شفق نيوز- ترجمة خاصة
ذكر معهد " المجلس الأطلسي " الامريكي، يوم الاربعاء، أن الاستقالات الجماعية لقضاة المحكمة الاتحادية العراقية مؤخراً، كشفت عن أزمة عميقة تهدد استقلاليتها وشرعيتها، وسط ضغوط سياسية وغموض دستوري، يقوض دورها القانوني، كما اعتبر أن تأسيس المحكمة أصلاً تم من خلال "الالتفاف على الدستور"، مما زاد هشاشتها أمام التدخلات السياسية.
وأشار المعهد الأمريكي في تقرير تحت عنوان "تفكيك فوضى المحكمة الاتحادية العليا في العراق"، وترجمته وكالة شفق نيوز، الى "الازمة التي اندلعت في الشهر الماضي بعد استقالة 6 من القضاة الرئيسيين و3 من قضاة الاحتياط، مما جعل المحكمة الاتحادية العليا غير قادرة على العمل فعليا"، مشيرا إلى أنه "برغم أن أسباب الاستقالات غير واضحة الا انه لفت الى تقارير تحدثت عن ارتباطها بالاحتجاج على قيادة القاضي جاسم العميري، بينما تكهن آخرون بأن ضغوطا سياسية من جانب السلطة التنفيذية بشأن حكم محتمل يتعلق باتفاقية خور عبدالله مع الكويت، ربما كان لها دور في هذه الاستقالات".
واعتبر التقرير أنه "رغم عودة القضاة عن استقالاتهم في الايام الماضية، واحالة القاضي العميري الى التقاعد لاسباب صحية، وتولي القاضي منذر ابراهيم حسين رئاسة المحكمة، الا انه بغض النظر عن أسباب الاستقالات الجماعية الاولى، فان الغموض المستمر حول المحكمة، يمثل مصدر قلق جدي"، لافتا الى ان "ذلك يخلق انطباعا بان المحكمة ليست سوى مؤسسة اخرى يمكن التأثير عليها سياسيا، وهو ما من شأنه تقويض الغرض الأساسي من انشائها وهي ان تكون حكما محايدا ومحورا للنظام الدستوري والسياسي، لا ان تكون طرفا فيه".
واوضح ان "المحكمة منذ اعادة تشكيلها في العام 2021، واجهت انتقادات من مختلف الأطياف السياسية وأدت دورا نشطا ومثيرا للجدل في تشكيل المشهد السياسي في العراق"، مشيرا الى ان "من بين الأحكام الرئيسية التي اصدرتها هو التصديق على نتائج انتخابات 2021 المثيرة للجدل، واستبعاد مرشحين للرئاسة في العام 2022، وفرض نصاب الثلثين في البرلمان لانتخاب الرئيس، وإصدار قرار يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز في اقليم كوردستان، وذلك بالاضافة الى تدخلاتها في قضايا مثل مخصصات الموازنة لاقليم كوردستان، وفرض ازاحة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي".
وبحسب التقرير، فإن "قرار المحكمة في ايلول/ سبتمبر العام 2023 بابطال المصادقة من جانب البرلمان على معاهدة العراق والكويت بشأن خور عبد الله، اثار ازمة دبلوماسية، في وقت كانت الحكومة العراقية تحاول تحسين علاقاتها مع جيرانها في الخليج"، مؤكدا انه "من خلال النظام الذي نشأ بعد حرب العراق، فإن المحكمة العليا اعتبرت بمثابة الضابط الدستوري الوحيد على السلطة التنفيذية لأن الحكومات المتتالية تشكلت من خلال تحالفات برلمانية واسعة، وكانت في الغالب متوافقة مع السلطة التشريعية، مما ترك قيودا مؤسساتية محدودة على السلطة التنفيذية".
ونوه الى ان "هذا الضبط يعتبر شديد الاهمية عندما يكون هناك نظام سياسي يفتقر غالبا الى الالتزام بالمعايير الدستورية والديمقراطية"، مشيرا إلى أن "النهج الواسع للمحكمة في تفسير صلاحياتها، جعلها تقع في مواجهة مع المحاكم العادية، التي تتبع مجلس القضاء الأعلى اداريا".
وتابع التقرير: "بما ان قرارات المحكمة العليا نهائية وليست قابلة للطعن، فإنها تحدد نطاق اختصاصها بنفسها من دون رقابة خارجية، وهوما يطرح مخاوف من تجاوز محتمل للصلاحيات، بينما تعرضت لانتقادات لتدخلها في قضايا سياسية، و لعدم امتلاكها الشرعية الدستورية بسبب ما ينظر إليه كمواقف منحازة سياسيا"، مضيفا ان "المشكلات المتعلقة بالمحكمة مرتبطة ايضا بالظروف التي أُنشئت فيها".
واكد انه "تم تأسيس اول محكمة عليا في العام 2005 بموجب قانون صدر عن الحكومة الانتقالية آنذاك، وذلك قبل دخول الدستور العراقي حيز التنفيذ في وقت لاحق من نفس العام، حيث حدد الدستور، في مواده 92 الى 94، الاطار القانوني لانشاء محكمة دستورية، بما في ذلك شرط تمرير قانون تأسيسها باغلبية الثلثين في البرلمان، اذ ان الهدف من هذا الشرط كان محاولة ضمان ان تحظى المحكمة بشرعية سياسية كبيرة، وان تكون محصنة من تدخلات مستقبلية قد تحدث من خلال اغلبية برلمانية بسيطة، الا انه بعد مرور عقدين، لم يتم تنفيذ تلك الاحكام الدستورية".
ولفت الى انه "بدلا من ذلك، وفي العام 2021، قبل اشهر من الانتخابات البرلمانية في نفس العام، جرى تعديل قانون العام 2005 بتوافق سياسي واسع، بما في ذلك من قبل اطراف اصبحت لاحقا من اشد منتقدي المحكمة"، معتبرا ان "هذه الخطوة تمثل تجاوزا للمتطلبات الدستورية لانشاء المحكمة العليا، وهذا الالتفاف التشريعي هو بمثابة تقويض محتملا لشرعية المحكمة، لانه تجاهل نصا دستوريا صريحا".
وشدد التقرير على ان "الازمة الحالية تظهر الحاجة الملحة لوجود محكمة دستورية مستقلة وكفوءة في العراق، وتكون قادرة على الصمود امام الضغوط السياسية وتتمتع بثقة واسعة على المستوى العام، وهذا يستدعي في الحد الادنى، انشاء محكمة تستوفي الشروط الدستورية لتشكيلها، مما يعزل عملية ترشيح القضاة عن المساومات السياسية، ويحدد بوضوح اختصاص المحكمة وفلسفتها التفسيرية".
ووفقا للتقرير، فإن "معالجة هذا الوضع تتطلب مؤتمرا دستوريا يشرك أطرافا من خارج الميدان السياسي، بما في ذلك المحامون والقضاة والاكاديميون والجمهور العام، للتوصل الى توافق حول دور المحكمة العليا وصلاحياتها"، مؤكدا انه |يتحتم على القوى السياسية الفاعلة ان تفسح في المجال امام المحكمة لكي تبت في القضايا باستقلالية ومن دون تدخل، وعلى المحكمة نفسها ان تتحلى بضبط النفس عند الخوض في المسائل السياسية".
وخلص التقرير الامريكي الى ان "تفسير الدستور مهمة متخصصة ومتعددة، وتتخطى التدريب القانوني التقليدي، بحيث انه يتحتم ان يكون القضاة قادرين على توضيح مناهجهم التفسيرية وتطبيقها بشكل ملائم"، مضيفا انها "مسألة بالغة الاهمية في وقت يقف فيه العراق عند مفترق طرق، ويواجه اسئلة جوهرية تتعلق بتقاسم الايرادات، والموارد الطبيعية، واللامركزية، والفيدرالية، والحقوق المدنية، والاتفاقيات الدولية، كما ان العراق يستحق ان يتمتع بوجود محكمة مؤهلة ومخولة للبت في هذه القضايا في اطار من الالتزام الدستوري والشرعية المؤسسية".