في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
رغم ما تتمتع به الدول العربية من ثروات اقتصادية هائلة وموقع إستراتيجي مؤثر في الاقتصاد العالمي، فإن أي عملة عربية لا تُدرج ضمن العملات المكونة لما يُعرف بـ"حقوق السحب الخاصة" لدى صندوق النقد الدولي .
سنحاول في هذا التقرير الإجابة عن هذه الأسئلة وتسليط الضوء على خلفيات الغياب العربي عن واحدة من أبرز الأدوات النقدية العالمية.
حقوق السحب الخاصة هي أصل احتياطي دولي أنشأه صندوق النقد الدولي في عام 1969، بهدف دعم الاحتياطيات الرسمية للدول الأعضاء.
ورغم أنها ليست عملة متداولة بحد ذاتها، فإنّها تمثّل حقّا محتملا في الحصول على العملات القابلة للتداول بحرية لدى الدول الأعضاء في الصندوق، ما يتيح لها تعزيز سيولتها النقدية عند الحاجة، دون الاعتماد المباشر على السوق أو على احتياطاتها الخاصة.
وتُحدَّد قيمة حقوق السحب الخاصة استنادًا إلى سلة من 5 عملات عالمية رئيسية، وهي:
وبلغ مجموع ما تم تخصيصه من هذه الحقوق حتى اليوم 660.7 مليار وحدة (أي ما يعادل نحو 943 مليار دولار أميركي)، بما في ذلك التخصيص الأكبر الذي جرى في الثاني من أغسطس/آب 2021 ودخل حيّز التنفيذ في 23 من الشهر نفسه، استجابةً للحاجة العالمية الطويلة الأجل لتعزيز الاحتياطيات، ولمساعدة الدول على مواجهة التداعيات الاقتصادية الناجمة عن جائحة "كوفيد-19".
وضع صندوق النقد الدولي معيارين رئيسيين لاختيار العملات المؤهلة للانضمام إلى سلة حقوق السحب الخاصة، مع آلية مراجعة دورية لتحديث مكوناتها.
جاء ذلك على لسان بيتر زولتر، رئيس إدارة الخدمات المصرفية في بنك التسويات الدولية، خلال كلمته أمام منتدى محافظي معهد التمويل والتمويل الإسلامي، بمناسبة إدراج اليوان الصيني ضمن سلة حقوق السحب الخاصة.
يشترط أن تكون العملة صادرة عن دولة أو اتحاد نقدي يشكل جزءًا كبيرًا من صادرات السلع والخدمات على مستوى العالم خلال السنوات الخمس الأخيرة.
ويهدف هذا الشرط إلى ضمان أن العملة المعنية تلعب دورًا مركزيًا في الاقتصاد الدولي، وتعكس وزنًا حقيقيًا في حركة التجارة العالمية.
يُشترط في العملة أن تكون:
من المهم التوضيح أن "قابلية الاستخدام الحر" لا تعني بالضرورة أن تكون العملة قابلة للتحويل الكامل أو حرة من قيود رأس المال، بل تشير إلى مدى استخدامها ومرونتها في تلبية المتطلبات الدولية، حتى لو فُرضت بعض الضوابط على تدفقات رؤوس الأموال محليًا.
يُجري المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي مراجعة شاملة لسلة حقوق السحب الخاصة كل 5 سنوات، وتُحدَّد في كل دورة مراجعة ما يلي:
ويُضاف إلى السلة أيّ عملة جديدة عندما تستوفي المعيارين الأساسيين (الصادرات وقابلية الاستخدام الحر)، كما حدث مع اليوان الصيني، الذي جرى إدراجه اعتبارًا من الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2016، بعد استيفائه هذين الشرطين.
كما يتّضح من المعايير السابقة، لا تُدرج أي عملة عربية ضمن سلة حقوق السحب الخاصة للأسباب التالية:
لا تحتل أي دولة عربية موقعًا ضمن أكبر 5 مصدّرين عالميًا للسلع والخدمات، وهو أحد الشروط الأساسية.
فعلى سبيل المثال، في عام 2024، بلغ حجم الصادرات غير النفطية للسعودية (أكبر اقتصاد عربي) 515 مليار ريال سعودي (أي نحو 137.33 مليار دولار)، بزيادة قدرها 13% عن عام 2023، وفقًا لما أوردته وكالة الأنباء السعودية.
أما على مستوى التصنيف الاقتصادي العالمي:
تعاني معظم العملات العربية من قيود على حركة رأس المال، أو ضعف في التداول الدولي، أو محدودية القبول الدولي، مما يمنعها من تلبية معيار الاستخدام الحر.
فالعملات العربية، لا تملك الخصائص الفنية ولا الأسواق المالية اللازمة لتأهيلها لدخول السلة.
من الناحية النظرية، نعم، لا يُمكن استبعاد وجود عملة عربية ضمن سلة حقوق السحب الخاصة في المستقبل، لكن هذا مرهون بشروط صارمة:
حتى الآن، لا تستوفي أي عملة عربية هذه الشروط، إما بسبب ضعف حجم التجارة الخارجية، أو بسبب القيود النقدية، أو لغياب التداول الدولي النشط.
ملاحظة:
لكن من الجدير بالذكر أن بعض المؤسسات المالية العربية، مثل صندوق النقد العربي والبنك الإسلامي للتنمية، حائزة على حقوق السحب الخاصة، أي أنها مُعترف بها رسميًا من قِبل صندوق النقد الدولي كأطراف يمكنها امتلاك واستخدام الوحدات رغم أنها ليست دولًا أعضاء.
تُطرح فكرة العملة الخليجية الموحدة منذ سنوات، وتحديدًا منذ عام 2010 حين أُسس المجلس النقدي الخليجي، كخطوة أولى نحو إنشاء اتحاد نقدي على غرار منطقة اليورو.
ومنذ ذلك الحين، شرعت دول الخليج في دراسة المؤشرات الاقتصادية الضرورية، مثل مستويات التضخم ، أسعار الفائدة ، الدين العام، وربط نظم الدفع، ومواءمة التشريعات المصرفية، بما يُمهد الطريق لإطلاق العملة.
وبحسب تقارير متعددة، يجري حاليًا العمل على دمج المؤسسات المصرفية المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي الست (السعودية، الإمارات، الكويت، قطر، البحرين، سلطنة عُمان)، وربط أنظمة الدفع المصرفي بينها.
وفقًا للأمانة العامة لمجلس التعاون، فإن الاتحاد النقدي يستلزم:
غياب العملات العربية عن سلة حقوق السحب الخاصة هو نتيجة مباشرة لمعايير اقتصادية دقيقة وضعتها المؤسسات النقدية العالمية لضمان استقرار النظام المالي العالمي.
ورغم التحديات الحالية، فإن الفرصة لا تزال قائمة لدخول عملة عربية إلى السلة مستقبلا، شريطة توفر إرادة سياسية، ورؤية إستراتيجية طويلة الأمد، وتكامل اقتصادي عربي حقيقي، يكون فيه التداول الحر وتحرير الأسواق المالية أساسًا للبناء.