تواصلت عمليات البحث والإنقاذ في ولاية تكساس الأمريكية بعد الفيضانات العنيفة التي اجتاحت أجزاء من الولاية خلال عطلة الرابع من يوليو/ تموز، وأسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 109 قتلى، فيما لا يزال 161 شخصاً في عداد المفقودين، معظمهم في مقاطعة كير، التي كانت من بين المناطق الأكثر تضرراً.
وقال حاكم الولاية غريغ أبوت في مؤتمر صحفي عقده مساء الثلاثاء، إن "الآمال تتضاءل بالعثور على ناجين".
لكنه أضاف أن السلطات "لن تتوقف عن البحث حتى يُعثر على كل شخص مفقود". وقال إن "بين المفقودين خمسة من الأطفال المشاركين في مخيم صيفي ومرشدة واحدة وطفل آخر لا علاقة له بالمخيم".
ومن أكثر المواقع التي شهدت خسائر بشرية، مخيّم "كامب ميستيك" الصيفي للفتيات، الواقع على ضفاف نهر "غوادالوبي" في مقاطعة كير.
واجتاحت الفيضانات المفاجئة مخيم "كامب ميستيك" ليل الخميس 4 يوليو/تموز، بالتزامن مع عطلة يوم الاستقلال في الولايات المتحدة.
وبدأت الأمطار الغزيرة في وقت متأخر من يوم الخميس، وارتفع منسوب نهر غوادالوبي بشكل حاد خلال ساعات الليل، مما أدى إلى اجتياح المخيم حوالي منتصف الليل وحتى الساعات الأولى من فجر الجمعة بينما كان أكثر من 750 شخصاً من الأطفال والمشرفين نائمين، وأدى ذلك إلى وفاة 27 شخصاً من المشاركين والمرشدين.
وفيما جرفت السيول بعض المباني بالكامل، حاول المشرفون استخدام قوارب "الكاياك"- وهي مركبة مائية تشبه الزورق- لإنقاذ الأطفال، إلا أن سرعة جريان المياه وارتفاع منسوبها خلال دقائق جعل مهمة فرق الإنقاذ أشد صعوبة.
وشملت عمليات الإنقاذ أكثر من 250 عنصراً من فرق الإطفاء والشرطة والحرس الوطني، إضافة إلى 13 مروحية من طراز "بلاك هوك"، وطائرات بدون طيار من نوع "ريبر"، ووحدات إنقاذ من ولايات مجاورة. وقد أُعلن أن أكثر من 500 شخص جرى إنقاذهم حتى الآن، من بينهم عشرات الأطفال الذين أُجلوا جوّاً من المخيم.
وأكّد الجنرال توماس سويلزر، المسؤول في الحرس الوطني، أن هناك تنسيقاً عالي المستوى بين الولاية والوكالات الفيدرالية، مشيراً إلى إرسال 4 مروحيات إضافية من أركنساس لتعزيز عمليات البحث. كما انضم فريق إنقاذ مكسيكي إلى العمليات الجارية في مقاطعة كير، حيث أشادت وزارة الخارجية الأمريكية بدوره في العثور على أحد المفقودين.
في خضّم عمليات الإنقاذ، اضطرت إحدى مروحيات "بلاك هوك" إلى الهبوط اضطرارياً بعد اصطدامها بطائرة مسيّرة تابعة لهواة تصوير، مما أدى إلى إغلاق المجال الجوي مؤقتاً فوق منطقة العمليات. وقد وجّهت السلطات تحذيرات صارمة للمدنيين بعدم استخدام الطائرات بدون طيار في المناطق المنكوبة، منعاً لتكرار الحوادث التي تعيق جهود البحث والإنقاذ.
وأوضح مدير السلامة العامة في الولاية فريمان مارتن أن عدد المفقودين انخفض من عدة مئات إلى 161 بفضل تقدم عمليات الإحصاء، لكنه أضاف أن "هناك الكثير من العمل الذي ما زال أمامنا". مشيراً إلى أن "آخر عملية إنقاذ حية سُجّلت يوم الجمعة، أما الآن فالأولوية لانتشال الجثث وتحديد الهويات".
ضربت الفيضانات ولاية تكساس بعد هطول أمطار غزيرة تجاوزت 500 ملم خلال أربعة أيام، مما أدى إلى ارتفاع مفاجئ في منسوب نهر "غوادالوبي" بمقدار يتجاوز 8 أمتار خلال أقل من ساعة.
وتعدّ هذه الفيضانات واحدة من أسوأ الفيضانات المفاجئة التي تشهدها الولاية منذ عقود.
وبينما تتزايد الانتقادات لأداء هيئة الأرصاد الجوية الأمريكية، بسبب التأخر في إصدار التحذيرات، يُحمّل البعض ظاهرة التغيّر المناخي مسؤولية تفاقم شدة الفيضانات.
وتحدّث خبراء عن أن بقايا العاصفة "باري" حملت كميات هائلة من الرطوبة من خليج المكسيك، وهو ما أسهم في تسريع تشكُّل العواصف الرعدية.
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حالة طوارئ في تكساس، ما أتاح تدّخل وكالة الطوارئ الفيدرالية وتقديم مساعدات عاجلة تشمل الغذاء والمياه والمأوى للمتضررين. كما أُقيمت مراكز إيواء مؤقتة في عدة مناطق لإيواء الناجين.
وقال المتحدث باسم مجلس نواب الولاية إن "ما يثير الإعجاب هو تكاتف أبناء تكساس"، مشيراً إلى أن سكان المقاطعات المتضررة قدموا المساعدة لبعضهم البعض بوسائلهم الخاصة. ومن المنتظر أن تعقد جلسة طارئة للبرلمان المحلي لمراجعة آليات الإنذار المبكر، بعد الانتقادات الواسعة التي طالت النظام الحالي.
في مدينة كيرفيل، حيث سُجّلت أعلى حصيلة للوفيات، انتشرت لوحات تحمل صور المفقودين، بينما امتلأت جدران الكنائس والمدارس برسائل دعم.
هذا وفقدت إحدى المدارس الثانوية تسعة من طلابها. ونُكّست الأعلام فوق المباني العامة، فيما أقيمت الصلوات تضامناً مع الضحايا.
وقال مسؤول في قسم الطب الشرعي لبي بي سي: إن "فرق التدّخل تعمل تحت ضغط نفسي هائل". مضيفاً أن "بعض الجثث التي عُثر عليها كانت لأطفال لا يتجاوزون السابعة من العمر".
ورغم انخفاض منسوب المياه تدريجياً، حذّرت هيئة الأرصاد من إمكانية عودة الأمطار الرعدية خلال اليومين المقبلين، مما قد يتسبب في موجة فيضانات ثانوية، خصوصاً في المناطق التي لم تجفّ بعد. ودعت السلطات السكان لتوخي الحذر وعدم العودة إلى المناطق المتضررة قبل التأكد من زوال الخطر.
وأكدت السلطات المحلية أنها ستستمر في البحث حتى العثور على آخر مفقود، مشدّدة على أن الأولوية الآن هي توفير الرعاية للناجين وتأمين احتياجاتهم، بالتوازي مع التحضير لمواجهة أي طارئ جديد.