ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم بما أوصانا به الله سبحانه وتعالى عندما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ? وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى? شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ? كَذَ?لِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.
أضاف :"أيها الأحبة: إننا أحوج ما نكون في ذكرى ولادة رسول الله (ص) الذي قد نختلف على تاريخ ولادته لكننا لا يمكن لنا أن نختلف أنه نبي المسلمين جميعا ومظهر سياسي لوحدتهم...
ونحن إذا كنا ندعو إلى الوحدة الإسلامية، فهذا لا يعني أن يتنكر كل لمذهبه وقناعته... بل لنؤكد من خلالها على مواقع اللقاء وأن نعمل معا للأهداف التي جاء لأجلها رسول الله (ص) والتي هي قيم العدل والحرية والاخاء الإنساني لنكون كما أرادنا الله {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ? وأول?ئك هم المفلحون} ونكون بذلك قادرين على مواجهة التحديات.
والبداية من لبنان، والذي يشهد تصعيدا إسرائيليا في الغارات التي استهدفت العديد من البلدات الجنوبية، وعمليات الاغتيال والمسيرات التجسسية التي لا تفارق سماء لبنان... فيما لا يزال العدو يستهدف أي مظهر من مظاهر الحياة وإعادة الإعمار في القرى المتاخمة للشريط الحدودي، وحتى خارجها.
وهنا نعيد مرة جديدة، دعوة الدولة اللبنانية إلى القيام بالدور المطلوب واتخاذ خطوات فاعلة تثبت للبنانيين عموما ولأهل الجنوب خصوصا بأنها تبذل الجهود المطلوبة منها لمنع العدوان ورده وأنها لن تألو جهدا لإيقاف هذا النزف المستمر وهي لن تكتفي في تأدية دورها ببيانات إدانة، إن حصل منها ذلك، لتعيد ثقة اللبنانيين بها".
وتابع :في هذا الوقت، نتطلع كما يتطلع اللبنانيون إلى ما ستفضي إليه الجلسة التي ستعقدها الحكومة اليوم وما ستسفر عنه في ضوء القرارات التي كانت قد اتخذتها، رغم الاعتراض الذي جرى من داخل الحكومة ومن خارجها. وهنا وللتوضيح أن من عارضوا القرار هم لم يعارضوا حصرية سلاح الدولة، التي لها الحق بأن تبسط سلطتها على كل الأراضي اللبنانية، بل أرادوا أن يحصل ذلك بعد ضمان إيقاف العدو لاعتداءاته وانسحاب هذا الكيان من الأراضي التي لا يزال يحتلها والتي تشير كل الوقائع أنه لن ينسحب منها، واستعادة الأسرى اللبنانيين الذين يقبعون في سجون الاحتلال وبعد التوافق على استراتيجية أمن وطني يحمي لبنان من عدو لا يخفي أطماعه التوسعية وحتى يتحقق ذلك لا يمكن للبنان أن يفرط بموقع من مواقع القوة لديه التي يخشاها العدو".
واستطرد فضل الله :"ونحن وفي كل ما سيجري في جلسة اليوم، ندعو الحكومة التي ستدرس الآلية التي سينفذ من خلالها الجيش قرارها الذي كانت قد اتخذته سابقا، أن تناقش بعمق ومسؤولية هذه القضية، وأن ينبع قرارها من الحرص على الوحدة داخل الحكومة ولا يؤدي إلى تعميق الانقسام داخلها وخارجها وما يتركه من تداعيات في الدولة، وأن لا يشكل تنفيذه إحراجا للجيش اللبناني لكونه سيجعله في مواجهة وصدام مع شريحة واسعة من اللبنانيين ممن لديهم القناعة في ضرورة تجميده في ظل بقاء العدو على احتلاله واعتداءاته، وهو صدام لا يريده المعترضون، لحرصهم على حفظ الجيش وصونه من كل ما يعرضه لأي انتكاسة، لوعيهم أن أي صدام داخلي يصب في مصلحة الكيان الصهيوني الذي يعمل جاهدا لتحقيق ذلك، ما يكرس احتلاله للأراضي التي هو فيها".
وأكمل :"إننا لا نريد أن نهون من حجم الضغوط التي تمارس على الحكومة اللبنانية والتي نشهدها بكل وضوح من خلال ما صدر عن المبعوث الأميركي أو التي جاءت أخيرا على لسان وزير حرب العدو الذي هدد لبنان أن يقوم الكيان الصهيوني بتنفيذ سحب سلاح المقاومة إن لم تقم الدولة به، ولكن هذا لا يدعو الحكومة اللبنانية إلى الرضوخ إلى الضغوط والانصياع لإرادة من يتعاملون مع لبنان، بأنه مهزوم وعليه أن يقبل بتداعيات هزيمته، بل إلى موقف لبناني موحد يأخذ في الاعتبار ما يؤمن حفظ البلد وسيادته على الأرض، ويحول دون بقائه في دائرة الأخطار المحدقة به ونحن نأمل بأن الحكم والحكومة سيجدان المخارج الحكيمة التي تؤمن حصول ذلك".
وأعاد السيد فضل الله، التأكيد في هذا المجال "على ضرورة تعميق الوحدة بين اللبنانيين وعلى صعيد ساحتنا الداخلية والعمل لإزالة كل أسباب التوتر والفتنة داخلها"، داعيا إلى "الالتزام بالضوابط الوطنية والأخلاقية في ما نطلقه من خطاب سياسي بالابتعاد عن كل خطاب يسهم في إثارة النعرات الطائفية والمذهبية، والذي يولد التوترات ويعمق الهواجس التي يراد لها أن تغرق هذا البلد في الفوضى، ليسهل على الذي يريد إقامة الحواجز بين اللبنانيين أن يحقق أهدافه. ولذلك نقول كل من لديه كلمة طيبة فليقلها وكل من لديه كلمة توتر العلاقة بين اللبنانيين ليكف عنها وكما قال رسول الله (ص) "قل خيرا أو اصمت".
وتطرق السيد فضل الله، الى الوضع في غزة "التي لا يكف العدو عن إستمرار حرب الإبادة عليها والاستعداد للأسوأ باقتحامها وهو يعد العدة لذلك وهو في ذلك لا يبالي بكل الأصوات التي تدينه، ما دام يحظى بالتغطية الدولية الكافية التي تجعله في منأى عن عن أي محاكمة، فيما المخاطر تقترب من الضفة الغربية والقدس التي يراد إلحاقها بهذا الكيان... ولذلك فاننا ندعو مجددا الدول العربية والإسلامية وكل شعوبنا إلى الضغط بكل الوسائل لمنع العدو من تحقيق ما يصبو إليه، للحؤول دون تحقيق مآربه على صعيد القضية الفلسطينية والمس بأمن المنطقة وسلامة شعوبها ومكوناتها".