آخر الأخبار

اليمن والعثمانيون.. جذور التأثير التركي في الموسيقى اليمنية

شارك الخبر

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على الرابط أعلاه للمشاهدة على الموقع الرسمي

أثارت أغنية يمنية قبل أكثر من عام جدلا بسبب لحنها المأخوذ عن أغنية تركية قديمة. مسألة تدعو لإعادة النظر في الرواية السائدة حول طبيعة التأثير التركي على الموسيقى اليمنية.

وكان الفنان علي الآنسي (1933-1981) سجل الأغنية في القرن الماضي، وظلت تُنسب له لحنا وكلمات. لكن فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، كشف أن لحنها مأخوذ من أغنية "iki Keklik" وتعني "حجلان يغنيان". وهي من أغاني الرثاء الشعبية، وتروي قصة أم بعد معرفتها بسقوط ابنها في بئر وموته. وكما هو شائع هناك، تنتسب الأغنية لقرية غور الواقعة في محافظة بالق آسير المطلة على بحر مرمرة.

لكن من أي مصدر محلي التقط الآنسي هذا اللحن؟ على الأرجح لم ينسبه لنفسه، فليس هناك ما يؤكد قيامه بذلك. وكما يبدو ظلت الأغنية مُستعملة في اليمن، كواحدة من الأغاني الشعبية، التي تعرض بعضها للاندثار. ذلك ما يؤكده التحوير الشعبي لأداء اللحن، بعد ان انتُزع عنه التنغيم الترنيمي الحافل به اللحن الأصلي.

هل كانت تُردد بين الجنود الأتراك لرثاء أصدقائهم المقربين، الذين سقطوا أثناء قتالهم مع اليمنيين؟ أم أنها أخذت طريقها بين الجنود اليمنيين، بتأثير من تبقى من الأتراك، الذين جندهم الإمام بعد خروج العثمانيين؟ فما كان شائعا ومُتاحا من الموسيقى التركية يعود بدرجة أساسية للمارشات وما تعزفه الفرق الموسيقية العسكرية.

غناء الموشح

ظل اليمنيين يتقبلون جوانب تأثير تركي، تتعلق ببعض الأكلات الشعبية والحلويات وبعض المفردات الدارجة. عدا أنهم رفضوا تناول هذا الجانب ضمن موروثهم الغنائي، الذي يعتبرونه مصدر فخر وطني. لكن تلك المرويات السائدة تتعرض للتقويض، خصوصا أن انتقال مؤثرات خارجية سمة لا تخلو منها أي ثقافة موسيقية.

والعلاقة بين الثقافتين الموسيقيتين، بمضمونها الواسع، لا تقتصر على وجود تأثير ذي مسار واحد، إنما تأثير متبادل. فعندما أصبح اليمن جزءا من الإمبراطورية العثمانية، كان لا يزال على اتصال بأزهى فتراته الموسيقية التي تعود إلى عهد الدولة الرسولية (1229-1453).

وهو العهد المُرتبط بظهور الموشح "الحُميني" في اليمن، الذي أصبح مقترنا بتراث الغناء الصنعاني، فأول موشح "حُميني" ما زال مستعملا في الغناء الصنعاني يعود إلى الشاعر أحمد بن فليتة (ت 1331)، وذاع صيته خلال حكم الملك الرسولي المجاهد.

وقالب الموشح جاء إلى اليمن، بحسب الدكتور محمد عبده غانم، عن طريق الأيوبيين الذين حكموا اليمن ما بين (1173-1229). لكنه اتخذ خصوصية محلية، بكونه مزيجا بين الدارج والفصيح. وأصبح شعر الغناء في البلاط الرسولي، وفي غناء التكيات الصوفية.

وهذا الغناء الذي انتشر على نطاق واسع في تهامة وتعز وعدن، وانحسر مع اندثار دولة بني رسول في اليمن. حاز شكلا من رعاية العثمانيين، سواء من خلال الحفلات الموسيقية التي كان الحاكم التركي يقيمها في صنعاء. أو رعايتهم الجماعات الصوفية التي حافظت على ممارسة الإنشاد الديني إلى اليوم.

من ناحية أخرى، تمتاز الموسيقى التركية التقليدية بثراء ناتج عن تنوع مصادرها، واتصالها بثقافات متعددة على نطاق انتشار الإمبراطورية العثمانية. بحيث أثرت في مناطق سيطرتها، بما في ذلك اليمن، ونقلت من ثقافاتها الموسيقية.

وهناك قصة أوردها الفنان محمد مرشد ناجي في كتابه "الغناء اليمني القديم ومشاهيره" نقلها عن شاهد عاصر الوجود العثماني في اليمن. وتحديدا العهد العثماني الثاني في اليمن، الذي انتهى بعد توقيع صُلح دعان مع الإمام يحيى، وخروجهم عام 1919.

تقول الرواية إن أحد الضباط الأتراك الذين يعملون ضمن الفرقة العسكرية التركية جذب اهتمامه غناء امرأة، وأنه أخذها إلى جبل نقم، أحد الجبال المحيطة بصنعاء، وتركها تغني ليدون نغماتها على النوتة. ثم لاحقا سمعوا اللحن ضمن المعزوفات العسكرية. وبخلاف ما إن كانت القصة حدثت بالفعل أو لم تحدث، لا يُستبعد أن الأتراك نقلوا بعض الألحان اليمنية.

الإشارة الأولى حول التأثير التركي

تعود أول وثيقة تتحدث عن وجود تأثير تركي في الغناء الصنعاني إلى كتاب "شعر الغناء الصنعاني" للدكتور محمد عبده غانم. وهي دراسة نال عنها الدكتوراه عام 1968 من جامعة لندن، ثم صدرت عام 1970 في كتاب يحمل هذا العنوان.

استنتج غانم في دراسته أن الأتراك ساهموا في تطوير الموسيقى اليمنية، مستدلا بما رواه عيسى بن لطف الله، حفيد المطهر بن شرف الدين، على إقامة حفلات موسيقية في بيت الحاكم التركي بصنعاء. وأن مساهمتهم لم تكن قاصرة على تلك الحفلات، إنما "كانت كما يبدو تشمل التجديد والتنويع الناشئين عن إدخال العنصر التركي في التأليف الموسيقي اليمني".

يستند غانم في ذلك إلى ملاحظات دونها عيسى لطف الله، ضمن ديوان "مبيتات وموشحات"، الذي جمع فيه موشحات قريبه الشاعر "محمد بن شرف الدين". ومن بين ما أشار إليه عن المخطوطة، أن حفلات الحاكم التركي استضافت مغنين يمنيين، وشهدت عزفا على العود. مضيفا أن ما يماثل تلك الحفلات "كان يقيمها أفراد البيت الزيدي الحاكم".

لا شك أن المخطوطة تضمنت إشارة إلى جلسة إنشاد ديني شهدت أجواء عائلية. ولا نعرف ما إن كانت تلك الجلسات ممرا لنفاذ مؤثرات صوفية غنائية عبر تلك الأسرة. وهو ما يمكن ملاحظته في الألحان الدينية المشتركة بين أناشيد صنعاء، وما ينشده المتصوفة اليمنيين من تهامة وحتى حضرموت.

وكان الإمام المنصور القاسم العياني، الذي صعد بعد انحسار حكم أسرة شرف الدين في اليمن، انتقد ما اعتبره نزوعا صوفيا لدى محمد بن شرف الدين. ومعروف أن التصوف منبوذ دينيا في العقيدة الزيدية التي يمثلها الإمام. بخلاف ما يحمل ذلك من اتهام لتلك الأسرة بميولها للأتراك، المعروفين برعاية التصوف.

نقل المركز السياسي والغنائي

ويبدو أن التأثير التركي كان وراء ما تضمنته إشارات عيسى لطف الله عن الموسيقى، إذ إنها من الأشياء النادرة في كتابات التراث اليمني، خصوصا في التراث الزيدي.

وهذا يكشف لنا عن طبيعة تأثير يرتبط بسياق عام محلي، وربما حفز هذا التأثير ظهور أول شاعر يمني يستعمل اللهجة الصنعانية في الموشح "الحُميني". ثم أصبح هذا الفن المتصل بالغناء في اليمن منسوبا لمركز إنتاجه شعرا وغناء.

ولعل الأتراك لعبوا دورا في نقل المركز السياسي والثقافي إلى صنعاء، بعد أن نافستها مراكز أخرى مثل تعز وزبيد. كما أن الحفلات الموسيقية التي حظيت برعاية الأتراك في صنعاء لعبت دورا في تشكل هذا المركز.

قبل ظهور الأتراك، ظهر شاعر حُميني ينتسب إلى صنعاء من حيث الولادة والنشأة، لكنه أصبح أحد مشايخ الصوفية في محل إقامته بتعز، التي توفي فيها عام 1525، وصاغ شعره الحُميني بلهجتها، كونها كانت حتى ذلك الوقت لهجة مُستعملة في هذا الفن.

ينتسب محمد بن شرف الدين إلى أسرة حكم زيدية، فجده الإمام شرف الدين وعمه الإ ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك الخبر

إقرأ أيضا