آخر الأخبار

 السلام بالقوة.. وهم خطير

شارك

بعد سنتين من الحرب المدمّرة التي شنّتها إسرائيل على غزة والضفة الغربية، يبدو واضحًا أنّ النصر الذي كان يطمح إليه نتنياهو لم يتحقق، بل ازدادت أزماته الداخلية تعقيدًا، فحاول الهروب إلى الأمام عبر تصعيد عسكري لا طائل منه سوى المزيد من الدماء والدمار.

في هذا السياق، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خطابه حول وقف إطلاق النار في غزة أنّه "سيواصل الترويج للسلام عبر القوة"، وهي عبارة تفتح بابًا واسعًا من الأسئلة حول إمكانيّة فرض السلام عنوة، وكأنّ السلاح والعنف يمكن أن يخلقا تفاهمًا أو يقيمَا عدلًا.

لقد أثبت التاريخ الحديث أنّ القوة لم تَجلب سلامًا حقيقيًا في أي مكان: لا في فيتنام، ولا في أفغانستان، ولا في العراق، ولا في سوريا أو ليبيا أو اليمن. جميعها محاولات فاشلة لفرض واقع سياسي بالقهر العسكري، سرعان ما انهار بمجرد زوال الضغط، تاركًا وراءه فوضى ودمارًا وبذورًا لصراعاتٍ جديدة.

الولايات المتحدة وإسرائيل دأبتا على بيع الأوهام باسم "السلام"، وتقديم حلول شكلية مثل "اتفاقيات إبراهام" المثيرة للجدل . غير أنّ هذه الأوهام سقطت أمام واقع الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، واحتلالها أراضٍ سورية، وتهديدها المستمر للبنان، ورفضها القاطع لأي حل يقوم على "حل الدولتين"، بل وانغماس بعض قادتها في استحضار روايات دينية توسعية عن "إسرائيل الكبرى" الممتدة من النيل إلى الفرات.

إنّ فرض السلام بالقوة لا يؤدي إلى استقرار حقيقي، بل إلى نظامٍ مصطنعٍ هشّ، يُجمّد الصراع مؤقتًا لكنه يزرع بذور الكراهية والانتقام. فالقوة قد تُسكت بعض الأصوات، لكنها لا تُطفئ الغضب الكامن في النفوس، ولا تُقيم عدلًا. وهكذا يصبح ما يُسمّى "سلامًا" مجرّد قناعٍ لتكريس التسلّط، ومسرحًا يتنمّر فيه الأقوياء على الضعفاء بدلًا من أن يُعزز التفاهم والمصالحة.

لقد تحوّلت إسرائيل، بسياساتها العدوانية الأخيرة، إلى بؤرة خطيرة تهدد استقرار المنطقة ومستقبلها . صور المقابر الجماعية، والأطفال المحترقين تحت الأنقاض، وطوابير النازحين، ومشاهد التهجير القسري، كلّها كشفت زيف الادعاءات بأنّ القوة يمكن أن تصنع سلامًا.
يقول المثل الشائع : " انك تستطيع ان تقود الحصان إلى النهر، ولكنك لا تستطيع أجباره على ان يشرب."

فالسلام الحقيقي لا يُفرض، بل يُبنى على العدالة والاحترام المتبادل. أمّا الادعاء بأنّ السلام يمكن أن يُفرض على العرب بالقوة فهو انعكاس لنظرة استعلائية معادية، تنكر حقوق الشعوب وتتجاوز سيادتها .

وقد عبّر الاتحاد الأوروبي عن هذا الموقف بوضوح، إذ أكّد ممثلوه أنّ "السلام لا يمكن فرضه بالوسائل العسكرية، بل يجب أن يكون نتيجةً للمفاوضات". وأعربت إسبانيا ودول أوروبية أخرى عن أسفها الشديد لما خلّفته الحرب من ضحايا أبرياء ودمارٍ للبنية التحتية، مشددة على ضرورة إطلاق عملية سلام حقيقية برعاية الأمم المتحدة والدول العربية الفاعلة.

ستبقى ذاكرة الإنسانية طويلًا تحمل ما جرى في غزة كوصمة عارٍ على جبين من استخدموا "السلام" ذريعةً للكراهية واللاإنسانية. فالقوة لا تُنتج إلا عنفًا جديدًا . وكما قال ألبرت أينشتاين: "لا يمكن فرض السلام بالقوة، وإنما يتحقق فقط من خلال التفاهم المتبادل."

إنّ فكرة "السلام بالقوة" التي يروّج لها ترامب ونتنياهو ليست سوى قناعٍ جديدٍ للحرب، إذ يُستخدم شعار "السلام" لتبرير استمرار الصراع، لا لإنهائه. فإجبار الآخرين على التصالح ليس سلامًا، بل إكراهٌ وإلغاءٌ للحرية والإرادة.

السلام الحقيقي في الشرق الأوسط لن يتحقق إلا عبر استئناف المفاوضات الجادة على أساس حلّ الدولتين، وضمن إطارٍ قانوني يحفظ الحقوق والسيادة، ويستند إلى قرارات الشرعية الدولية. وعلى العرب أن يتحركوا بجدية على الساحة الدولية، ويضغطوا عبر الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية لفرض مسار سلام عادل وملزم.

فالسلام الذي يُباع دون عدالةٍ أو كرامةٍ ليس سلامًا، بل خدعة سياسية تُجمّل وجه الاحتلال وتُكرّس الظلم. وكما قال الشاعر العربي:
لا تأمننَّ قوماً ظلمتهمُ وبدأتَهمُ بالشتمِ والرَّغمِ .

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا