في عام اتسم بتقلبات حادة وتبدلات مفاجئة في اتجاهات الأسواق، ينهي المستثمرون عام 2025 وهم يوازنون بين أرباح سريعة وخسائر موجعة، في مشهد عكس بوضوح هشاشة الرهانات الكبرى وتآكل اليقين حتى في أكثر السرديات الاستثمارية رسوخا.
ومع اقتراب نهاية العام، بدت المكاسب غير مستقرة، والتقييمات مشدودة، بينما انكشفت حدود "القصص الاستثمارية الكبرى" التي غذّت شهية المخاطرة في السنوات السابقة.
ويرسم تقرير لوكالة بلومبيرغ صورة عام شهد أرباحا خاطفة وارتدادات عنيفة في الآن ذاته، وترك المستثمرين أمام واقع أكثر هشاشة مما توحي به أرقام الصعود وحدها.
عام 2025، كما تصفه بلومبيرغ، لم يكن عام الاتجاه الواحد، بل عام الصدمات المتعاقبة واختبار الأعصاب في أسواق لا ترحم.
وتصف بلومبيرغ عام 2025 بأنه عام "المكاسب المفاجئة والارتدادات العنيفة"، حيث انتقلت الأسواق من نشوة الصعود إلى صدمات التصحيح خلال فترات قصيرة.
ومع اقتراب نهاية العام، تراجعت شهية المخاطرة لدى المستثمرين، إذ ضغطت أسهم شركات التكنولوجيا العملاقة على العقود الآجلة للأسهم الأميركية، بينما حاولت العملات الرقمية استعادة الزخم دون نجاح حاسم.
ووفق بيانات الأسواق، تذبذب مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" الآجل، وتراجع مؤشر "نيكي" الياباني، في حين شهدت الفضة هبوطا حادا بعد بلوغها مستويات قياسية قبل أن تسترجع عافيتها، بينما واصل النحاس اندفاعه نحو أسعار تاريخية، مما عكس اختلالات واضحة بين العرض والطلب في أسواق السلع.
وفي قطاع الأصول الرقمية، تشير بلومبيرغ إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب دفع بقوة نحو العملات المشفّرة، عبر إصلاحات تنظيمية وتعيينات داعمة للصناعة، بينما انخرطت عائلته في الترويج لعملات ومشروعات رقمية تعامل معها المتداولون كـ"وقود سياسي".
غير أن هذه الرهانات، وفق التقرير، افتقرت إلى الاستدامة، إذ تراجعت عملة "ترامب" الرقمية بأكثر من 80% عن ذروتها في يناير/كانون الثاني، بينما تتجه "بيتكوين" لتسجيل خسارة سنوية، في إشارة إلى أن الزخم السياسي "قد يمنح دفعة، لكنه لا يوفر حماية".
وحتى سردية الذكاء الاصطناعي، التي قادت موجة الصعود في الأسواق لـ3 أعوام، لم تسلم من الشكوك.
فقد كشف المستثمر الشهير مايكل بيري، المعروف بتوقعه أزمة الرهن العقاري عام 2008، عن حيازته عقود مراهنة على هبوط أسهم شركات محورية في هذا القطاع.
وترى بلومبيرغ أن هذه الخطوة، سواء أصابت أم أخطأت، عكست هشاشة الثقة حين تبدأ القناعات الجماعية بالتآكل.
وعلى النقيض، شكّل قطاع الصناعات الدفاعية الأوروبية أحد أبرز الرابحين، فمع إشارات ترامب إلى تقليص الدعم العسكري لأوكرانيا، اندفعت الحكومات الأوروبية لزيادة الإنفاق الدفاعي، مما دفع بأسهم شركات مثل "راينميتال" الألمانية و"ليوناردو" الإيطالية إلى تحقيق مكاسب ضخمة.
وتشير بلومبيرغ إلى أن مديري أصول أعادوا تعريف معاييرهم الاستثمارية، متجاوزين تحفظات بيئية واجتماعية كانت تجعل القطاع "محظورا" في السابق.
وفي ما يُعرف بـ"رهان تآكل قيمة العملة"، لجأ مستثمرون إلى الذهب والعملات الرقمية، مدفوعين بارتفاع المديونية في اقتصادات كبرى، مثل أميركا وفرنسا واليابان، وغياب الإرادة السياسية لمعالجتها.
وبلغت هذه السردية ذروتها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي مع تصاعد القلق حول الوضع المالي الأميركي، غير أن النتائج جاءت متباينة؛ إذ تراجع "بيتكوين"، واستقر الدولار نسبيا، بينما تتجه سندات الخزانة الأميركية لتحقيق أفضل أداء سنوي لها منذ 2020، وفق بلومبيرغ.
ولم تكن الصدمة في أسواق الائتمان نتيجة انهيار واحد ضخم، بل سلسلة إخفاقات أصغر لكنها متكررة. فقد أعادت شركات هيكلة ديون بمليارات الدولارات، بينما تراجعت قيمة سندات أخرى إلى أقل من 60 سنتا للدولار.
وتؤكد بلومبيرغ أن هذه التطورات كشفت عن تآكل معايير الإقراض خلال سنوات من السيولة الرخيصة وانخفاض معدلات التعثر، تاركة المستثمرين أمام أسئلة صعبة حول مبررات المخاطرة.
ومع دخول عام 2026، تشير بلومبيرغ إلى أن كثيرا من رهانات 2025 تركت المستثمرين أكثر حذرا، وهم يواجهون شركات متعثرة، وتقييمات متضخمة، وإستراتيجيات تتهاوى عند أول اختبار.
ويبدو أن الدرس الأبرز هو أن السرديات الكبرى، مهما بدت مقنعة، تظل عرضة للانكسار حين تتغير السياسة أو تتبدل دورة السوق.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة