آخر الأخبار

البابا لاوون: حضرت لأعزّي اللبنانيين... فعزّوني

شارك
كتبت سلمى أبو عساف: أكّد البابا من الفاتيكان، بعد عودته من لبنان ، أنّه تأثّر عميقًا باستقبال اللبنانيين له وبلقائه أهالي شهداء انفجار المرفأ، معتبرًا أنّهم لم ينتظروا منه التعزية بقدر ما عزّوه هم بإيمانهم وحماستهم.
" لقد غيّر نظرته". انطباع أسرّ به رأس كنيسة أنطاكيا وسائر المشرق للموارنة البطريرك الراعي، عن رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم البابا لاوون الرابع عشر، فور مغادرته لبنان، كأنه بذلك يقدم لصفحة جديدة قد تكون الأولى في كتاب جديد عن لبنان لم يتبلور حتى الساعة موقعه وسط كل التغيرات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط .

لا شك في أن الأيام الثلاثة لقداسة البابا في لبنان كانت جرعة دواء مسكن للوطن العليل.
بالاستناد إلى العلاقة التاريخية التي تربط الكرسي الرسولي بلبنان وبالبطريركية المارونية تحديدا، استحضر البطريرك الماروني هذه العبارة ليقطع شك المشككين في فتور العلاقة العريقة بين الكرسي الرسولي بلبنان وكنيسته، بيقين أن "لبنان بأهله مسلمين ومسيحيين كان ولا يزال "أمانة" لدى الكرسي الرسولي، يرعاها ويحافظ عليها، بناء على الوعد الذي قطعه البابا بينيديكتوس الخامس عشر أمام الوفد اللبناني الثالث المطالب ب"لبنان الكبير"، في مؤتمر الصلح 1919.

عام 1964، في قمة ازدهار لبنان، دشنت خمسون دقيقة من نهار 2 كانون الأول، مسار الزيارات البابوية للبنان ودول الشرق الأوسط. وفي وقفة "ترانزيت" على أرض مطار بيروت وجه البابا بولس السادس رسالة سلام إلى المنطقة من البلد "النبيل الجميل" كما وصفه، وسط استقبال رسمي وحشد شعبي.

وعام 1997، حل البابا القديس يوحنا بولس الثاني ضيفا على البلد الذي ذكره مع مسقطه بولندا في أول كلمة له بعد انتخابه عام 1978. وفي استقباله تجدد الحضور الشعبي ولكن بصورة مغايرة عما كانت عليه يوم استقبل بولس السادس.

ومع البابا بينيديكتوس السادس عشر، احتشد الناس عام 2012 مجددا، يقينا منهم أن الضيف الذي اختار لبنان ليوقع فيه الإرشاد الرسولي "الكنيسة في الشرق الأوسط"، على نهج أسلافه، لن يترك "الوديعة التاريخية" التي اؤتمن عليها وسط ما تشهده المنطقة من تحولات أنظمة فرضها "الربيع العربي".

وكان تأجيل ومن ثم إلغاء للزيارة المرتقبة للبابا فرنسيس، وأقاويل عن فتور العلاقة بين الكنيستين الكاثوليكية والمارونية، ما ترك نوعا من التشويش في ذهن اللبنانيين.

"بسمع الأذن قد سمعت عنك والآن رأتك عيني". تماهى سفر يعقوب هذا مع حال البابا الزائر الذي انتخب حديثا. لقد سمع عن لبنان طبعا، لكنها المرة الأولى يكون على تماس مع مكونات هذا البلد الصغير. اليوم الأول من الزيارة لم يكن كاليومين الباقيين. طابع رسمي فرض بصمته، ولكن سرعان ما سلك منحى تصاعديا إيجابيا طوال المدة المتبقية للزيارة، وقد تمايزت عن زيارات البابوات السابقين باستحواذها على اهتمام دولي وإقليمي ومحلي.

لماذا لفت البطريرك الماروني إلى تغيير في نظرة الأب الأقدس خلال زيارته لبنان؟
لعل الأجواء الرمادية التي سبقت الزيارة البابوية والتكهنات ب"عدم رضا" الكرسي الرسولي عن الأداء الروحي والسياسي في لبنان، إضاقة إلى العلاقة الناشئة بين البابا المنتخب حديثا ولبنان، هي ما حدت بالبطريرك الماروني على التعبير عما لمسه وأدركه من معطيات تحققت طيلة مدة إقامة الضيف العظيم، وكأنه أراد طمأنة اللبنانيين إلى صلابة هذه العلاقة.

الترحيب الرسمي والشعبي كان الحاضر الأبرز الذي حاكى وجدان خليفة بطرس، فتجسد بداية في حضور الرؤساء الثلاثة على أرض المطار عند الاستقبال والوداع، مرورا بتوافد اللبنانيين من مقيمين ومنتشرين أتوا خصيصا للمشاركة.

وشكل إصرار القادة الروحيين ولا سيما رؤساء الطوائف الإسلامية على لقائه مرة ثانية في السفارة البابوية بعد لقاء ساحة الشهداء ، تأكيدا أن الحوار بين الأديان في لبنان ليس مجرد شعار وإنما هو فعل تحركه المحبة والاحترام المتبادل بين جميع الطوائف.

بالبعد الكنسي، لاقى سؤال قداسته المتكرر لمعاونيه عن شبيبة لبنان وأوضاعهم وتطلعاتهم وهجرتهم، الإجابة في اللقاء الذي جمعه بهم في ساحة كنيستهم. فلقد عبر بوابة الصرح البطريركي حيث اللقاء، بابتسامة أبوية ودودة، يرافقه البطريرك الراعي على متن سيارة صغيرة مكشوفة. منح بركته وحيا نحو اثني عشر ألف شاب وشابة داخل الباحة الخارجية بعد مباركته لنحو ثلاثة آلاف آخرين كانوا ينتظرونه واقفين أمام المدخل.
لبى الضيف الأبيض بفرح وتواضع، وبسلام أراده شعارا لزيارته، مطلب ذلك الفتى، واضعا يده على رأسه وقائلا له "لا تخف".
الكلمة التي توجه بها إلى الشبيبة، كتبها بعد اطلاعه على نحو 100 رسالة كان قد تلقاها منهم بناء على طلبه قبل الزيارة، وبوحي من مضمونها خاطبهم. رفع قبضته للتشديد على دورهم في صناعة السلام، فهم "بذور رجاء".
لا شك في أن هذا المشهد بدد فكرة شيخوخة الكنيسة وعجزها في لبنان.
بالبعد الإنساني الكنسي أيضا، في مستشفى دير الصليب وتحديدا في قسم st dominique ، وفي لقاء خاص بالأطفال المصابين بذكائهم، منعت من نقله وسائل الإعلام ، نادى قداسته كل طفل باسمه وحاوره بقدر ما هو ممكن. ولدى سؤاله أحد الأولاد عما يقوم به في خلال النهار اقترب منه الولد وأمسك بيده، فرافقه البابا لاوون بفرح بدا على وجهه إلى غرفة قريبة تستعمل لطي الملابس، وساعده في عمله بعفوية. كذلك جثا ليصافح الأطفال الذين لا يقوون على الوقوف. وغادر متأثرا ومثنيا على الرسالة الإنسانية التي تعنى بهذه الخدمة.

"ليتني أبقى هنا"، قالها البابا لاوون للسفير البابوي يوم المغادرة، على شرفة السفارة البابوية في حريصا المطلة على مزار سيدة لبنان الذي "ترعى منه العذراء أبناءها وتحميهم بيديها المفتوحتين" كما وصفها قداسته. ثم أعلن أن "المغادرة أصعب من الوصول"، تعبيرا عن تعلقه بهذا الشعب وبهذه الأرض.
قد تكون الإجابة الأوضح عن التساؤل عن حقيقة التغيير التي طالت نظرة البابا بعد مغادرته لبنان هي ما أعلنه أمام العالم أجمع، ومن كرسيه الرسولي في الفاتيكان بعد صلاة التبشير الملائكي: "لقد تعزيت برؤية الناس ترحب بي على الطرق، وتأثرت بلقاء أهالي شهداء انفجار مرفأ بيروت. اللبنانيون كانوا ينتظرون مني كلمة وحضورا معزيا، ولكنهم هم من عزّوني، بإيمانهم وحماستهم واستقبالهم".
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا