هذا المقال بقلم سامية عايش، صحفية مستقلة تكتب عن السينما العربية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتبة ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
تساءلت في نفسي: لو لم يعبر محمد سلّام عن موقفه من الحرب على غزة وينسحب من المسرحية في الرياض آنذاك، هل كنا سنشعر بالحماس تجاه مسلسله "كارثة طبيعية" بنفس الدرجة؟.. باعتقادي أن الإجابة هي نعم.
أولاً، دعونا نتفق أننا أصبحنا نعيش اليوم في زمن نبحث من خلاله عن موقف. فقلّة هم من يحملون قيمهم ومبادئهم ويعبّرون عنها في زمن تكاد تختفي فيه القيم والمبادئ. وما أن يفعل أحدهم ذلك حتى نحتفي به، لأننا بطبعنا شعب عاطفي تقودنا مشاعرنا. وأجزم أنه في مثل هذه المواقف في تلك القضايا الإنسانية، لا بأس بذلك على الإطلاق.
لنعد لمسلسل "كارثة طبيعية"، حول قصة الشاب "محمد"، الذي يفاجأ بزوجته التي أوقفت استعمال "اللولب"، واكتشفت أنها حامل، ولكن بأكثر من طفل. لتبدأ من بعدها رحلة تحمل المسؤولية، وتأمين لقمة العيش لأسرة أصبحت كبيرة بين ليلة وضحاها.
لربما تكون فكرة الأطفال في الأوضاع الاقتصادية السيئة، وتأمين حياتهم، ومقولة "رزقة العيال بتيجي معاهم" قد سمعناها ورأيناها كثيراً في المسلسلات والأفلام، ولكن هنا، وما يجعل هذا المسلسل متفرداً برأيي هو: المبالغة ومحمد سلّام نفسه.
لنبدأ من المبالغة. أسأل نفسي: هل هناك فرق ما إذا كان عدد الأطفال 3 أو5 أو 7؟ بالطبع لا. فبالنسبة لـ "محمد" و"شروق" في المسلسل؛ العبء واحد والمسؤولية واحدة. ولكن متى يكون هناك فرق في العدد؟ عندما تكتب المشاهد بطريقة ذكية. مثلاً في المشهد الذي يذهب فيه "محمد" إلى الإدارة الخاصة باستخراج شهادات ميلاد للأطفال، ويبحث عن أسماء يطلقها على أبنائه، وينسى تماماً الأسماء التي أوصته "شروق" بإعطائها لهم. هذا مشهد يجعلك تفكر بالتفاصيل من حول "محمد" التي ساعدته في اختيار الأسماء، بين "إبراهيم" و"نجيب" و"لبيب"، و"أسيل" والأسماء الأخرى التي أطلقها على الأطفال.
إضافة إلى ذلك، المبالغة في عدد الأطفال أعطى المسلسل بُعداً بصرياً جديداً. تخيلوا معي: 7 أطفال على السرير، 7 أطفال على طاولة قسم الشرطة، 7 أطفال يحملهم أفراد العائلة وطاقم المستشفى. كلها مشاهد كانت ستكون عادية لو كانوا طفلين أو 3.
المسلسل يُُعرض في حلقتين كل أسبوع على منصة WATCH IT المصرية، وفي كل حلقتين نجد رؤية واضحة وتغيراً حقيقياً في شخصية "محمد". في أول حلقتين، كانت المفاجأة باكتشاف حمل "شروق" والخوف من المسؤولية. في الحلقتين التاليتين، انتقل "محمد" إلى شعور الخوف من العبء المالي، ومحاولة الإجابة على سؤال بسيط: أين سينام الأطفال؟ كم حفاضة سيستخدمون في الأسبوع؟ هل ستكفيهم علبة حليب واحدة؟ من يقدم المساعدة من العائلة؟ هذه الأسئلة كلها لا يسألها "محمد" فقط لنفسه، بل كل شاب تزوج وزادت عليه الأعباء والمسؤوليات بينما هو ينتظر طفلاً أو طفلين.
قد يكون المسلسل في حلقاته الثالثة وما بعدها قد بدأ يهبط في إيقاعه بعد بداية قوية، ولكنه لا زال يحفل بالمشاهد المكتوبة بطريقة ذكية وجديدة، ويعود في نهاية كل حلقة ليرفع التشويق لمشاهدة ما سيأتي من أحداث.
محمد سلام حالة خاصة في المسلسل، فهو لطالما أضحكنا إلى جانب نجوم آخرين. من منا ينسى دوره مع أحمد مكي في سلسلة "الكبير أوي". واليوم، آن الأوان أن يقدم سلّام عملاً له وباسمه، ويشبهه إلى حد ما.
برأيي الشخصي، ووسط كل ما نراه من أعمال إما تعتمد على ثقافة "الكمباوند" أو "البلطجة" في مصر، يقدم محمد سلام مسلسلاً وشخصية تشبه كل مصري، وتشبه الحالة المصرية ككل، وهو ما يشتاق إليه الجمهور ويبحثون عنه، خصوصاً وأن السينما والدراما في الآونة الأخيرة بدأت تقدم عوالم لا أساس لها في الواقع، وبالتالي تقدّم "مبالغة" غير تلك التي تحدثنا عنها في السطور أعلاه.
لنعد للإجابة على السؤال في بداية هذا المقال: هل سنبقى على حماسنا لمحمد سلام ومسلسله؟ الإجابة برأيي واضحة ولا زالت بالإيجاب، لسبب بسيط، هو أننا لا يمكن أن نفصل الفنان عن محيطه، ولا أن نميز مواقفه عن أعماله، فالممثل الذي يدعي أنه ومن خلال الشخصيات التي يقدمها ينقل الواقع ومعاناة الناس، يجب أن يكون حقيقياً ويقوم بذلك فعلاً وليس حبراً على ورق أو دوراً على الشاشة فحسب.
المصدر:
سي ان ان