آخر الأخبار

غلاء إيجارات المنازل يرهق السودانيين وسط الحرب

شارك الخبر

زاد استمرار الحرب في السودان متاعب الناس مع سوق الإسكان، حيث تسببت الأزمة الاقتصادية في ارتفاعات قياسية على مستوى إيجارات المنازل، وخاصة الأسر النازحة التي فقدت موارد دخلها، وأصبحت عاجزة عن توفير أبسط مستلزماتها المعيشية.

يشكل ارتفاع إيجارات المنازل في المناطق الآمنة في السودان معضلة تؤرق العديد من الأسر وخاصة تلك التي فرت من الحرب، حيث تزايد عدد النازحين في الداخل بشكل لافت منذ بداية العام الحالي ليبلغ نحو 7.9 مليون شخص.

وأجبرت الحرب التي اندلعت في منتصف أبريل 2023 ملايين السودانيين على الهرب من مناطق القتال باتجاه المدن الآمنة، وكان ذلك سببا رئيسيا في تفاقم أزمة السكن وارتفاع الإيجارات.

وفي منطقة كرري شمال مدينة أم درمان، والتي شكلت الوجهة الأولى لسكان العاصمة الخرطوم، يعتبر ارتفاع إيجارات المنازل عائقا أمام الراغبين في البقاء بالمنطقة.

ويشتكي العديد من النازحين إلى كرري، الواقعة تحت سيطرة الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان، من الارتفاع الكبير في الإيجارات وعدم توفر المساكن.

وقالت النازحة كوثر الخزين (49 عاما) لوكالة شينخوا “هناك معاناة كبيرة في ما يتصل بإيجارات المنازل، الأسعار مرتفعة بصورة مبالغ فيها”.

وأوضحت أن إيجار أي منزل حتى لو كان صغيرا مرتفع للغاية ولا يتناسب مع الظروف الحالية حيث تنعدم موارد الدخل.

تزايد الطلب علي المنازل والشقق والغرف الفندقية أدى إلى تضاعف الأسعار بشكل جنوني، خاصة في الخرطوم وبورتسودان

وتابعت “ثمة ما يشبه الاستغلال الآن من ملاك العقارات والوسطاء الذين يقومون بعملية منظمة لرفع سعر الإيجار وضمان حصولهم على ‘عمولة’ كبيرة”.

واضطرت كوثر إلى بيع جزء من أثاثها المنزلي وبعض الحلي لدفع إيجار منزل صغير من أجل إيواء أسرتها المكونة من ستة أفراد.

وقالت “لقد دفعت إيجار ثلاثة أشهر بعد أن قمت ببيع بعض الأثاث وحلي ذهبية، ولكن لا أعرف كيف سأتصرف بعد انتهاء المدة”.

وأشارت إلى أن الوضع صعب للغاية. وناشدت كوثر ملاك العقارات مراعاة الظروف الحالية، وعدم المغالاة في إيجارات المنازل.

وتتراوح إيجارات المنازل في كرري بين 600 ألف جنيه (1020 دولارا) ومليون جنيه (نحو 1700 دولار)، ما يعني أنها تضاعفت ما بين أربع وخمس مرات مقارنة بالعام الماضي.

ويبدو هذا المبلغ كبيرا للغاية بالنسبة إلى السودانيين، خاصة عقب انحدار قيمة الجنيه أمام الدولار، فضلا عن تدهور القدرة الشرائية للسودانيين.

وفي بداية 2023 أظهرت معاينات المتعاملين في السوق أن سعر إيجار مسكن شهريا في الخرطوم يتراوح بين 100 ألف جنيه و230 ألف جنيه (177 و400 دولار)، وأن سعر العقار في بعض الأحياء يصل إلى 300 ألف دولار.

وفي مدينة بورتسودان بشرقي البلاد، والتي باتت العاصمة الإدارية المؤقتة للسودان، سجلت أسعار إيجارات المنازل والشقق وحتى الفنادق أرقاما قياسية.

وقال محمد عبدالقادر، وهو صاحب وكالة عقارية في المدينة، “بسبب تزايد الطلب علي المنازل والشقق والغرف الفندقية، ارتفعت الأسعار وبلغت أرقاما لا تصدق”.

وأوضح أن أسعار إيجار الشقق السكنية وصلت إلى نحو 5 ملايين جنيه (8490 دولارا) شهريا، وأن أسعار إيجار المنازل الصغيرة تتراوح بين 1.5 مليون جنيه (2540 دولارا) ومليوني جنيه (قرابة 3400 دولار) شهريا.

أما بالنسبة إلى سعر إيجار غرفة واحدة في فنادق متوسطة المستوى فقد بلغ نحو 200 ألف جنيه (339 دولارا) يوميا.

ويرى عبدالقادر أن ارتفاع إيجارات المنازل يعود أساسا إلى ندرة المتوفر من العقارات بسبب الطلب الكبير والزيادة الهائلة في أعداد النازحين الذين اختاروا الاستقرار في بورتسودان.

وقال “من المعلوم أن غالبية المدن تعاني أصلا من شح في المساكن، وبورتسودان واحدة من تلك المدن التي تعاني كثافة سكانية حتى قبل اندلاع الحرب”.

وأضاف “الآن لا تتوفر منازل للإيجار، وهذا الوضع يدفع النازحين إلى اللجوء إلى بعض دور الإيواء التي خصصتها الحكومة، وخاصة المدارس”.

ويقول تجار وسماسرة عقارات إن أغلب المستهلكين يعانون من ضعف السيولة النقدية رغم أن أسعار العقارات مستقرة بعض الشيء لعدم وجود حركة كبيرة في السوق لأن الوضع الاقتصادي لا يسمح بزيادة الأسعار.

ارتفاع الإيجارات يترافق مع تدني دخل الأسر وانعدام فرص العمل، وتوقف صرف الرواتب لقطاعات واسعة في سوقي العمل العام والخاص

ويرى فيصل شمس الدين، وهو سمسار عقاري، أن الظروف الاقتصادية وإفرازات الحرب هي التي جعلت إيجارات المنازل مشكلة حقيقية.

وقال “الظروف الاقتصادية هي التي أجبرت أصحاب العقارات على رفع أسعار الإيجار، ومن المؤكد أن الوضع الاقتصادي الناتج عن الحرب يؤثر على الجميع”.

ويترافق ارتفاع إيجارات المنازل مع تدني دخل الأسر وانعدام فرص العمل، وتوقف صرف الرواتب لقطاعات واسعة في سوقي العمل العام والعمل الخاص.

ووفقا لإحصائيات رسمية أدت الحرب إلى ارتفاع معدل البطالة من 32.14 في المئة خلال عام 2022 إلى 45.96 في المئة خلال عام 2023، فيما لم تصدر بيانات بشأن العام الجاري.

وقال عبدالرحمن عوض، وهو موظف حكومي، “فقدنا وظائفنا بسبب الحرب، وهناك شح كبير في مصادر الدخل”. وأضاف أن الكثير من الناس يعانون من البطالة بسبب عدم توفر فرص العمل، وأن قطاعات واسعة لم تصرف لها الرواتب منذ بدء الحرب.

وتابع “هذا ما جعل الكثير من النازحين غير قادرين على دفع إيجارات المنازل التي تضاعفت عدة مرات، وبالتالي هذه أزمة إنسانية لا بد من معالجتها”.

وتسببت الحرب التي أكملت 17 شهرا في تفاقم خسائر السودان جراء التدمير الذي طال قطاعات إنتاجية عديدة، كما تراجع أداء الاقتصاد الكلي، مع تسجيل مؤشرات سلبية لمعدلات التضخم والبطالة والفقر وتراجع قيمة العملة المحلية.

وتواجه العملة السودانية تدهورا غير مسبوق في السوق الموازية، ووصل سعر الدولار إلى 2700 جنيه، فيما كان يبلغ قبل اندلاع الحرب نحو 600 جنيه.

أما الناتج المحلي الإجمالي فتراجع بنسبة 40 في المئة، كما تقلصت الإيرادات العامة بنسبة 75 في المئة، وارتفع معدل التضخم إلى 193.94 في المئة، وفقا لآخر بيانات مركز الإحصاء الحكومي في أغسطس الماضي.

وتتزايد التحذيرات من إمكانية تفشي المجاعة في مناطق من البلاد، ووفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) فإن نحو 25.6 مليون شخص، أي أكثر من نصف السكان، في مرحلة أزمة انعدام الأمن الغذائي أو أسوأ من ذلك.

لكن الحكومة السودانية تنفي وجود مجاعة في البلاد، وتصف التقارير عن المجاعة بأنها “مبالغ فيها”.

العرب

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك الخبر

إقرأ أيضا