آخر الأخبار

معركة النفس الطويل في الفاشر تنهك القوى المتصارعة في السودان

شارك الخبر

تشكل الفاشر حاليا الساحة الرئيسية للصراع في السودان نظرا إلى أهمية المدينة من الناحية الإستراتيجية. ولم يتضح بعد الطرف الذي ستميل إليه الكفة في النهاية، لكن الثابت وفق المتابعين أن قوات الأطراف المتصارعة تعاني حالة من الإنهاك هناك.

الخرطوم- تمثل مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، المحدد الرئيسي لطبيعة الحرب الدائرة بين الجيش وبعض الحركات المسلحة من جانب، وقوات الدعم السريع من جانب آخر، ما يساهم في إطالة أمد المعارك التي بدأت تتصاعد أخيرا مع فشل الوصول إلى اتفاق يقضي بوقف الحرب في مباحثات جنيف، وسط حالة استنزاف تعاني منها قوات تلك الأطراف.

وأبدى طرفا الصراع الرئيسيان انفتاحا على الحلول السلمية للحرب المستمرة منذ أكثر من 17 شهرا، وذلك ردا على دعوة الرئيس الأميركي جو بايدن للطرفين المتحاربين إلى الانخراط مجددا في محادثات.

وجدد قائد قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو، الخميس، التزام قواته بمفاوضات وقف إطلاق النار، قائلا “إننا نؤمن بأن طريق السلام يكمن في الحوار، وليس في العنف العشوائي، وسنواصل الانخراط في عمليات السلام لضمان مستقبل خال من الخوف والمعاناة لجميع المدنيين السودانيين”.

وقال قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، الأربعاء، إن الحكومة تظل “منفتحة أمام كافة الجهود البناءة الرامية إلى إنهاء هذه الحرب المدمرة”.

وكان الرئيس الأميركي دعا، مساء الثلاثاء، طرفي الصراع في السودان إلى استئناف المفاوضات الرامية إلى إنهاء حرب خلّفت آلاف القتلى والمصابين، ودفعت البلاد إلى حافة مجاعة، مشيراً إلى أن الشعب السوداني تحمل حربا لا معنى لها.

ولطالما أكدت قوات الدعم السريع على سياسة الأيادي المفتوحة للسلام، لكن الإشكال يكمن في موقف الجيش الذي تسيطر الحركة الإسلامية على القرار داخله.

وتنظر الأوساط السودانية بتشكك حيال إبداء البرهان رغبة في التفاوض، حيث ترى أن الهدف من ذلك احتواء الضغوط الدولية المسلطة عليه.

وتعتقد الأوساط أن فرص التوصل إلى تسوية تكاد تكون شبه منعدمة في هذه المرحلة، مشيرة إلى أن الأولوية تبقى للميدان.

واحتدمت المعارك في الفاشر خلال الأيام الماضية، حيث تريد قوات الدعم السريع السيطرة على مقر الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش، والتي تعتبر بوابة لدخول المدينة، وأسفر القصف عن وقوع عشرات القتلى والجرحى في ظل الاستعانة بأسلحة المدفعية إلى جانب سلاح الطيران الذي حاول وقف تمدد الدعم السريع داخل المدينة قبل عدة أيام.

ورغم ما تحمله السيطرة على الفاشر من دلالات للطرفين فإن انحسار القتال فيها، مع تراجع الاشتباكات في الخرطوم وولاية سنار، يشير إلى أن التركيز العسكري يبقى ضعيفاً على تلك المناطق، خاصة أن الحركات المسلحة التي هدفت إلى تعزيز انتشارها في ولايات خارج دارفور وقادت مجموعات لاستعادة مناطق سيطرت عليها قوات الدعم السريع في أم درمان قبل أشهر تضع ثقلها الآن في الفاشر.

بعض المتابعين للشأن السوداني لا يستبعدون حدوث تحولات غير متوقعة في سيناريو الحرب

ولا يتعلق الإنهاك هنا بالناحية العسكرية فحسب، بل إن الاهتمام الدولي الواسع بالمعارك الدائرة هناك وتوالي المطالبات بوقفها والتلويح بسلاح العقوبات من جديد يقود إلى إنهاك سياسي. ويبدو أن المجتمع الدولي يرغب في أن تظل الوضعية الراهنة هي السائدة في إقليم دارفور خوفا من اتساع الصراع إقليميا واندلاع اقتتال قبلي يصعّب مهمة السيطرة على الأوضاع، وسط معاناة المواطنين من مجاعة وانعدام الأمن.

وترى قوات الدعم السريع أن سيطرتها على الفاشر تشكل ضغطا كبيرا على الجيش للاتجاه نحو وقف الحرب، وإمساكها بزمام الأمور داخل إقليم كامل يمنحها المزيد من الأوراق التي تجعلها في موقف قوة أمام الجيش والحركات المسلحة والمجتمع الدولي.

ويصب إنهاك الجيش والحركات المسلحة في صالح قوات الدعم السريع التي تمتلك القدرة على التحرك الميداني بمرونة، عكس قوات الجيش التي تعتمد على سلاح الطيران وتحرك قوات المشاة على نحو ضيق، وهو ما ظهر من خلال شن الدعم السريع هجمات من مداخل مختلفة على مدينة الفاشر، فيما تتموقع قوات الجيش ومعها جيوش الحركات المسلحة داخل المدينة للدفاع عن المناطق التي تسيطر عليها.

وقالت نفيسة حجر، عضو هيئة محامي دارفور، إن “استمرار معارك الفاشر يسهم في إضعاف الطرفين، وإن لم يؤد ذلك إلى الإنهاك التام، مع عدم الالتزام بقرارات مجلس الأمن الخاصة بحظر توريد الأسلحة إلى دارفور. والضعف ظهر بصورة أكبر في حادث قصف الطيران الحربي لمواقع إستراتيجية تابعة للجيش داخل قيادة الفرقة السادسة مشاة، ويتواجد فيها حلفاؤه من الحركات المسلحة، ما خلق فجوة ثقة بينهما”.

آدم والي: الجيش على موعد مع تلقي المزيد من الأسلحة والذخائر
آدم والي: الجيش على موعد مع تلقي المزيد من الأسلحة والذخائر
وأضافت حجر في تصريح لـ”العرب” أن “الحركات المسلحة تدرك أن الخطأ في مثل هذه الضربات قد يكون منعدما، وفي حال كان متعمدا فذلك يضعف موقف الجيش الذي يعاني من ارتباك تجاه تعامله مع الحلفاء، ما يطرح تساؤلات حول إمكانية ثباته في مواجهة قوات الدعم السريع، والتي صبت هذه الحادثة في صالحها”.

وأدى قصف طيران الجيش قبل أيام لمقر قيادته في الفاشر إلى مقتل 5 جنود وإصابة 9 آخرين، وتدمير مستودع أسلحة، ما أثار عاصفة من الأسئلة، خاصة بعد ظهور روايات متباينة للأسباب التي وقفت وراء الواقعة.

وأشار بيان للقوات المشتركة التابعة للجيش إلى تعرض الطائرة التي نفذت الغارة إلى “تشويش” أدى إلى قصف المقر بالخطأ، بينما ذهبت رواية ثانية إلى اتهام الجيش بقصف المقر عمدا بهدف “تحييد” مخازن الأسلحة التي كانت هدفا لقوات الدعم السريع، وإحباط محاولة كان يقوم بها ضباط وجنود للفرار من المدينة.

وأكدت نفيسة حجر أن “وجود عدد كبير من قوات المشاة التابعين للحركات المسلحة والجيش في الفاشر قد يسهم في إضعاف قوات الدعم السريع التي ربما تجد صعوبة في حسم المعركة لصالحها سريعا، فضلا عن الكم الهائل من الذخائر التي جرى إمداد عناصر الحركات المسلحة بها ولديها خبرات في مواجهة الدعم السريع بدارفور”.

وذكرت في حديثها لـ”العرب” أن “الفاشر مسألة وجودية بالنسبة إلى الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش، ففي حال هزيمتها سيعد ذلك مؤشرا على قرب زوالها. وسكوت الحركات على قصف الجيش لمواقع تواجدت فيها هدفه الضغط عليه لتحشيد قواته لحماية المدينة من السقوط، لكن حال لم تكن هناك استجابة قوية من جانب القيادة العسكرية لن يكون مستغربا أن تتجه الحركات إلى التحالف مع الدعم السريع”.

ولا يستبعد بعض المتابعين للشأن السوداني حدوث تحولات غير متوقعة في سيناريو الحرب، فقبل عام ونصف العام كان الجيش والدعم السريع يتحالفان ضد الحركات المسلحة، ثم اختار الطرف الأخير أن يبقى على الحياد قبل أن يعلن انحيازه إلى الجيش فيما تظل بعض الحركات التي وقعت على اتفاق جوبا للسلام تقف على الحياد حتى الآن.

وقلل آدم والي القيادي بحركة تحرير السودان، جناح مني أركو مناوي، من تأثير الضربة الخاطئة للطيران الحربي على العلاقة بين الجيش والحركات المتحالفة معه، معتبرا أن الفاشر لها خصوصية تدفع إلى استمرار العلاقة بينهما بحثا عن تقويض خطر الدعم السريع، والانطلاق من المدينة نحو تحرير باقي ولايات دارفور.

وأشار والي في تصريح لـ”العرب” إلى أن الجيش والحركات المسلحة والدعم السريع قاموا بسحب عدد من القوات من مناطق الخرطوم والجزيرة وسنار نحو الفاشر مؤخرا، وأن عدم قدرة قوات الدعم السريع على السيطرة على المدينة طيلة الأشهر الأربعة الماضية يبرهن على أن آمال تحقيق نتائج إيجابية ضعيفة، لافتا إلى أن الجيش على موعد مع تلقي المزيد من الأسلحة والذخائر التي يمكن أن تحسم الحرب في المدينة.

وحسب ما نشرته وسائل إعلام محلية، فإن قوات الدعم السريع تقدمت الأيام الماضية نحو مواقع سيطرة الجيش والحركات المتحالفة معه، ووصلت إلى المستشفى الجنوبي، الذي كان يمثل عمقا لمواقع سيطرة الجيش والقوى المشتركة المتحالفة معه، غير أنها تراجعت بعد فترة وجيزة بفعل ضربات الطيران الحربي.

العرب

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك الخبر

إقرأ أيضا