آخر الأخبار

الكون يمتلك 11 بُعدا.. إليك قصة نظرية الأوتار ببساطة

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

منذ طفولتنا نتعلم أن العالم من حولنا ثلاثي الأبعاد: نرى الطول والعرض والارتفاع، ونعيش داخل هذه الإحداثيات كما لو كانت كل شيء.

وأنت تذهب للأمام أو تتراجع إلى الخلف، وتميل نحو اليمين أو اليسار، وتقفز إلى الأعلى، أو تمزج هذه الاتجاهات كما تشاء، ومع ذلك تظل محصورا داخل هذا الإطار الصارم.

فلا يوجد طريق رابع يمكنك أن تسلكه، ولا زاوية خفية يمكنك أن تنعطف إليها، ولا يمكن لك أن تتصور وجود ما يقع خارجها، أين يمكن أن يظهر مثلا؟ هل سينبثق من الفراغ في غرفتك؟

ولكن مع تطور الفيزياء الحديثة، بدأ العلماء يكتشفون أن هذه الصورة قد تكون قشرة فقط، وأن خلفها تختبئ طبقات من الواقع لا يمكن للعين أن تراها.

فالعالم الذي نعيش فيه، كما يراه العلماء اليوم، لا يقتصر على هذه الأبعاد الثلاثة التي نراها، بل قد يختبئ خلفها عدد أكبر من الأبعاد تصل إلى 10 أبعاد، أو حتى 11 بعدا في بعض النماذج، وهي أبعاد لا نستطيع رؤيتها أو لمسها، لكنها موجودة تمامًا مثل الطول والعرض والارتفاع، فهل يمكن أن يكون الكون أوسع وأعمق من إدراكنا؟

مصدر الصورة بعض الفيزيائيين: الكون الذي نعيش فيه قد يملك 10 أبعاد أو حتى 11 بعدا في بعض النماذج (ناسا)

من أينشتاين يبدأ كل شيء

قبل القرن العشرين، كان المكان والزمان مسرحا ثابتا تتحرك عليه الأجسام كما تخيلها إسحاق نيوتن. لكن عام 1905، جاء ألبرت أينشتاين بنظرية النسبية الخاصة، ليكشف أن الزمان والمكان وجهان لشيء واحد، وهو نسيج رباعي الأبعاد يُسمى الزمكان.

وهذا النسيج هو الفضاء نفسه، والفضاء ليس المكان الذي يوجد فيه الكون، بل هو الكون ذاته في جانبه الهندسي.

ثم أضافت النسبية العامة عام 1915 بُعدا جديدا من الفهم، فالجاذبية ليست قوة خفية كما ظن نيوتن، بل هي انحناء في الزمكان نفسه يحدث بفعل الكتلة والطاقة. وبهذا، أصبح الكون المعروف مكوَّنًا من 4 أبعاد أساسية، يمكن تمثيلها رياضيًا كنسيج مرن، تنحني خطوطه بوجود الأجرام السماوية.

إعلان

ولفهم الفكرة تخيل أن الكون كله عبارة عن ملاءة مطاطية ضخمة مشدودة، هي الزمكان نفسه (الزمان مخيطا في المكان في نسيج واحد).

والآن، ضع على هذه الملاءة كرة بولينغ ثقيلة تمثل الشمس أو أي نجم آخر، وستلاحظ أن الملاءة تنحني حول الكرة مكونة تجويفا عميقا.

ثم ضع كرة تنس صغيرة قريبا منها، ستبدأ الكرة الصغيرة بالسقوط ناحية الكرة الكبيرة، ليس لأن هناك "حبلا خفيًا" يجذبها، بل لأنها تتحرك داخل انحناء الزمكان الذي صنعته الكتلة الأكبر.

وهذا الانحناء هو ما نسميه الجاذبية، فالأجسام لا تجذب بعضها بعضًا كما ظن نيوتن، بل تتبع المسارات المنحنية التي يرسمها نسيج الزمكان حول الكتلة.

وبهذا، فالنسبية العامة تخبرنا أن الكتلة لا تنحني المكان فقط، بل الزمن أيضا، وعند سطح الأرض، حيث الجاذبية أقوى، يمر الزمن أبطأ قليلا مما يمرّ في أعالي الغلاف الجوي، لقد أثبتت هذه الحالة بالعديد من التجارب.

القوى الأربع

لكن هذا لم يكن نهاية القصة، بل بدايتها. لقد نجح أينشتاين في تحسين فهمنا لواحدة من القوى الأساسية في الطبيعة، وهي الجاذبية، لكن حين بدأ العلماء في القرن العشرين بمحاولة توحيد بقية القوى (الكهرومغناطيسية، والقوتين النوويتين) مع الجاذبية واجهوا مشكلة كبيرة: فبينما نجحت نظريات الكم في وصف القوى الثلاث الأخرى بدقة مدهشة، ظلت الجاذبية عصية على الدمج في هذه النظريات.

وهناك شيء ما كان ناقصًا، حيث كانت الجاذبية أضعف بكثير مما تتنبأ به المعادلات، فأين تذهب هذه القوة؟ ولماذا هي ضعيفة إلى هذا الحد؟

والإجابة المحتملة، التي جاءت من أعماق الرياضيات النظرية، كانت مذهلة، حيث قال العلماء "ربما لا نرى الجاذبية بكاملها لأن جزءا منها يتسرب إلى أبعاد أخرى غير مرئية".

وفي سبعينيات القرن الماضي، ظهرت فكرة نظرية الأوتار الفائقة تقول إن الجسيمات الأولية (مثل الإلكترونات والكواركات) ليست نقاطا صلبة بلا حجم كما كنا نعتقد، بل أوتار دقيقة جدا تهتز، وطبيعة اهتزازها هي ما يحدد نوع الجسيم وخصائصه.

وتخيل أن هناك غيتارا يمكنه إطلاق عدد من النغمات، الأمر كذلك في نظرية الأوتار، فكل وتر يهتز بطريقة معينة تولد جسيما معينا، ولأن الجسيمات تكون كل شيء نعرفه، من النجوم إلى الكواكب إلى السيارات إلى أجسامنا، فإن كل شيء يتكون حسب النظرية من "أوتر تهتز".

ولكن حينما فحص العلماء معادلاتهم التي تصف هذه الأوتار، وجدوا أنها لا يمكن أن تهتز بحرية في كون رباعي الأبعاد فقط، بل تحتاج إلى 10 أبعاد على الأقل لتكون معادلاتها الرياضية متناسقة.

في هذا السياق، فإن نظرية الأوتار لا تقول حتما إن الكون له 10 أبعاد، لكنها تتطلب وجود 10 أبعاد لكي تكون منسجمة رياضيا، أي لكي لا تنهار معادلاتها أو تُنتج نتائج متناقضة.

ستة من هذه الأبعاد، كما تقول النظرية، مطوية على نفسها في أشكال هندسية صغيرة جدا تُعرف باسم فضاءات كالابي-ياو.

ولفهم الفكرة تخيّل نملة صغيرة تمشي على حبل طويل. ومن بعيد، يبدو الحبل لنا نحن البشر كأنه خط مستقيم، كأن له بعدا واحدا فقط.

وبالنسبة لك، لا يمكن أن تمشي على هذا الحبل إلا في اتجاهين للأمام والخلف، ومن بعيد ترى الحبل كأنه مجرد خط، لكن بالنسبة للنملة، التي تعيش على سطح الحبل نفسه، فالعالم ليس خطًا فقط، بل هو سطح أسطواني، ويمكنها أن تمشي عليه إلى الأمام والخلف، وأيضا يمكن أن تدور حوله في دوائر صغيرة لا نراها نحن من بعيد.

مصدر الصورة تهتز هذه الأوتار لتصنع "الجسيمات" دون الذرية والتي تصنع بدورها كل شيء نعرفه (سري بروشانك)

لم يثق العلماء في معادلاتهم؟

الآن لنتوقف قليلا ولنتأمل شيئا مختلفا لكنه سيحقق لنا بعض الفهم. والعلماء يثقون في المعادلات الرياضية، لأنها تنجح (في الغالب) في التنبؤ بظواهر لم نكن نعرف بوجودها، وبداية دعنا نمثل المعادلة الرياضية، بتبسيط مخل، بأنها آلة حاسبة، تعطيها بيانات فتعطيك ناتا مفيدا.

إعلان

ولو كانت المعادلة الرياضية محاولة لقياس الوقت المطلوب للوصول إلى العمل، ستضع بها بيانات المسافة التي تقطعها، والسرعة من "عداد" السيارة، فتظهر لك النتيجة: ساعة واحدة.

والآن لنعقّد الأمر قليلا، حينما توقع العالمان جون أدامز وأوربان لوفيرييه مدار كوكب أورانوس، في الفترة بين عامي 1845 و1846 بناء على قوانين نيوتن، لاحظا أن توقعات المعادلات لم تتوافق مع نتائج رصد مدار كوكب أورانوس، فافترضا وجود كوكب أبعد من أورانوس وهو نبتون.

وحينما وجه العلماء تلسكوباتهم إلى الموقع الذي حدده العالمان، وجدوا الكوكب.

والأمر كذلك في محاولات العلماء لتوحيد قوى الطبيعة الأربع، تلك التي تربط كل شيء في الكون ببعضه، من الذرات إلى أكبر المجرات، مرورا بجسدك، وهنا ظهرت نظرية الأوتار، والتي بنى العلماء النظرية وقوانينها ومعادلاتها، ثم وضعوا بها البيانات، فأخبرتهم بالحاجة إلى وجود أبعاد إضافية، مثلما أخبرت أدامز ولوفيرييه بوجود كوكب نبتون.

النظرية إم

لنكمل الحكاية: تمتد بعض النماذج الرياضية (النظرية إم) لافتراض وجود بُعد حادي عشر، وهو ليس بعدا صغيرا مثل رفاقه السابقين، بل "غشاء" وهو سطح ثلاثي الأبعاد يطفو داخل فضاء ذي أبعاد أعلى.

وفي هذا التصور، كل ما نعرفه، من المادة، إلى الضوء، والنجوم، والكواكب، محبوس داخل هذا الغشاء، لكن الجاذبية وحدها يمكنها التسرب إلى الأبعاد الأعلى، ولهذا نراها ضعيفة مقارنة بالقوى الأخرى.

وإذا كان هناك أغشية أخرى، فربما توجد أكوان موازية ملاصقة لنا في الأبعاد الأعلى، لا نراها لكن نشاركها نفس الفضاء الأعلى. حينها يكون "الكون المتعدد" أكثر من خيال علمي، بل يصبح احتمالا فيزيائيا ممكنا.

ولفهم الفكرة: تخيل سمكة تسبح داخل بحيرة. ومن وجهة نظرها، الكون كله هو الماء الذي يحتوي على 3 أبعاد (اليمين واليسار، الأمام والخلف، الأعلى والأسفل) لكنها لا تعلم أن الماء نفسه موجود داخل هواء (بُعد أعلى لا تراه) وهناك بحيرات وبحار وأنهار ومساحات مائية أخرى غير البحيرة التي تعيش فيها.

والسمكة مثلنا نحن، نعيش داخل غشاء كوننا (البحيرة) وأما الهواء من حولها فهو أشبه بالبُعد الحادي عشر، فضاء أعلى لا يمكنها دخوله، لكن يمكن أن يؤثر عليها منه.

وبالطبع يجدر بنا توضيح أن هذه التشبيهات لغرض التقريب فقط، فأولا هذا النطاق يحتوي على الكثير جدا من الصفحات التي تحتوي على رياضيات معقدة مركبة، لا نمل ولا أسماك هناك.

وثانيا، فإننا كبشر لا نتمكن من إدراك هذه الأبعاد مهما بلغنا من قدرة على التخيل، لأن منظومتنا الإدراكية، والتي تتأسس في أدمغتنا داخل الجمجمة وبدورها تتكون من ذرات وجزيئات، كل ذلك يخضع لقوانين تضم عالم ثلاثي البعد.

ويشبه ذلك، لغرض التقريب، امتلاك بعض الأنواع من الطيور مستقبلات في عيونها ترى ألوان لا يتمكن البشر من إدراكها أبدا، لأنهم ليسوا مصممين لذلك.

إثبات الأوتار

حتى الآن، لم تُثبت نظرية الأوتار أو غيرها من النماذج وجود هذه الأبعاد تجريبيا، لكنها تبقى أفضل المرشحين لتوحيد القوى الأربع في الطبيعة، ولذلك يسميها العلماء أحيانًا "نظرية كل شيء".

وفي النهاية فإن المعادلة الفيزيائية قد تكون مذهلة، فهي أنيقة، وتفسر كل شيء على الورق، لكن الطبيعة لا تهتم بالجمال الرياضي والفيزياء ليست "فنا نظريا" بل هي لغة الواقع.

وفي الفلسفة العلمية الحديثة (منذ غاليليو ونيوتن وفاينمان) فالمعيار الوحيد لقبول أي نظرية هو الاختبار التجريبي القابل للتكرار، ولو لم يمكننا رصد الأوتار أو تأثيرها (مثلاً من خلال طاقات هائلة في مصادمات الجسيمات، أو بصمات كونية دقيقة) فالنظرية تبقى تخمينا ذكيا، لا حقيقة علمية.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار