آخر الأخبار

لماذا تحرص السعودية وقطر على دور "صانع السلام"؟

شارك
مصدر الصورة

تستضيف السعودية الثلاثاء لقاء بين مسؤولين أمريكيين وأوكرانيين، من أجل إجراء محادثات تستهدف التوصل إلى اتفاق سلام مع روسيا.

ووقع الاختيار على السعودية نظراً لما يتمتّع به حاكمُها الفعلي وولي العهد محمد بن سلمان من علاقات قوية مع كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وتقول الحكومة السعودية إنها ستباشر دوراً فاعلاً كوسيط بين طرفَي الصراع.

وتُعدّ دولة قطر، في الجوار السعودي، هي أيضا صانعة سلام على مدى العقدين الماضيين.

ولعبت قطر دور الوسيط في اتفاق وقف إطلاق النار الراهن في غزة، بين إسرائيل وحماس، كما أسهمت في إبرام العديد من اتفاقات وقف إطلاق النار قبل ذلك.

ولكن، لماذا اختارت هاتان الدولتان الجارتان القيام بدور وسيط السلام؟ وهل يعكّر ذلك الأجواء بينهما؟

لماذا ترغب السعودية في إبرام اتفاقات سلام؟

مصدر الصورة

تتبنّى السعودية دور وسيط السلام، بعد سنوات عديدة وُصف فيها مَسلكُها بالعدوانيّ.

ففي 2015، تدخلت السعودية في الحرب الأهلية في اليمن لدعم الحكومة، منفّذة هجمات جوية وضربات بالمدفعية ضد جماعة أنصار الله الحوثية.

وفي 2017، اتهمت حكومة لبنان السعودية باحتجاز رئيس الحكومة اللبنانية آنذاك سعد الحريري، في محاولة لإجباره على الاستقالة.

وفي 2018، قُتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية السعودية باسطنبول، بأيدي عملاء تابعين للنظام السعودي الذي كان خاشقجي ناقداً بارزاً له.

وقال بول سالم، الباحث لدى معهد الشرق الأوسط في واشنطن، إن "الأعوام الأولى من قيادة محمد بن سلمان شهدت توتراً".

"لكن القيادة رأتْ أنّ بإمكانها أن تفعل ما هو أفضل، عبر الوساطة في اتفاقات السلام بدلاً من الانخراط في الصراعات"، بحسب ما أضاف سالم لبي بي سي.

ومن ثمّ شرعت السعودية في التوسط لإبرام اتفاقات سلام، بما يدعم الاستقرار في الشرق الأوسط، وفقاً لإليزابيث دينت، الباحثة لدى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

وأضافت إليزابيث لبي بي سي أن "هذا جزءاً مُهمّاً من استراتيجية المملكة – لإنهاء اعتمادها على الصادرات النفطية، ولجذب الشركات الأجنبية للإسهام في تطوير قطاعات اقتصادية جديدة".

مصدر الصورة

ويعود تاريخ السعودية كصانعة سلام في الشرق الأوسط إلى عقود ماضية.

ففي عام 1989، توسّطت المملكة بين أطراف الحرب الأهلية في لبنان، التي انتهت باتفاق الطائف، ليتوقف إطلاق النار في عام 1990، وينسدل الستار على 15 عاما من الصراع اللبناني.

وفي عام 2007، أبرمت السعودية اتفاق مكة، الذي وضع نهاية للعداوة بين حركتَي فتح وحماس الفلسطينيتين.

وفي ظل قيادة محمد بن سلمان، عادت السعودية إلى الاضطلاع بدور صانع السلام.

فمنذ عام 2022، تعقد السعودية محادثات مع الحوثيين، في محاولة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في اليمن.

كما استضافت المملكة محادثات مطوّلة بين طرفَي الصراع السوداني – قوات الجيش النظامي وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.

وأشرفت السعودية على صفقة في عام 2022 بين روسيا وأوكرانيا، حيث جرى تبادُل أكثر من 250 أسيراً بين الجانبين.

ما هي اتفاقات السلام التي أنجرتها قطر؟

كانت قطر ضمن فريق أساسي من الوسطاء (إلى جانب مصر والولايات المتحدة) الذين أسهموا في التوصل إلى هُدنة بين إسرائيل وحركة حماس في يناير/كانون الثاني 2025.

وفي عام 2020، توسّطت قطر في اتفاق سلام بين حركة طالبان والولايات المتحدة، لإنهاء حرب استمرت زهاء 18عاما في أفغانستان، لتنسحب واشنطن وحلفاؤها بقواتهم من البلاد.

وفي عام 2010، أبرمت قطر اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين الحكومة اليمنية والحوثيين، رغم أنه لم يصمُد.

كما أبرمت قطر اتفاقات سلام في أفريقيا؛ ومن ذلك اتفاقٌ لوقف إطلاق النار في عام 2022 بين الحكومة في تشاد وجماعات معارضة.

وفي عام 2010، أبرمت قطر اتفاق سلام بين حكومة السودان ومجموعات مسلحة في إقليم دارفور غربي البلاد.

وفي عام 2008، توسّطت قطر في اتفاق بين فصائل لبنانية، كادت المشاحنات بينها أن تُشعل حرباً أهلية جديدة في البلاد.

لماذا تسعى قطر لأنْ تكون صانعة سلام؟

مصدر الصورة

سعت قطر إلى الاضطلاع بدور بارز كوسيط للسلام في ظل قيادة حمد بن خليفة آل ثاني، الذي أصبح أميراً للدولة في عام 1995، وظل في منصبه لغاية عام 2013.

السبب الرئيسي وراء ذلك كان رغبة قطر في تطوير حقل غاز في الخليج يُعرف باسم "حقل غاز الشمال أو حقل فارس الجنوبي"، الذي اكتُشف في عام 1990.

وتمتدّ رقعة هذا الحقل في المياه الدولية بين كل من إيران وقطر، ما جعل البلدين في حاجة إلى التعاون فيما بينهما.

وكانت إيران في ذلك الوقت خصماً للسعودية، بحسب إتش أيه هيلير، الباحث لدى المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن.

وأضاف هيلير لبي بي سي: "عندما اكتشفت قطر حقل الغاز، أدركت أن عليها أن تجد لنفسها طريقاً".

واختارت قطر أن تلعب دور وسيط السلام؛ لأن "التمتّع بعلاقات إيجابية واسعة مع أطراف عديدة، كفيلٌ بنسْج شبكة من الدول التي يمكن أن تمدّ يد المساعدة والدعم" وفقاً لهيلير.

وينُصّ الدستور الذي أقرّته قطر في 2004 على دور الدولة كصانعة سلام.

ويقول بول سالم، الباحث لدى معهد الشرق الأوسط في واشنطن: "لقد اختارت قطر دور الوسيط الدوليّ كأحد سماتِها الدولية، ورصدت قدراتها في خدمة هذا الهدف".

ما الفرق بين السعودية وقطر كـ"وسيط للسلام"؟

مصدر الصورة

يقع الاختيار على قطر كصانعة سلام، لأنها تحتفظ بروابط مع مجموعات، لا تحتفظ السعودية ودول أخرى بمثلها.

فوفقاً للباحث بول سالم، "لا تتخذ قطر إزاء جماعات الإسلام السياسي كالإخوان المسلمين وحماس وطالبان، نفس الموقف الذي تتخذه السعودية".

وقد ساعدت الروابط التي كانت بين طالبان وقطر في أن تقوم الأخيرة بدور جسر التواصل بين الحركة الأفغانية والولايات المتحدة.

كما أن الروابط بين قطر وكل من حماس وإسرائيل، ساعدت في إبرام اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين الطرفين.

وفي ذلك تقول الباحثة إليزابيث دينت: "السعودية تتعامل مع الحالات والأطراف التقليديين، بينما تتعامل قطر مع الحالات والأطراف غير التقليديين".

وكانت قطر قد أثارت غضب السعودية عبر دعم جماعات مثل الإخوان المسلمين، التي ترى فيها السعودية تهديدا لنظام حُكمها.

"في أثناء ما يعرف باسم الربيع العربي، أعطت قطر دعماً غير مقيَّد لجماعات المعارضة في بلاد مثل سوريا وليبيا، ما ترك موقفها مكشوفاً تماماً"، بحسب إليزابيث دينت.

وقاد هذا الموقف إلى ما يُعرف بـ "أزمة الخليج" في عام 2017، حيث قطعتْ السعودية ودول أخرى في الشرق الأوسط علاقاتها مع قطر.

وتقول إليزابيث: "بعد انتهاء أزمة الخليج، لم تغامر قطر بالتعاطي مع جماعات متطرفة من دون الرجوع مسبقاً إلى دول الجوار، وهو ما يجعلها الآن في وضع محايد كوسيط أكثر من ذي قبل".

لا تتسابق السعودية وقطر على مَن يبرم اتفاق سلام، بحسب الباحث إتش إيه هيلير، التي ترى أن "قطر لا ترغب في منافسة السعودية هذه الأيام، كما أن السعودية لا ترغب في الاستحواذ على أيّ دور قطري".

"وللأسف، لا يزال هناك من الصراعات حول العالم ما يكفي لترك الدولتين الخليجيتين في شُغل"، على حدّ تعبير باحث المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، هيلير.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا