأميركية المكثفة على اليمن قد تشير إلى تحول في مسار المواجهة مع الحوثيين في عهد إدارة ترامب، بعكس الرئيس السابق جو بايدن ، وفق مراقبين.
فللمرة الأولى يُستهدف مقر المكتب السياسي للحوثيين في حي الجراف بالعاصمة صنعاء، وسط أنباء عن مقتل قادة في الجماعة.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن البيت الأبيض، أن الولايات المتحدة قتلت العديد من قادة الحوثيين الرئيسيين في ضرباتها.
وقال مستشار الأمن القومي الأميركي مايكل والتز "إن الوضع الذي ورثته إدارة الرئيس دونالد ترامب من الإدارة السابقة في اليمن كان مريعا"، مضيفا "أن كل الخيارات على الطاولة دائما في التعامل مع إيران، وأنها يجب أن توقف دعمها الحوثيين، فقد طفح الكيل".
وعن هذه التطورات، يعلق رئيس مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، ماجد المذحجي، "إن الفارق بين هذه الضربات الحالية والضربات السابقة، أن الجديدة تستهدف جسم الجماعة الحوثية مباشرة، وتلحق ضرراً بالبنية التي ظلت محمية".
وأضاف المذحجي، في حديث للجزيرة نت، "الآن يُستهدف القادة الحوثيون ومقر القيادة، وأماكن غير عسكرية، ولكنها ذات أهمية مركزية بالنسبة للحركة"، مشيرا إلى أن هذا تحول في طبيعة المعالجة العسكرية للجماعة، حيث سيكون له تكلفة، وسيكون مثيراً للقلق بالنسبة للحوثيين، "خصوصا أنهم الساحة التعويضية الأخيرة بالنسبة للمحور الإيراني".
يجيب الخبير العسكري علي الذهب "إن الرئيس الأميركي اتخذ قرارا بتقويض قدرات الحوثيين عموما، وليس قدرتهم التهديدية فقط".
وفي حديثه للجزيرة نت، اعتبر الذهب، أن الغارات الأميركية الجديدة مجرد رقم في مصفوفة جديدة للقضاء على الحوثيين، وقد يكبر خصوصا مع تصنيف إدارة ترامب الجماعة منظمة إرهابية، وفرض عقوبات على 7 قادة كبار من قادتها.
وأشار الخبير إلى أن الضربات الأميركية تأتي في إطار توسيع العمليات تجاه الحوثيين بالقدر الذي يتجاوز قدرتهم التهديدية حركة الشحن وإسقاطهم من محور المقاومة والقضاء عليهم.
يتوقع المحلل الفاتكي ثلاثة سيناريوهات لمستقبل المواجهات بين التحالف الأميركي وجماعة الحوثي: