لا تزال كلّ الأنظار مشدودة إلى جلسة مجلس الوزراء المقرّرة يوم الجمعة المقبل، والتي يفترض أن تناقش خطة الجيش بشأن "حصرية السلاح بيد الدولة"، في وقتٍ كان لافتًا ارتفاع وتيرة الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار، من غارات جوية ومسيّرات وعمليات توغّل في أكثر من مكان، وسط ترقّب أيضًا لزيارات جديدة للموفدين الدوليين إلى بيروت نهاية الأسبوع، وفق ما تشير التقارير الصحافية.
وبانتظار جلسة الجمعة، المصنّفة "حسّاسة" من جانب الأوساط السياسية المتابعة، لا يزال السؤال المركزي يتمحور حول احتمالات مشاركة "
الثنائي الشيعي" في الجلسة، علمًا أنّ إدراج بنود إضافية على جدول الأعمال، إلى جانب نقاش خطة "حصرية السلاح"، فُسّر على أنه محاولة لتأمين مشاركة وزراء "الثنائي" وتخفيف التوتر، وقد جاء وفقًا لبعض التقارير نتيجة لاتصالات سياسية على أعلى المستويات لتأمين الغطاء والمشاركة.
وجاء بيان كتلة "الوفاء للمقاومة" عشيّة جلسة الجمعة الحكومية ليزيد التعقيدات، إذ دعت الحكومة إلى مغادرة "مساحة الإرباك والعجز" التي تراوح فيها، مطالبةً إياها بـ"ترميم ما صدّعته" من وحدة وطنية نتيجة "تورّطها" في قرار سحب السلاح، والامتناع عن الخطط المزمع تمريرها في هذا السياق. فأيّ رسالة يوجّه "
حزب الله " للمعنيين في الحكومة من خلال هذا الطرح، وما هي الخيارات العملية لدى هذا الفريق في التعامل مع الجلسة المنتظرة؟
مشاركة مشروطة أم مقاطعة محسوبة؟
يتكئ "الثنائي" على واقع الميدان في مقاربته لجلسة الجمعة، وفق ما يشير الكثير من المحسوبين عليه، ممّن يستهجنون الضغط الداخلي لتمرير خطة "سحب السلاح" على وقع الخروقات الإسرائيلية المتواصلة لاتفاق وقف إطلاق النار، والتي أسفرت في الساعات الأخيرة فقط عن سقوط عدد من
الشهداء ، ولو بقيت بلا "إدانات". ويرى "الثنائي" أن أي نقاش في "حصرية السلاح" يتجاهل هذه الوقائع، يفتقر إلى التوازن الشكلي والموضوعي معًا.
لكن، في ميزان الخيارات، يبدو أنّ "الثنائي" لم يحسم أمره بالكامل بعد، ربما بانتظار ربع الساعة الأخير، في وقت تبدو المشاركة المشروطة حتى الآن السيناريو الأقرب، بمعنى أن يحضر الوزراء مع الدفع باتجاه توسيع
النقاش ، وربطه بسلة أوسع تشمل تثبيت وقف إطلاق النار وتوثيق الخروقات وآليات الردع والشكوى، وبالتالي التراجع عن قرارات جلستي الخامس والسابع من آب، أو بالحدّ الأدنى "تجميدها"، بانتظار خطوات إسرائيلية ملموسة.
على الضفة الأخرى، تظلّ المقاطعة خيارًا مطروحًا بالنسبة إلى "الثنائي" إذا بدا أن الجلسة مصمّمة لانتزاع "توقيع سياسي" على الخطة من دون مقايضات متوازنة، أو إذا انعقدت بروحية "اختبار نيات" أكثر من كونها إطارًا تفاوضيًا، خصوصًا في ضوء بعض المواقف "المتشدّدة" من بعض مكوّنات الحكومة. لكن إدراج بنود إضافية على جدول الأعمال يمنح الثنائي سلّم نزولٍ سياسيًا: المشاركة في الجلسة، والانسحاب عند الضرورة، كما حصل سابقًا.
"الميثاقية" كصمام أمان
وبين خياري المشاركة المشروطة والمقاطعة المحسوبة، يحضر مبدأ "الميثاقية" بقوة في النقاشات السياسية السابقة للجلسة، بوصفه من أدوات الضغط المضادة التي يستخدمها "الثنائي"، ولو أنه يصطدم بوقائع جلسة السابع من آب، حين أقرّت الحكومة أهداف الورقة الأميركي بغياب الوزراء الشيعة. مع ذلك، يعتبر "الثنائي" أن انعقاد جلسة تُعدّ ذات طابع تأسيسي (لجهة تنظيم علاقة الدولة بالسلاح) من دون حضور مكوّنات أساسية، يعرّضها للطعن السياسي وإن كانت دستوريًا صحيحة.
ويراهن "الثنائي" وفقًا لبعض التقارير، على موقف رئيس الجمهورية جوزاف عون الذي لا يرغب في تكريس الانقسام الذي من شأنه تفجير الحكومة، خصوصًا في ضوء المساعي التي بذلها من أجل خفض التوتر، على قاعدة "ربح الوقت" وإشراك الجميع في مآلات الخطة، علمًا أنّ رئيس الحكومة نواف سلامه نفسه يبدو متجاوبًا مع هذه المساعي، وهو الذي أبدى رغبته بأن تخرج القرارات المرتقبة من حكومته "بالإجماع"، وليس بالتصويت.
مع ذلك، يبقى من الصعب التكهّن بسيناريو جلسة الجمعة، في ظلّ انقسام عمودي بين فريقين، أحدهما يريد التصويت على الخطة، مهما كان الثمن، فيما الآن يذهب بعيدًا لحدّ المطالبة بالتراجع عن القرارات السابقة، وهو ما يعقّد أيّ تسوية يُعمَل عليها من خلف الكواليس، علمًا أنّ هناك من يدفع باتجاه الاكتفاء بأخذ
العلم بالخطة من دون إقرارها، أو بالتصويت عليها بلا جدول زمني، خصوصًا أنّ التنفيذ قد يكون مستعصيًا بلا ترتيبات سياسية لم تنجَز بعد.
في المحصّلة، تبدو جلسة الجمعة اختبارًا مزدوجًا، لمدى قدرة الحكومة على فرض خطة "حصرية السلاح" في لحظة ميدانية شديدة الهشاشة، وكذلك لمدى استعداد "الثنائي الشيعي" للمضي في خيار المشاركة أو المقاطعة وفق حسابات الميدان والميثاقية معًا. وفي وقت يبدو أنّ "الثنائي" يترك الباب مفتوحًا أمام كل الاحتمالات حتى اللحظة الأخيرة، يبقى الثابت أنّ الجلسة لن تُنهي النقاش حول السلاح ولا الصراع على شرعيته، بل ستكرّس المسار كعنوان دائم للانقسام الداخلي، في انتظار ظروف إقليمية ودولية أكثر نضجًا..