في تطور علمي مذهل قد يغيّر مسار مكافحة سرطان الثدي ، كشف باحثون من جامعة نورث وسترن الأمريكية عن آلية خفية تستخدمها الخلايا السرطانية للهروب من الجهاز المناعي والانتشار في الجسم — مستغلةً في ذلك خلايا مناعية "صديقة" تُساعدها على تكوين عناقيد مقاومة في مجرى الدم. واللافت أن هذه العناقيد تزيد من قدرة السرطان على التمدد إلى أعضاء بعيدة بنسبة تصل إلى 50 ضعفًا مقارنة بالخلايا المنفردة.
وفي دراستين منفصلتين نُشرتا في مجلتين علميتين رائدتين — Nature Communications وThe Journal of Clinical Investigation — قاد فريق بحثي برئاسة الدكتورة هوي بينغ ليو، الأستاذة المساعدة في علم الأدوية والطب بقسم أمراض الدم والأورام في جامعة نورث وسترن، تحقيقًا معمقًا في سلوك الخلايا السرطانية المتداولة (CTCs) أثناء انتقالها عبر مجرى الدم.
الدراسة الأولى ، المنشورة في Nature Communications، حددت بروتينًا يُدعى Plexin-B2 (PLXNB2) كعامل محوري في قدرة خلايا سرطان الثدي على تكوين عناقيد متعددة الخلايا أثناء تنقلها في الدم. واعتمد الباحثون على خوارزمية حاسوبية لتحليل بيانات مرضى، ووجدوا أن هذا البروتين يرتبط ارتباطًا وثيقًا بنتائج سريرية سيئة، وأنه يُعبَّر عنه بمستويات عالية في العناقيد السرطانية لا في الخلايا المنفردة.
وفي تجارب على الفئران، أدى تعطيل جين PLXNB2 إلى انخفاض ملحوظ في عدد النقائل الرئوية، ما يشير إلى إمكانية استهدافه علاجيًا في المستقبل.
أما الدراسة الثانية، المنشورة في The Journal of Clinical Investigation، فقد ركزت على تفاعل الخلايا السرطانية مع الجهاز المناعي أثناء تجوالها في الدم. وعند تحليل عينات دم من مرضى يعانون من سرطان ثدي متقدم، وجد الباحثون أن أكثر من 75% من العينات الإيجابية للخلايا السرطانية المتداولة احتوت على عناقيد مشتركة بين الخلايا السرطانية وخلايا الدم البيضاء خاصة نوع نادر جدًا من الخلايا التائية يُعرف باسم الخلايا التائية المزدوجة الإيجابية (CD4+/CD8+ DPTs).
هذه الخلايا النادرة أظهرت خصائص "إرهاق مناعي" و"كبت مناعي"، ما قد يسمح للخلايا السرطانية بالتهرب من المراقبة المناعية. كما حدد الباحثون جزيئين على سطح الخلايا — VLA-4 في الخلايا التائية وVCAM1 في الخلايا السرطانية — كعنصرين أساسيين في عملية الالتصاق وتكوين العناقيد.
وفي تجارب حيوانية، نجح استخدام أجسام مضادة لمنع تفاعل VLA-4/VCAM1 في تعطيل تكوين العناقيد، ونتج عن ذلك إطالة ملحوظة في بقاء الفئران المصابة.
قالت الدكتورة ليو، وهي عضو في مركز روبرت إتش لوري الشامل للسرطان: "تنتقل الخلايا السرطانية عبر الدم وتواجه تحديات فيزيائية وهجمات مناعية. لكن عند ارتباطها بهذه الخلايا المناعية 'الصديقة'، تكتسب قدرة على الاستيطان في أعضاء جديدة، وتجنب المراقبة، والحصول على درع واقي من العوامل العدائية".
وأظهرت هذه الخلايا — وهي نادرة وتتميّز بخصائص غير مألوفة — قدرتها على دعم الخلايا الجذعية السرطانية وكبح الاستجابة المناعية. وكلما زادت هذه الإشارات، قلّ نشاط الخلايا القاتلة للأورام، مما يؤدي إلى تكاثر الأورام في الجسم.
وتشير نتائج الدراستين إلى أن استهداف بروتين PLXNB2 أو منع تفاعل VLA-4/VCAM1 قد يفتح آفاقًا جديدة لتطوير علاجات تمنع انتشار السرطان من جذوره — قبل أن يبدأ — وليس بعد استقراره في أعضاء حيوية.
وقالت الدكتورة ليو: "نحن نتطرق إلى المشكلة من زوايا متعددة بهدف واحد: تحديد أهداف دقيقة للتحكم في سلوك الخلايا السرطانية. القضاء على العناقيد وتثبيط هذا النمط قد يوقف الانتشار، ويمنح المرضى فرصة للعيش لفترة أطول وبجودة حياة أفضل".