فقدت محافظة الفيوم اليوم الثلاثاء، واحدة من أبرز معالمها الإنسانية وشاهدة على تاريخ الصحافة المصرية، برحيل السيدة سعاد أحمد محمد، الشهيرة بـ "أم توبة" ولقبها "الحاجة كوكب"، أقدم موزعة صحف بالمحافظة، التي غادرت دنيانا عن عمر ناهز 90 عاماً، قضت منها أكثر من 6 عقود في شارع "البوسطة" العتيق.
لم تكن "أم توبة" مجرد بائعة صحف، بل كانت "أيقونة" لشارع البوسطة وميدان السواقي، إذ بدأت رحلتها مع "الفرش" في ستينيات القرن الماضي عقب وفاة زوجها، رافضة الزواج ومكرسة حياتها لتربية أبنائها الستة.
كانت السيدة الوحيدة من بين 28 موزعاً بالفيوم التي تجلس على "فرشها" طوال 24 ساعة، صامدة أمام حر الصيف وبرد الشتاء، تنتظر سيارات التوزيع القادمة من القاهرة ليلاً لتكون أول من يحمل أخبار الصباح للقراء.
في أحاديثها الأخيرة قبل رحيلها، استرجعت "الحاجة كوكب" ذكرياتها كشاهدة عيان على أهم أحداث مصر؛ من مرارة نكسة 1967 وفرحة نصر أكتوبر 1973، وصولاً إلى زخم ثورتي 25 يناير و30 يونيو، حيث كان موقعها بقلب مدينة الفيوم مواجهاً لميدان السواقي، مسرح كافة الأحداث الكبرى.
وبنبرة حزينة، رصدت "أم توبة" قبل وفاتها تراجع زمن الفن الجميل والقراءة، مؤكدة أن أزهى عصورها كانت في عهد الرئيس السادات وأيام "أوم كلثوم وعبد الحليم"، وبحسرة مهنية، قالت: "الصحافة الورقية ماتت بعد 2011 وزحف المحمول"، موضحة بلغة الأرقام حجم المأساة؛ فقد تراجع توزيع "الأهرام" على يدها من 600 نسخة يومياً إلى 10 نسخ فقط، واختفت مجلات عريقة مثل "روز اليوسف" و"المساء" من بين يدي قارئيها.
رحلت "أم توبة" وتركت خلفها إرثاً كبيراً من الوفاء وأسرة تضم 5 رجال وسيدة وأكثر من 20 حفيداً، لكنها رحلت بغصتين في قلبها؛ الأولى أنها لم تتمكن من زيارة بيت الله الحرام، والثانية أنها كانت تأمل من الدكتور أحمد الأنصاري، محافظ الفيوم، تخصيص "كشك" صغير يأوي ورثتها الذين قرروا استكمال مسيرتها في نفس المكان، ليحمي جثامينهم النحيلة من غدر الشارع.
المصدر:
مصراوي
مصدر الصورة