آخر الأخبار

أيام في حياة مواطنين ... بين البقاء والرحيل (6)

شارك الخبر

الأبيض21 / 9 / 2024-(سونا)- الحرب التي اندلعت في الخرطوم في أبريل من العام ٢٠٢٣م بين الجيش ومليشيا الدعم السريع المتمردة وامتدت لعدد من الولايات كان تأثيرها مباشرا على كافة المواطنين فى مختلف الولايات حيث استهدفت مليشيا الدعم السريع المواطن في مسكنه وممتلكاته ولعكس تأثير هذه الحرب على المواطنين ومعاناتهم بين البقاء والرحيل تواصل (سونا) نشر سلسلة حلقات يحكي فيها مواطنون معاناتهم بين الرحيل والبقاء بمناطقهم.     في الحلقة (6) تروي المواطنة ( م ي) من مدينة الأبيض معاناتها وتجربتها مع الحرب بين البقاء والرحيل فتقول :  الحرب كلمة صغيره تتكون من ثلاثة حروف لكنها كبيرة من حيث الأضرار الجسيمة التى تلحقها بالإنسان والحيوان والموارد الطبيعية والعمران  ولا أحد يتمنى أو يقبل أن تشتعل نار الحرب فى بلده ليتغير حاله من الأمن والاستقرار والسلام والتنمية إلى الخوف والهلع والدمار والنزوح.  وأنا واحدة من الذين ترعبهم كلمة (حرب) وتدخل الهلع في دواخلي وذلك لما شاهدته وسمعته عبر وسائل الإعلام عن أضرار الحرب وما قرأته في كتب التاريخ عن ما يصاحب الحرب من خراب ودمار.   القدر سطر لي أن لا أكمل شهر رمضان في قاهرة المعز التي ذهبت إليها لبرنامج عمل ولم يثنيني رجاء الأهل والأصدقاء بأن أكمل معهم رمضان واغادر بعد العيد.  وصلت السودان الاسبوع الاخير من رمضان وكان اللقاء مع الأسرة والأهل والفرحة بصيام ما تبقى من رمضان في السودان فرمضان في السودان له طعم خاص، بعدها بيومين سافرت إلى بلدة قريبة من مدينتي لزيارة شقيقتي والرجوع مرة أخرى للعيد مع الأسرة.  يوم السبت الخامس عشر من ابريل 2023م هو الزمن الذي حددته للعودة إلى مدينتي فإذا بأختي تهاتفني وهي مضطربة وتطلب مني أن لا اتحرك وتخبرني بأن الحرب بدأت في مدينتنا وإن رحاها تدور بين القوات المسلحة ومليشيا الدعم السريع المتمردة، لحظتها لم استوعب كلامها وطلبت منها ان تهدأ وأن ما يحدث شيء عابر سينتهى خلال يوم او يومين، لكن في دواخلي كنت أشعر بخوف ورهبة، وبدأت أسأل نفسي إذا فعلاً الحرب اشتعلت ماذا سيحدث لي ولأسرتي وماذا عن اخي وأسرته في الخرطوم وعلمت أن المواجهات مستمرة ليل نهار لحظتها لم يكن أمامي سوى الصلاة والدعاء والتضرع إلى الله أن يحفظ اهلي ويجمعني بهم سالمين يومين وأنا على هذا الحال حتى وصل إلينا اخي وأسرته ومعهم أسرة من الأهل ثم جاءت اسرتي من مدينتنا إلى بلدة أختي ثاني أيام عيد الفطر المبارك ومكثنا مع أختي زهاء الثلاث اسابيع.  وعندما علمنا بتحسن الاوضاع فى مدينتي رجعنا وكانت الأحوال هادئة لكن هدوء يشوبه الحذر. الشوارع شبه خالية من المارة، الأسواق والمحال التجارية مغلقة.  بعد تلك الأيام الهادئة فإذا بنا نعيش جو الحرب وبدون مقدمات استيقظنا على أصوات الأسلحة بأنواعها المختلفة الثقيلة والخفيفة، صمت آذاننا أصوات الرصاص ودوي المدافع وتدوين الدانات، الدوشكا الثنائي والدبابات أمام أعيننا نراها والتي كنا لا نشاهدها إلا على التلفاز أو في المجلات والوسائط، تجددت لدي حالة الهلع والخوف من المجهول وتضاربت الأقوال وكثرت الشائعات بأن المليشيا تنوي دخول مدينتي وعندها امتلأت الشوارع الرئيسية بارتكازات الجيش والتاتشرات أما الدبابات فتحركت غرب المدينة لصد المليشيا، استمر هذا الحال حتى مغيب الشمس وطوال تلك الفترة أنا على سجادتي ما بين صلاة وتلاوة قرآن ودعاء بأن ينعم الله علينا بلطفه ويحفظنا ويسلمنا.    ولم يكن لدينا أي استعداد للأكل أو النوم نسبة للحالة النفسية التي كنا نعيشها ونعاني منها فقط كنا نتزود بشرب الماء والشاي والقهوة ثلاث أيام ونحن على هذه الحالة بعدها تم دحر المليشيا خارج حدود المدينة الغربية وتنفسنا الصعداء لكن أصوات إطلاق الأسلحة لم تتوقف في كل الإتجاهات بصورة شبه يومية واستمر الحال على هذا المنوال لعدة شهور ما بين الهدنة ومواصلة التدوين وطيلة تلك الشهور لم نغادر المنزل بالرغم من أن آراء أفراد الأسرة انقسمت ما بين مغادرة المدينة إلى أي موقع آخر داخل أو خارج السودان والانتظار إلى أن ينجلي الأمر  فكان قرار البقاء هو الأقوى بعد اقتناع الغالبية بأن المغادرة في ظل تلك الظروف لن تكون مجدية.

بعد شهر مارس من العام ٢٠٢٤م وحتى الآن ونحن في شهر سبتمبر بدأت الأحوال تستقر نسبياً وحركة المواطنين بالمدينة والأسواق والمؤسسات والأنشطة الرياضية والثقافية وعودة عدد كبير من الأسر إلى منازلهم بعد أن غادروها لمراكز الايواء مما شكل تطبيعا للحياة  لكن مع الأخذ بالمحاذير والالتزام بالضوابط الرسمية.  هذه الحرب نتجت عنها خسائر متعددة في الأرواح والممتلكات والعمران وكان لها تأثيرها النفسي على المدنيين في كل مكان امتدت إليه وما زالت مستمرة ولا ندري متى تنتهي ونسبة وحجم الاضرار التي ستخلفها لكننا نسأل الله أن تقف هذه الحرب ويتعافى السودان من تأثيرات هذه المحنة ويعود افضل مما كان عليه.

السودان للأنباء المصدر: السودان للأنباء
شارك الخبر

إقرأ أيضا