ذكر موقع "The Arab Weekly" الأميركي أنه "بصراحته المعهودة، حذّر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السايق، وليد جنبلاط، مؤخراً من أن تصبح بلاده "صندوق بريد للحوار" بين القوى الأجنبية. إن هذا التشخيص يجسد تماماً الأهمية الأوسع للضربات
الإسرائيلية الأخيرة على
بيروت ، كاشفاً كيف يُستخدم
لبنان كأرض محروقة تُتبادل فيها الرسائل، والصواريخ، بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة. في الواقع، لم تكن يوماً قراءة جنبلاط ثاقبة إلى هذا الحد كما هي اليوم، خاصة في ظل المواجهة التي لا تزال قائمة بين إسرائيل والجمهورية الإسلامية، والتي أسفرت عن التدمير المنهجي لشبكة الدفاع الجوي الإيرانية، واغتيال كبار القادة العسكريين، واستهداف مواقعها النووية".
وبحسب الموقع، "وصلت أحدث رسالة إسرائيلية إلى
حزب الله وإيران في 23 تشرين الثاني، بعد أن استهدفت تل أبيب، بإذن مباشر من رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، شقة سكنية في حارة حريك ما أدى إلى اغتيال هيثم علي طبطبائي، رئيس أركان حزب الله المعين حديثاً. في الحقيقة، لم تعد إسرائيل، التي ازدادت جرأةً بعد انتصارها الجوي على طهران، وإضعاف خصمها اللبناني، مهتمة بكيفية إدارة تهديد حزب الله، بل تعتزم القضاء عليه، إذ سبق لنتنياهو أن وجّه تحذيراً العام الماضي للحكومة والشعب اللبنانيين قائلاً: "حرروا بلدكم من حزب الله وإلا ستواجهون دماراً ومعاناةً كما نشهد في غزة"."
وتابع الموقع، "لكن وجهة نظر طهران، من نواحٍ عديدة، أكثر أهمية بالنسبة للبنان. ففي خطاب ألقاه مؤخراً، أظهر المرشد الأعلى علي خامنئي تحدياً معهوداً، زاعماً أنه في حرب الأيام الاثني عشر، "جاء الكيان الصهيوني وارتكب أعمالاً دنيئة. وتلقى هزيمة نكراء وغادر خالي الوفاض". إلا أن وراء هذه اللغة الحادة إدراكاً مرعباً للجمهورية الإسلامية. عسكرياً، يُمكن القول إنها أضعف مما كانت عليه منذ نهاية الحرب الإيرانية العراقية عام 1988.فسماؤها بلا حماية، وقوتها النووية قد تضاءلت بشكل كبير. وهذا الوضع غيّر جذرياً نظرتها إلى حزب الله. فقبل حزيران، كان هذا الحزب شبه العسكري بمثابة سيفٍ لبسط النفوذ، أما اليوم، فهو ربما الدرع الأخير المتبقي لبقاء الجمهورية الإسلامية نفسها".
وأضاف الموقع، "هذا يفسر تعليقات علي أكبر ولايتي، كبير مستشاري المرشد الأعلى، الذي أعلن في أواخر تشرين الثاني أن وجود حزب الله "أكثر أهمية من الخبز والماء" بالنسبة للبنان. وأثار هذا الموقف استنكارًا شديدًا وعلنيًا من الدولة
اللبنانية ، إذ ندد
وزير الخارجية يوسف رجي بتصريح ولايتي ووصفه بأنه انتهاك صارخ للسيادة. وكتب رجي على موقع "إكس"، موجهًا كلامه مباشرة إلى نظيره الإيراني عباس عراقجي: "إن ما هو أهم لدينا من الماء والخبز هو سيادتنا وحريتنا واستقلالنا في اتخاذ قراراتنا الداخلية"، كما ندد بـ"الشعارات الأيديولوجية والأجندات الإقليمية العابرة للحدود التي دمرت بلادنا". شكل ذلك لحظة نادرة من الصراحة المطلقة، وهي دليل على أن الحكومة اللبنانية لم تعد تهمس باستيائها، بل تُعلنه جهراً. حتى أن رجي ذهب أبعد من ذلك في إحدى المقابلات، مُقرّاً بأن "حزب الله لا يستطيع تسليم أسلحته دون قرار إيراني"، وهو اعتراف واضح بأن مفاتيح الحرب والسلام في لبنان ليست في بيروت، بل في طهران".
وبحسب الموقع، "مع تصاعد حدة التراشق الكلامي بين بيروت وطهران، تُحوّل إسرائيل، بعد أن خفّضت من حدة قتالها في غزة، نطاق عملياتها بقوة نحو جيرانها. فإلى جانب ملاحقة قيادة حزب الله في العاصمة اللبنانية، صعّدت تل أبيب حملتها في سوريا، ونفّذت توغلاً برياً جريئاً في بلدة بيت جين، خلّف وراءه عدداً كبيراً من الضحايا. إن مسرح الصراع مُهدد بالإتساع أكثر، خاصة في أعقاب الإنذار الذي قيل إن المبعوث الأميركي توم برّاك وجهه إلى بغداد، محذراً من أنه إذا تدخلت الميليشيات المدعومة من إيران هناك لدعم حزب الله، فلن تتردد إسرائيل في ضرب الأراضي العراقية. علاوة على ذلك، يبدو أن هذه الضربات والتهديدات بمثابة مقدمة لجولة ثانية ضد الجمهورية الإسلامية نفسها. وفي كلمة ألقاها مؤخراً في جامعة تل أبيب، حذر المدير العام لوزارة الدفاع الإيرانية، أمير بارام، من أن "الحشد السريع للقوات الإيرانية" يعني أن "كل الجبهات لا تزال مفتوحة". وبالنسبة لإسرائيل، وكذلك لإيران، تُعد الجولة المقبلة من القتال المباشر أمراً لا مفر منه، ويجب أن تكون مستعدة له تقنياً وعسكرياً".
وتابع الموقع، "أزال نتنياهو مؤخرًا أي لبسٍ بشأن هذا التسلسل. ففي مقابلةٍ حديثة، تفاخر بأن حرب حزيران "قضت" على كبار علماء إيران النوويين وقيادتها، مُزيلةً بذلك التهديد المباشر بـ"الإبادة النووية"، ومع ذلك، أقر بأن طهران ستُعيد بناء برنامجها النووي، موضحاً صراحةً المرحلة العملياتية الحالية لإسرائيل قائلًا: "ينصب تركيزنا الآن على محور إيران... فلنُنهِ المهمة هناك". والدلالة واضحة، فبمجرد تفكيك الدرع بالوكالة، سيُفتح الطريق إلى طهران من جديد. وبالنسبة لطهران، يظل حزب الله الوكيل
الرئيسي ، والشريك الأقرب والأكثر قدرة على الجبهة الشمالية لإسرائيل، وحجر الزاوية في "استراتيجيتها الأمامية". لذلك، أصبح منع تفكيكه أولوية قصوى لطهران، مما أدى إلى جهد مالي ضخم لإعادة بناء قدرات حزب الله. وبحسب مسؤولين في وزارة الخزانة الأميركية، حوّلت إيران نحو مليار دولار إلى حزب الله خلال العام الماضي وحده، وتنتقل هذه الأموال عبر شبكة مشبوهة من مكاتب الصرافة، مدعومة بجيش من المسافرين الذين يهرّبون الأموال نقداً في حقائبهم لتجاوز القطاع المصرفي الرسمي".
وأضاف الموقع، "يُمكّن هذا الدعم المالي حزب الله من دفع رواتب لأسر شهدائه وتجنيد مقاتلين جدد، حتى مع انهيار الدولة اللبنانية. أما بالنسبة لإسرائيل، فتُعدّ جهود إعادة الإعمار هذه خطاً أحمر. لذا، فإن القصف الإسرائيلي الحالي لا يقتصر على قتل القادة فحسب، بل هو محاولة لإفلاس الحزب بتدمير الأصول المادية التي تدفع إيران مقابل إعادة بنائها. ومع تصاعد حدة الصدام بين دولة لبنان وإسرائيل، يجد الرئيس جوزاف عون ورئيس الوزراء نواف سلام نفسيهما في موقفٍ حرج، يديران فيه شؤون البلاد في ظلّ وضعٍ حرجٍ للغاية. ففي آب، صوّت
مجلس الوزراء رمزياً على نزع سلاح الميليشيات غير الحكومية، وهي خطوة تجاهلها حزب الله إلى حدّ كبير، ولا يملك الجيش اللبناني سلطة تنفيذها دون إشعال فتيل الحرب الأهلية التي تعهّد الرئيس عون بتجنّبها".
وبحسب الموقع، "مع إشارة
الولايات المتحدة إلى أن عمليات الإنقاذ المالي مشروطة بنزع السلاح، باتت بيروت أمام خيارات محدودة، ولأن القدس وواشنطن تعتقدان أن حرب الأيام الاثني عشر قد أتاحت فرصة فريدة للقضاء على الجمهورية الإسلامية وشبكة "محور المقاومة" التابعة لها نهائياً، فإنهما تضغطان على الحكومة اللبنانية للقيام بالعمل القذر الذي يعجز سلاح الجو الإسرائيلي عن إنجازه جواً. في نهاية المطاف، يُعدّ العنف في لبنان مؤشراً على تزايد احتمالية نشوب حرب مباشرة ثانية بين إسرائيل وإيران. وتراهن إسرائيل على قدرتها على تفكيك شبكة إيران بالوكالة قبل أن تتمكن طهران من استعادة قوة حزب الله العسكرية التي كانت سائدة قبل أحداث 7 تشرين الأول. في المقابل، تراهن طهران على عكس ذلك، إذ ترى أن عرقلة نزع السلاح ستُمكّنها من كسب الوقت، وتعزيز قدرات حزب الله، وجر إسرائيل إلى مستنقع لبناني، مُستنزفةً الجيش الإسرائيلي لفترة كافية حتى تستعيد الجمهورية الإسلامية قوتها".
وتابع الموقع، "هذا المسار التصادمي محسومٌ من قبل قيادة حزب الله، حيث أكد الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم مؤخراً رفض الحزب نزع سلاحه، ويعكس هذا الموقف نظرة طهران اليائسة، حيث يرى الجنرالات الإيرانيون الذين نجوا من حملة حزيران، وخامنئي نفسه، الذي هددت إسرائيل صراحةً بـ"القضاء عليه"، أن الحفاظ على وكيل مسلح على الحدود هو الضمانة الأساسية ضد موجة ثانية من الهجمات. وبالتالي، تحول حزب الله من أصل استراتيجي إلى ما يسميه المسؤولون الإيرانيون الآن "الخبز والماء"، وهي ضرورة وجودية ربما تكون أكثر أهمية لبقاء الجمهورية الإسلامية من سلامة السكان الشيعة النازحين والمكروبين في لبنان".