آخر الأخبار

إيران بين خطاب هادئ.. وتهديد بآلية العقوبات الدولية

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

بزشكيان: لم ولن نسعى أبدا لصنع قنبلة نووية

تتصدر طهران مجددا واجهة التوترات الدولية مع اقتراب مهلة أوروبية حاسمة قد تعيد فرض عقوبات الأمم المتحدة المعلّقة بموجب الاتفاق النووي لعام 2015.

ففي الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، قدّم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خطابا اتسم بالهدوء والابتعاد عن المواجهة الكلامية التقليدية، مؤكدًا أن بلاده لا تسعى إلى امتلاك سلاح نووي، ومعلنًا في الوقت ذاته أن إيران "لن تستسلم" أمام العقوبات والضغوط.

من المنبر ذاته، أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحذيرًا واضحًا، واضعًا إيران أمام "ساعات حاسمة" لاختيار أحد مسارين: الالتزام بخيار السلام أو مواجهة العودة إلى العقوبات الدولية.

وبين خطابين متباينين في الشكل والمضمون، يظلّ مستقبل الملف النووي الإيراني مفتوحًا على احتمالات شديدة الحساسية، سواء على مستوى الداخل الإيراني أو على مستوى العلاقات الدولية.

خطاب إيراني هادئ.. وغياب الاستفزازات المباشرة

رغم أن التوقعات كانت تشير إلى إمكانية تصعيد الخطاب الإيراني على منصة الأمم المتحدة، خاصة مع تصاعد الضغوط الاقتصادية والسياسية، جاء خطاب الرئيس بزشكيان هادئًا على نحو لافت.

اعتبر الباحث في العلاقات الدولية طارق وهبي، خلال مداخلة مع "سكاي نيوز عربية"، أن الرئيس الإيراني تجنّب بشكل كامل ذكر الولايات المتحدة أو إسرائيل، في خطوة تعكس محاولة لتقديم صورة أكثر براغماتية أمام المجتمع الدولي.

لكن هذا الخطاب لم يخلُ من إشارات مضادة، إذ شدد بزشكيان على أن بلاده "لن تستسلم" أمام العقوبات والهجمات، مؤكدًا أن إيران ستظل متمسكة بمواقفها في ملفات إقليمية حساسة مثل غزة وحزب الله، وهو ما يوحي بأن الهدوء الظاهري يخفي تمسكًا استراتيجيًا بثوابت السياسة الإيرانية الخارجية.

التناقض بين الرئاسة ومحيط المرشد

أبرز ما كشفه وهبي هو الفجوة الواضحة بين خطاب الرئاسة الإيرانية والخطاب الصادر عن محيط المرشد علي خامنئي. الصحف المحسوبة على هذا التيار، حسب تعبيره، تعكس مواقف متشددة مختلفة جذريًا عن الخطاب الذي تبناه بزشكيان في الأمم المتحدة.

هذا التناقض يعكس إشكالية عميقة في الداخل الإيراني: الرئيس يحاول الإيحاء بأن ثمة تيارًا داخل النظام يسعى للحوار مع الغرب ويستحق الدعم الدولي، في حين يتمسك مركز القرار الحقيقي بخطاب مقاوم قائم على المواجهة والتمدد الإقليمي.

هنا يبرز سؤال محوري: إلى أي مدى يمتلك الرئيس الإيراني القدرة الفعلية على تغيير مسار السياسة الإيرانية، أم أنه مجرد واجهة لامتصاص الضغوط الدولية؟.

التهديد الفرنسي وآلية "الزناد"

في المقابل، جاء خطاب ماكرون أكثر حدة ووضوحًا. الرئيس الفرنسي اعتبر أن الساعات المقبلة حاسمة، مشيرًا إلى أن طهران أمام خيارين: الالتزام بمسار السلام أو مواجهة العقوبات.

لكن هذه العقوبات لا تعود إلى رغبة فرنسية منفردة، بل ترتبط بآلية قانونية واضحة ضمن اتفاق 2015، والمعروفة بآلية "سناب باك" أو "الزناد"، التي تتيح إعادة فرض العقوبات الدولية في حال تخلّفت إيران عن التزاماتها النووية.

وهنا يشير وهبي إلى أن فرنسا أو غيرها من الدول الأوروبية لا يمكنها تغيير هذه الآلية، إذ إن تطبيقها يرتبط أساسًا بتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

عقدة اليورانيوم المخصّب

القضية الأكثر إلحاحًا في هذا السياق هي مسألة الشفافية. الرئيس الإيراني يؤكد أن بلاده لا تسعى لإنتاج قنبلة نووية، لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية وثّقت وجود 408 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بدرجات تتجاوز المسموح به في الاتفاق النووي. السؤال المطروح اليوم: أين ذهب هذا المخزون؟ وأين تخفيه إيران؟.

هذه الشكوك تمثل العقبة الكبرى أمام أي محاولة لإعادة بناء الثقة. فأوروبا، بخلاف الولايات المتحدة، لا تزال تقبل من حيث المبدأ استمرار البرنامج النووي الإيراني لأغراض مدنية في مجالات الصحة والطاقة، شرط ألا يتجاوز التخصيب نسبة 4%. لكن غياب الشفافية وتراكم الشبهات يضع الموقف الأوروبي في مأزق حقيقي، ويعزز منطق العودة إلى العقوبات.

لعبة الوقت الإيرانية

يرى وهبي أن طهران تمارس لعبة كسب الوقت. فهي تحاور الأوروبيين بهدف تأجيل أو منع تفعيل آلية "الزناد"، بينما تراهن في الوقت ذاته على إمكانية فتح قنوات جديدة للتفاوض مع واشنطن أو غيرها من الأطراف الدولية.

لكن هذا النهج يظل محفوفًا بالمخاطر، إذ يوشك صبر الأوروبيين على النفاد، خاصة بعد فشل جولات سابقة من المفاوضات. وفي حال لم تُفتح أبواب الرقابة الدولية بشكل كامل على الأنشطة النووية الإيرانية، فإن عودة العقوبات ستصبح خيارًا شبه حتمي مع نهاية الشهر الجاري.

الأثر الداخلي للعقوبات

رغم أن إيران اعتادت التعامل مع العقوبات وأصبحت تملك "جلدًا سميكًا" كما يصف وهبي، إلا أن التداعيات الداخلية لا يمكن تجاهلها. العقوبات الدولية تضرب في العمق الاقتصاد الإيراني، وتؤدي إلى تآكل العملة الوطنية وانكماش الأنشطة الاقتصادية، ما ينعكس على حياة المواطن الإيراني العادي.

هذه الضغوط الاقتصادية قد تعزز التيار المتشدد الذي يرفض أي تنازل، لكنها في الوقت ذاته تضعف قدرة النظام على الاستمرار في سياسات التمدد الإقليمي. فالمعادلة تصبح أكثر تعقيدًا حين يقترن الانهيار الاقتصادي بالتصعيد السياسي الخارجي.

البعد الإقليمي والدولي

ماكرون يدرك أن أزمة إيران ليست ملفًا منفصلًا عن القضايا الإقليمية الأوسع. حضور وزير الخارجية المصري ورئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية اجتماع القاهرة الأخير يؤكد أن المنطقة كلها معنية بمصير البرنامج النووي الإيراني.

في هذا السياق، يظلّ الموقف الأوروبي أقرب إلى التوازن مقارنة بالنهج الأميركي الأكثر تشددًا. فأوروبا، رغم تهديدها بالعقوبات، لا تزال منفتحة على احتمال استمرار البرنامج النووي الإيراني ضمن الاستخدامات المدنية.

لكن استمرار إيران في دعم حركات مسلحة في المنطقة، مثل حزب الله، يضعف أي حجج يمكن أن تدافع بها طهران عن سلمية مشروعها النووي.

الساعات المقبلة قد تحدد ما إذا كانت إيران ستختار طريق التهدئة والشفافية، أو أنها ستتمسك بخيار التصعيد والمواجهة. خطاب بزشكيان الهادئ لم يبدد المخاوف، وخطاب ماكرون الحازم كشف أن أوروبا لم تعد مستعدة لمنح المزيد من الوقت بلا مقابل.

المعادلة واضحة: إما تعاون يفتح الباب أمام مفاوضات جديدة ويعيد إنعاش الاتفاق النووي، أو عقوبات تعمّق عزلة إيران وتفاقم أزماتها الاقتصادية. وبين هذين الخيارين، تبدو طهران عالقة بين خطابٍ يسعى للحوار ومؤسسةٍ تصرّ على المواجهة.

والنتيجة أن المجتمع الدولي يقف اليوم أمام اختبار جديد لإرادته، فيما يقف الإيرانيون أمام اختبار أشد قسوة يتعلق بمستقبل دولتهم واقتصادهم وموقعهم في النظام الدولي.

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا