آخر الأخبار

جريدة القدس || معاصر السمسم التقليدية في فلسطين.. هنا أرض الحكاية

شارك الخبر

الباحثة د. سارة الشماس لـ"القدس": عصر السمسم من المهن الفلسطينية البارزة والعريقة

-    معاصر تقليدية بعضها يعود للعصر المملوكي تمتلكها عائلات توارثت أجيالُها المهنة 

-    عبق رائحة السمسم في أزقة الخليل العتيقة قادني منذ طفولتي للاهتمام بتراثنا وإرثنا 

-    كتابي "معاصر السمسم بين الماضي والحاضر" الأول عربياً في تطرقه لهذا الموضوع

-    على الجهات الرسمية تقديم الدعم لأصحاب المعاصر التقليدية لحماية ما تبقى منها


في فلسطين، كان محصول السمسم من أبرز المحاصيل الزراعية بوجه عام، والزيتية على وجه الخصوص، وكان الشعب الفلسطيني من أقدم الشعوب التي عرفت زراعته، وكانت هناك العديد من معاصر بذور السمسم التي كانت تعمل بالطريقة التقليدية، منذ العصر المملوكي، وهي معاصر مملوكة لعائلات توارثت أجيالُها المهنة.


في هذه المعاصر التقليدية، يتربع تاريخ هذ الصناعة العريقة (عصر السمسم) التي عرفتها فلسطين، محافظةً على إرث الأجداد، وعلى مهنة تصارع للبقاء وسط ما تمر به البلاد من احتلال وعذابات وسلبٍ للأراضي ومحاولاتٍ للإبادة والإلغاء، وفي ظل التطور التكنولوجي الذي يتهدد الأصالة، ولكن تبقى حجارة الطاحونة الضخمة، التي تدور فوق حبات السمسم، في هذه المعاصر شاهدةً على إرث هذا الشعب الضارب في الجذور.


ولمعرفة المزيد من تاريخ السمسم في فلسطين، زراعةً وعصراً وإنتاجاً متنوعاً، التقت "القدس" الباحثة الدكتورة سارة الشماس، مؤلفة كتاب "معاصر السمسم بين الماضي والحاضر"، الذي تم إشهاره مؤخراً.


مهنة موروثة تعبق بالتاريخ 


وتقول الدكتورة سارة الشماس لـ"القدس": من المهن البارزة الموروثة لدى الشعب الفلسطيني عبر الأجيال والأحقاب مهنة عصر السمسم، وكذلك المنتجات المتنوعة المشتقة منه، فالشعب الفلسطيني من أقدم الشعوب التي عرفت زراعة نبات السمسم، مشيرة إلى أن إنتاج السمسم ليس مجرد مهنة كان يمتهنها الفلسطينيون فقط، لكنه أصبح مَلمحاً من ملامح ثقافة الشعب الفلسطيني وتراثه، فالمنتجات المتعددة مثل بذور السمسم وعجينة الطحينة والحلاوة الطحينية والسمسمية مكونات متغلغلة في ثقافة المجتمع الفلسطيني وعاداته الغذائية.


وتوضح أن أقدم معصرة كانت في مدينة الخليل، وتم تأسيسها عام 1300 إبان العصر المملوكي، فيما ضمت مدينة القدس عبر مختلف العصور العديد من المعاصر التاريخية المميزة بإنتاجها، خاصة في بلدتها القديمة، فمنذ ثلاثة قرون ورائحة سمسم القدس مميزة عن كل رائحة، وكأنها امتزجت بجدران هذه المدينة وحجارتها.


وتشير إلى أن من أشهر المعاصر التي كانت في فلسطين: معصرة مدينة الخليل، ومعصرة شاور والنتشة، ومعصرة الجبريني، ومعصرة أبو خرمة، ومعصرة الصالحي، ومعصرة البديري، ومعصرة الطزيز.


وتضيف الشماس: في السابق، كانت توجد عدة معاصر للسمسم في عموم فلسطين، فوفق إحصاء أُجري في فترة الانتداب البريطاني في فلسطين، بلغ عدد المعاصر: ست معاصر في غزة، وأربع معاصر في تل الربيع ويافا، و28 معصرة برام الله والقدس، ومعصرتين في الخليل، وخمس معاصر في نابلس، ولكن مع تضاؤل حجم صناعة زيت السمسم في فلسطين، تقلص عدد المعاصر حتى وصل إلى 28 معصرة موزعة بين كلٍّ من الخليل والقدس ونابلس، وقد صاحب ذلك تقلص لمساحات الأراضي المزروعة بنبات السمسم حتى أصبحت معدودة للغاية.


وتشير الشماس إلى أنه "بالرغم من المكانة البارزة لنبات السمسم في ثقافة المجتمع الفلسطيني، فإن مهن إنتاجه والمنتجات المرتبطة به تأثرت تأثراً سلبياً كبيراً بالأحداث التي ألمت بالبلاد عبر العقود القليلة الماضية".


وتضيف: "أدت الحروب والغارات المتتالية إلى تراجع هذه الزراعة وصناعاتها في فلسطين، كما أن سياسة إسرائيل، في مصادرة الأراضي الفلسطينية الزراعية الخصبة، أسهمت كثيراً في تقليص المساحات المزروعة بالسمسم، إضافة إلى غياب الوعي بأهمية الحفاظ على الصناعات التقليدية، وبشكلٍ خاصّ  معاصر السمسم التقليدية".


وتؤكد الشماس أن "الحفاظ على الموروث الثقافي مسؤولية كل مواطن، والتزامنا بنقل هذا التراث إلى الأجيال المقبلة هو واجبنا جميعاً تجاه وطننا وإرثثنا وهويتنا وحضارتنا"، داعيةً الجهات الرسمية الفلسطينية إلى "تقديم الدعم لأصحاب المعاصر التقليدية من أجل إعادة تأهيلها والمحافظة عليها، وحماية ما تبقى منها، فهي جزء من الإرث الوطني الفلسطيني".


كتاب "معاصر السمسم بين الماضي والحاضر".. بداية المشوار



تقدم الباحثة الشماس في كتابها الذي يقع في (156) صفحة من القطع المتوسط تتبعاً لنشأة وتاريخ نبات السمسم، وكذلك أبرز الحضارات التي زرعت السمسم واستخدمت بذوره، فيما يقدم الكتاب معلومات مجدولة عن أصناف بذور السمسم (سمسم بني فاتح وبني وأبيض ورمادي وأسود) مبيناً بلاد العالم المتخصصة في كل نوع.


وأعطت الكاتبة اهتماماً بمعدل إنتاج السمسم في فلسطين والأهمية الاقتصادية له، واستخدامات السمسم وفوائده الطبية وأسباب تراجع زراعة السمسم وإنتاجه في فلسطين، ولم تغفل عن تناول السمسم في التراث الفلسطيني، مبينة أنواع المأكولات الشعبية القائمة على السمسم، وذكرت أيضاً مسميات معاصر زيت السمسم وأنواع معاصر السمسم التقليدية والحديثة.


وعن الكتاب وكيف جاءت فكرته، تشير الدكتورة سارة الشماس، في حديثها لـ"القدس"، إلى أن رحلتها مع كتابها "معاصر السمسم بين الماضي والحاضر"، الذي يعد الأول في الوطن العربي من حيث التطرق لهذا الموضوع، بقصة تمتد عبر سنوات طويلة من الجهد منذ نحو 18 عاماً، إذ بدأت بجمع المعلومات عن معاصر السمسم، والانتقال ميدانياً بين الخليل ونابلس، وكانت هناك العديد من التحديات التي واجهتها.


وتقول: تعود جذور قصتي مع الكتاب إلى طفولتي في البلدة القديمة في الخليل، حيث كنت ارافق والدي الذي يعمل تاجر مواد غذائية، إلى معصرة النتشة وشاور، وقد كانت لتلك اللحظات التي قضيتها أتجول في الأزقة القديمة، وكذلك عبق رائحة السمسم ومنتجاته التقليدية، تأثيرٌ كبيرٌ في تشكيل اهتمامي بموضوع السمسم ومعاصره القديمة، وكذلك التراث الثقافي والتاريخي لمجتمعنا الفلسطيني.


وتضيف الدكتورة الشماس: مع مرور الوقت، وعندما التحقت بمرحلة الدراسات العليا تخصص الآثار، في جامعة القدس عام 2005، بدأت أفكر بجدية في توثيق هذا التراث الغني، فكرت في أهمية دراسة معاصر السمسم، التي لم تأخذ حقها في المراجع العلمية، مقارنة بمعاصر الزيتون والعنب والسكر، وقد واجهتُ صعوبةً في العثور على معلومات كافية، لكنني كنت مصممة على متابعة هذا العمل، مدفوعةً بحبي للتراث، ورغبتي في تسليط الضوء على هذه الحرفة ومحصول السمسم الزيتي المميز بين المحاصيل الزيتية الأخرى.


وتوضح الدكتورة سارة أنها أثناء دراسة الماجستير بدأت في جمع المعلومات بطريقة منهجية، متجاوزة العديد من العقبات والصعوبات التي واجهتها بسبب ندرة المصادر، وكانت تلك الفترة من حياتها فرصة لترسيخ ارتباطها بتراث السمسم، وأصبح جزءاً من حياتها الخاصة.


من خلال هذا الكتاب، تقدم الباحثة الدكتورة سارة الشماس صورة متكاملة عن السمسم، تتجاوز مجرد كونه محصولاً زراعياً، لتشمل قيمته كعنصر غذائي وصحي، وكذلك أهمية الحفاظ على طرق عصره التقليدية التي تميزت بجودتها وفعاليتها على مر العصور.

وتقول الشماس لـ"القدس": من خلال كتابي أسعى إلى توثيق هذا التراث الشعبي العريق، وتقديمه كمرجع مهم للباحثين والمهتمين والمختصين، إن رسالة الكتاب هي دعوة لحماية الموروث الثقافي والاعتزاز به، والحفاظ على الهوية العربية الفلسطينية، وكذلك مواصلة البحث والاهتمام بكل مايخص تراثنا الغذائي والصحي، كونه جزءاً من هويتنا الثقافية وحياتنا ورسالتنا للأجيال الجديدة وللعالم.


وتشير الشماس إلى أن "لوحة الغلاف تعبير فني يُبرز محتوى الكتاب بشكل مميز، فهذه اللوحة، التي أبدعها سفير الفن الفلسطيني د. جمال بدوان، لوحة ليست مجرد عنصر زيتي، بل هي مفتاح حقيقي لتجربة الكتاب برؤية فنية مبدعة، تجسد روح التراث والتاريخ الفلسطينيَّين في هذه اللوحة، ما يجعلها أكثر من مجرد غلاف، فهي تعكس عمق المحتوى، وتعزز من فهم القارئ لموضوع الكتاب قبل حتى أن يبدأ في قراءته".


يقدم كتاب "معاصر السمسم بين الماضي والحاضر" لمحة عن صناعة وإنتاج نبات السمسم في فلسطين، وذلك مع تناول مسار تطور هذه الصناعة منذ نشأتها في البلاد حتى وصولها إلى واقعها الحالي. 


محوران رئيسيان..


ويناقش الكتاب موضوعات متنوعة، تندرج تحت محورين رئيسيين، ففي المحور الأول تقدم الباحثة لمحة عامة عن نبات السمسم، ويتضمن ذلك توضيح منشأ نبات السمسم وتاريخ زراعته، والبيئة المناسبة لزراعته، والأصناف المختلفة لبذور السمسم، والأهمية الاقتصادية لنبات السمسم، والاستخدامات العديدة له (كمادة غذائية، وفي الطب، وفي صناعة مستحضرات العناية الشخصية). 

كما يتناول هذا المحور أيضاً تاريخ وواقع زراعة السمسم في فلسطين، ويتضمن ذلك مناقشة أبرز المحاصيل الزيتية المزروعة في فلسطين إلى جانب السمسم، وتاريخ/معدل إنتاج السمسم في فلسطين، وأسباب تراجع زراعة السمسم في البلاد، ومكانة السمسم في التراث الشعبي الفلسطيني.


أما المحور الثاني، فيسلط الضوء على صناعة عصر السمسم في السياق المحدد لفلسطين. وتتضمن الموضوعات التي يتناولها هذا المحور مسميات وأنواع معاصر زيت السمسم، ومراحل عملية عصر السمسم. كما يتضمن استعراضاً لعدد من النماذج البارزة لمعاصر زيت السمسم في فلسطين، وهي معاصر تتميز بالعراقة وامتداد التاريخ. ومن خلال استعراض حالات تلك المعاصر، يمكن تكوين فهم أعمق لواقع صناعة عصر السمسم في فلسطين، والتغيرات التي طرأت عليها، والعوامل التي ساهمت في طروء تلك التغيرات.


وقد توصلت المناقشات المتضمنة في هذا الكتاب إلى عدد من الاستنتاجات العامة، منها أن نبات السمسم يُعد من أقدم النباتات زراعةً في تاريخ الحضارة البشرية، فقد كان يُزرع لدى العديد من حضارات العالم القديم، فيما تتسم بذوره بتنوعها من حيث اللون والخصائص، وتتباين أهمية هذه الأنواع من منطقة إلى أُخرى، وتتركز معظم مناطق زراعة نبات السمسم واستهلاك بذوره في قارة أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية.


كما يذكر الكتاب أن السمسم يُستخدم في العديد من الأغراض، فاستخداماته كمكون غذائي أكثر ارتباطاً بالموروث الثقافي للشعوب، أما استخداماته في الطب وصناعة مستحضرات العناية الشخصية فقد ازدادت بدرجة كبيرة في العالم المعاصر.


وفي فلسطين، تشير الباحثة الشماس في كتابها إلى أن محصول السمسم كان من أبرز المحاصيل الزراعية بوجه عام، والزيتية على وجه الخصوص، مشيرة إلى أن العديد من العوامل الداخلية (مثل تفضيل الفلسطينيين للوظائف المكتبية والخدمية على حساب الإنتاجية) والخارجية (مثل القيود الاقتصادية الخانقة من قبل الحكومة الإسرائيلية) قد أدت إلى انكماش، بل واضمحلال زراعة نبات السمسم بدرجة كبيرة.


وتوضح أن "المعاصر الكبرى لبذور السمسم في فلسطين مملوكة لعائلات متعددة الأجيال، وتميزت بسعيها الدؤوب إلى الحفاظ على الصناعة وأساليبها التقليدية، ولكن الضغوط المحيطة بصناعة السمسم في فلسطين تشكل تهديداً لوجود تلك المعاصر واستمرا ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
القدس المصدر: القدس
شارك الخبر

إقرأ أيضا