فمن جهة، يشجع انخفاض أسعار الفائدة المزيد من المشترين على الدخول إلى السوق العقاري، حيث تتيح لهم القروض العقارية بأسعار فائدة أقل فرصة لامتلاك مسكن خاص. ويشير تقرير لـ "رايت موف" وهو أكبر موقع عقاري في بريطانيا، إلى ارتفاع ملحوظ في عدد المشترين المحتملين الذين يتواصلون مع وكلاء العقارات. من جهة أخرى، لا يزال عبء الرهن العقاري يثقل كاهل الكثيرين، خاصة مع تزايد تكاليف المعيشة.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل يؤدي خفض أسعار الفائدة إلى انتعاش مستدام في السوق العقاري البريطاني، أم أن هناك عوامل أخرى قد تعوق هذا الانتعاش؟

ذكر تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، اطلعت عليه سكاي نيوز عربية، أن الطلب على العقارات ارتفع في المملكة المتحدة بعد خفض أسعار الفائدة من قبل بنك إنجلترا في أغسطس الماضي، بينما انخفض متوسط سعر العقارات القادمة إلى السوق عن متوسط سعر يوليو الماضي، وفقًا لبيانات من "رايت موف"، الذي أشار إلى زيادة بنسبة 19 بالمئة في عدد المشترين المحتملين الذين اتصلوا بوكلاء العقارات بشأن المنازل المعروضة للبيع خلال شهر أغسطس مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي.

وقال الموقع العقاري: "إن خفض أسعار الفائدة الأول لبنك إنجلترا منذ أربع سنوات ساعد في تسريع انخفاض أسعار الرهن العقاري وساهم بشكل كبير في تحسين الطلب من جانب المشترين"، وفي الوقت نفسه، انخفض متوسط سعر الطلب للمسوقين الجدد بنسبة 1.5 بالمئة، أو 5،708 جنيهات إسترلينية (7،337 دولاراً) إلى 367،785 جنيهاً إسترلينياً، مما يتماشى مع المتوسط الطويل الأجل حيث انخفضت الأسعار من يوليو إلى أغسطس على مدار السنوات الثماني عشرة الماضية.

أسعار الرهن العقاري لاتزال مرتفعة

ونقلت الصحيفة الأميركية عن تيم بانستر مدير إدارة البيانات العقارية في "رايت موف": "على الرغم من أن أسعار الرهن العقاري لم تنخفض بشكل كبير بعد خفض أسعار الفائدة، فإن حقيقة أن الخفض الأول الذي تم التطلع إليه منذ فترة طويلة قد تم أخيراً، وأن أسعار الرهن العقاري تتجه نحو الانخفاض، أمر إيجابي لمشاعر أولئك الذين يخططون لشراء منزل".

ويرجح "رايت موف" زيادة أخرى في النشاط خلال الخريف بعد خفض أسعار الفائدة، وبالتالي، رفع توقعاته للعام بأكمله إلى زيادة بنسبة 1 بالمئة في أسعار الطلب الجديدة من البائعين، من انخفاض متوقع سابقاً بنسبة 1 بالمئة، ومع ذلك، على الرغم من أن المشترين والبائعين أكثر تفاؤلاً بشأن آفاق السوق، فإن أسعار الرهن العقاري لا تزال مرتفعة للغاية مقارنة ببضع سنوات مضت، مما يزيد من صعوبة تحمل التكاليف.

وأضاف بانستر إن المزيد من الخفض في أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي سيكون ضرورياً على الأرجح لرؤية انخفاض أكثر جوهرية في أسعار الرهن العقاري.

وخفض بنك إنجلترا، في بداية أغسطس الجاري معدل الفائدة الرئيسي بمقدار ربع نقطة مئوية إلى 5 بالمئة، وذلك لأول مرة منذ بداية جائحة كورونا مطلع عام 2020، بعد أن رفعها لأعلى مستوياتها منذ 16 عاما من أجل كبح التضخم.

وسجل التضخم أعلى مستوى له فوق 11 بالمئة نهاية عام 2022، في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، لكنه بلغ في يوليو الماضي 2.2 بالمئة، بعد أن استقر لمدة شهرين عند هدف بنك إنجلترا البالغ 2 بالمئة.

لا انتعاش في القطاع العقاري قبل انتهاء دورة خفض الفائدة

 وفي حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أكد الرئيس التنفيذي لمركز "كروم للدراسات الاستراتيجية" في لندن طارق الرفاعي أن خفض سعر الفائدة يُعتبر إشارة سلبية للاقتصاد، موضحاً أن هذا الإجراء يدل على أن الاقتصاد يمر بمرحلة تباطؤ، وأن البنك المركزي يسعى لتجنب حدوث ركود اقتصادي.

وقال الرفاعي: "عندما يخفض بنك إنجلترا سعر الفائدة، لا أعتقد أن هذا يعكس أي نوع من الانتعاش في القطاع العقاري، وذلك حتى تنتهي دورة خفض الفائدة".

وأوضح أن خفض الفائدة إلى 2 بالمئة ومن ثم التوقف عند هذا المستوى، قد يشكل بداية لانتعاش القطاع العقاري، ولكن قبل انتهاء هذه الدورة، يرى الرفاعي أن هذه المرحلة تُعتبر سلبية للاقتصاد.

وأضاف: "عندما يذكر تقرير (رايت موف) في بداية خفض الفائدة أن هناك زيادة في الطلب ورغبة المواطنين في البحث عن منازل، فهذا يمكن أن يحدث، ولكن مع تسارع وتيرة خفض الفائدة، سنشهد تباطؤاً في القطاع العقاري، فأي حركة حالية في القطاع العقاري تُعتبر مؤقتة، ولا أعتقد أننا سنرى انتعاشاً حقيقياً حتى نهاية العام أو العام القادم إذا استمر بنك إنجلترا في خفض الفائدة".

القدرة على تحمل تكاليف الإسكان لا تزال محدودة

من جهته، قال علي حمودي الخبير الاقتصادي، المختص في الشأن البريطاني، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "أدى أول خفض لأسعار الفائدة من جانب بنك إنجلترا في أربع سنوات إلى تحسن فوري في سوق العقارات بالمملكة المتحدة، حيث دفعت أسعار الرهن العقاري الأرخص المشترين إلى الشراء ودفعت أسعار المساكن إلى الارتفاع".

فقد خفض البنك أسعار الفائدة في الأول من أغسطس لأول مرة منذ بداية جائحة كوفيد، مما خفف الضغوط على الأسر بعد رفع تكاليف الاقتراض إلى أعلى مستوى منذ الأزمة المالية في عام 2008 لمعالجة التضخم المرتفع، بحسب حمودي، الذي توقع أن يتفاعل بنك إنجلترا مع تلاشي الضغوط التضخمية بخفض أسعار الفائدة بشكل أكبر، ربما إلى 3.5 بالمئة بحلول نهاية العام المقبل.

لكنه، رجح أن يبقي بنك إنجلترا أسعار الفائدة ثابتة في اجتماعه المقبل في سبتمبر قبل إعادة بدء تخفيضات تكاليف الاقتراض في نوفمبر المقبل.

وأضاف الخبير الاقتصادي حمودي: "لا شك أن النشاط تباطأ في الفترة التي سبقت الانتخابات العامة على الرغم من النتيجة التي لم تكن مفاجأة كبيرة للبلاد. ومع انتهاء الانتخابات الآن، نشهد تحسنًا في مشاركة المشترين مع تزايد اليقين في المشهدين السياسي والاقتصادي، ومع ذلك، دعونا لا ننسى أن تكاليف الاقتراض لا تزال أعلى مما كانت عليه قبل ثلاث سنوات، في حين تظل القدرة على تحمل تكاليف الإسكان محدودة بالنسبة لملايين الأسر لذلك فإن الأسواق تتوقع خفضاً إضافياً في عام 2024، مما يعني أن أحجام المعاملات يجب أن تكون أقوى هذا الخريف مقارنة بالعام الماضي".

ومع ذلك، يرى المختص بالشأن البريطاني أن حالة عدم اليقين المحيطة بميزانية المملكة المتحدة وموجة الأشخاص الذين يتخلصون من صفقات الرهن العقاري الثابتة المواتية ستبقي نمو الأسعار معتدلاً للغاية، مع التوقعات بأن يبلغ نمو أسعار المساكن 3 بالمئة في المملكة المتحدة هذا العام.