آخر الأخبار

اجتماع طهران: دبلوماسية لبنانية متناثرة في لحظة اقليمية حاسمة

شارك
على وقع التحوّلات الإقليمية المتلاحقة، برز الاجتماع الثلاثي في طهران بين السعودية وإيران والصين كإشارة إضافية إلى مرحلة جديدة تُرسم ملامحها بعيداً عن صخب المواجهات. وبصورة باتت أكثر وضوحاً، اجتمعت ثلاث دول تملك ثقلها في المشهد الإقليمي والدولي، لتثبيت مسار تفاهمات سابقة ولإعادة تأكيد رغبتها في تخفيف التوتر داخل منطقة تتحرّك على إيقاع متقلّب. وفي قلب هذه النقاشات، ورد اسم لبنان مجدّداً، لكنّ حضوره كان أقرب إلى تفصيل جانبي من دون أن يترجم حضوراً وازناً داخل المسار التفاوضي.

هذه المفارقة تفتح الباب أمام قراءة هادئة لوضع الدبلوماسية اللبنانية ، التي تبدو وكأنّها تتعامل مع التطوّرات الإقليمية من زاوية ضيّقة لا تلتقط تغيّر الموازين في المنطقة رغم أنّ انعكاساتها تطال البلاد مباشرة. فبينما تهتمّ عواصم المنطقة بإدارة خلافاتها وحماية مصالحها وسط ارتفاع حدّة التوتر على أكثر من جبهة، يظهر لبنان عاجزاً عن استثمار أي نافذة تُفتح لصالحه، سواء أتت من الرياض أو طهران أو من القوى الدولية التي ترعى مسار التهدئة.

وبحسب مصادر دبلوماسية مطّلعة، فإنّ الاجتماع في طهران لم يكن استعراضاً سياسيّاً، بل محطة لالتقاط الاتجاهات الكبرى من تثبيت تفاهم بكين إلى التشديد على الحوار وصولاً إلى موقف واضح من التطورات في فلسطين ولبنان وسوريا. ولعلّ ما جاء في الاجتماع يعكس توجهاً واضحاً لدى الأطراف نحو خفض حدّة التوتر، ولو بشكل تدريجي. ومع ذلك، لم يواكب لبنان هذا المناخ بخطوات توازي حجم اللحظة، وكأن دبلوماسيته، وفق المصادر، عاجزة عن تحويل الإشارات الإقليمية إلى مبادرات متوازنة.

وما يزيد المشهد تعقيداً أنّ المشكلة لا تتعلّق فقط بضعف الإمكانات للبنان، بل بغياب إطار واضح ينظّم كيفية إدارة علاقاته الخارجية. ففي لحظة تحتاج فيها البلاد إلى تنويع قنوات التواصل والانفتاح على أكثر من طرف، يستمرّ الرهان على مسار واحد، رغم أنّ التوازن الإقليمي يقوم أصلًا على تعدّد اللاعبين وتشابك مصالحهم. وفي ظل هذا الواقع، يصبح لأي خلل في إدارة العلاقات تأثيراً مباشراً على الأداء الدبلوماسي، فتظهر السياسة الخارجية في موقع العاجز عن مواكبة إيقاع المنطقة.

من هنا تتجلّى المشكلة بشكل أوضح، فالدول التي كانت تتصارع بالأمس هي نفسها التي تعود إلى طاولة الحوار اليوم، بينما لبنان، الأكثر حاجة إلى هذا النوع من الانفتاح، لا يظهر كطرف قادر على توظيف اللحظة. وفي امتداد هذا المسار، ترى المصادر أنّ مجرّد ذكر لبنان في بيان طهران يُفترض أن يشكّل حافزاً لبلورة مقاربة أكثر جرأة وهدوءاً في آن واحد، بوصفه فرصة نادرة لتعزيز موقعه في لحظة تُعاد فيها صياغة التوازنات الإقليمية.

ومع أنّ لبنان لا يمتلك القدرة على تغيير شكل العلاقات السعودية– الإيرانية أو التأثير في الاستراتيجية الصينية المتنامية في المنطقة، إلا أنّه قادر على تحديد موقعه داخل هذه المعادلة. واعتبرت المصادر أن هذا الامر لا يتحقّق بالشعارات، بل بتفعيل القنوات الدبلوماسية كافة، ومقاربة العلاقات الخارجية بمنطق المصلحة الوطنية، لا بمنطق الاستعراض المفرط أو الحسابات الداخلية الضيّقة.

في المحصّلة، ما جرى في طهران ليس تفصيلاً، بل هو تذكير بأنّ المنطقة تتحرك ببطء نحو إعادة صياغة أولويات جديدة، وأنّ القوى الكبرى غير معنية بانتظار الدول التي تؤجّل قراراتها أو تخشى المبادرة. وتقول المصادر أنه إن أراد لبنان أن يحجز لنفسه مكاناً في المرحلة المقبلة، فعلى خارجيته أن تبادر إلى بناء سياسة مرنة، تشبه حاجاته وتعبّر عن موقعه الحقيقي ضمن مرحلة تموج بتغيّرات متلاحقة.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا