إذا أراد أي محلّل أو مراقب سياسي أن يختصر نتيجة الزيارات الثلاث للموفد الأميركي الرئاسي توم برّاك للبنان لا يسعه القول سوى أمر واحد، وهو أن ما ينتظر
لبنان قد يكون عودًا على بدء، أي إعادته إلى ما قبل 27 تشرين الثاني من العام الماضي. وهذا يعني أن المهلة الزمنية الأميركية المعطاة للبنان، والممثّل حتى إشعار آخر، شئنا أم أبينا، بـ "ترويكا رئاسية"، لن تكون طويلة الأمد، خصوصًا أن ثمة أحاديث بدأت دور في الكواليس عن "أيلول ساخن" بكل ما في هذه السخونة من تذكير بما يمكن أن تعنيه كلمة "ساخن" في القاموس الأميركي.
فهذه "الترويكا الرئاسية" تختصر بشخص كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة كل المؤسسات الدستورية، التشريعي منها والتنفيذي، فيغيّب دور كل من مجلس النواب ومجلس الوزراء مجتمعين. فالأول يمثّل مصدر السلطات كلها، أي الشعب، فيما أناط
اتفاق الطائف بالثاني كل الصلاحيات الإجرائية، من دون أن يعني هذا الكلام تغيّب دور رئيس الجمهورية، الذي خصّه
الدستور بصلاحية التفاوض باسم
الجمهورية اللبنانية في كل أمر له طابع دولي، ويعود بالتالي لمنفعة هذه الجمهورية.
فلبنان الرسمي أمام مرحلة مصيرية جدّية هذه المرّة، خصوصًا أن ما أدلى به برّاك خلال زيارته الثالثة لبيروت تؤشّر إلى مرحلة جديدة من التعامل الأميركي مع الملف اللبناني. فما قاله الرجل خارج اللقاءات المغلقة قد يكون نقطة في بحر ما قاله ففي داخلها، وبالأخص في لقاءاته مع أركان "الترويكا". فهو لم يأتِ إلى لبنان حاملًا كيسًا من الجزر، بل على ما يبدو أكياسًا من العصي. والذي "سيأكل" هذه العصي لن يكون بالتأكيد كمن يعدّها. حمل معه شروطًا أميركية غير قابلة لكثير من "القيل والقال"،والتطبيق العملي يكون بالالتزام بجدولة زمنية غير مفتوحة لسحب سلاح "
حزب الله " من التداول في كافة الأراضي
اللبنانية . هذا هو الشرط الأميركي الأول والأخير. وإذا لم يلتزم لبنان بما جاء في خطاب القسم أو في البيان الوزاري فإن لكل حادث حديثا آخر قد لا يشبه الأحاديث الأخرى.
وما قاله برّاك أمس الأحد عن أنه ما دام "حزب الله" يحتفظ بسلاحه فإن الكلام لن ينفع ولن يكفي، في إشارة منه إلى ما ورد في الأوراق اللبنانية، يختصر كل الكلام الذي تشدّق به حتى الآن. وإذا أجيز له فإنه سيقول غدًا للمسؤولين اللبنانيين "هيك مش ماشي الحال"، وبمعنى آخر أكثر صلافة أنه إذا لم تبادر السلطة اللبنانية إلى تسّلم هذا السلاح فإن ثمة من ينتظر للقيام بهذه "المهمة" نيابة عنهم. وهذه "المهمة" لن تكون في نظر
الأميركيين على طريقة "الترويكا الرئاسية" في لبنان، بل ربما على طريقة "الكاوبوي".
فقائمة الشروط التي وضعها برّاك على الطاولة اللبنانية تبدو أنها غير قابلة للنقاش تحت عناوين واضحة الغايات بما يعُرف بسياسة "الجزرة والعصى". فإذا التزم لبنان بما يُطَالب به فإن أموال
الخليج العربي ستتدفق عليه بالمليارات. أما إذا تقاعس عن القيام بمهمة تسّلم سلاح "حزب الله" فإنه سيكون مسؤولًا عمّا يمكن أن يستجدّ من تطورات غير مستحبّة. وهذا هو المقصود عندما يتمّ التطرّق إلى موضوع "أيلول الساخن".