نتنياهو وخطاب تكرار الذات في واقع متغيّر بتسارُع
امير مخول - مركز تقدم للسياسات
شكلت تظاهرة الانسحاب الجماعي لوفود غالبية دول العالم بالتزامن صعود نتنياهو الى منصة الامم المتحدة بمثابة تجسيد ساطع للعزلة التي بلغتها دولة اسرائيل. نتنياهو المعروف بقدراته الخطابية بات شاحبا امام الواقع وامام شعوب العالم وبلدانه وامام المظاهرة الحاشدة امام مقر الامم المتحدة والتي تطالب بمحاكمته. فيما عزز جوهر الخطاب هذه العزلة وفقدان القدرة على التأثير على التحولات في المواقف الدولية وتضعضع الرواية التي اتى بها.
فيما أن ما ورد في خطابه باعتبار دولة فلسطينية تعني انتحارا لاسرائيل يزيد بدوره من عزلته باعتبار ان موقف دول العالم يقول ان الضحية هم الفلسطينيين، ويطرح حل الدولتين بخلاف خطاب نتنياهو القائل "إما نحن او هم" والذي استعان بالاجماع القومي الصهيوني مع المعارضة والذي تجلى بتصويت 99 عضو كنيست ضد الدولة الفلسطينية.
رغم التصريحات غير المعدودة والتي نطق بها نتنياهو ووزرائه بالاعلان الفوري عن ضم الضفة الغربية وتقويض السلطة الفلسطينية واستيطان غزة في حال اعترفت دول العالم بدولة فلسطين، الا أنه تراجع ولم يذكر بكلمة مسألة الضم او بسط السيادة او الاستيطان.
ما قد يكون الأهم في قراءة الخطاب وبعيدا عن لهجته وسرديته الا ان نتنياهو في الجوهر لم يتمرد على ما ورد في خطة ترامب بتاتا وإطار الصيغة الامريكية المستندة الى الصيغة المصرية العربية، والتي تبدو نافدة أكثر من قبل.
لم يصدر عن الصهيونية الدينية وأقصى اليمين تصريحات بعد الخطاب نظرا لقدسية ليلة السبت حسب الديانة اليهودية، لكن بتقديرنا فإن اكثر القلقين من الخطاب هم اقصى اليمين الاسراىيلي الذين يقرؤونه على انه خطاب انهزامي ومتهادن لم يذكر الضم ولا السيادة ولا تقويض السلطة وتوسيع الاستيطان.
وجّه نتنياهو خطابه الى جمهورين واحد هو ترامب وادارته وقاعدته الانتخابية من الانجيليين في مسعى للتركيز على ان المستهدف هو اليهود واليهودية والمسيحية في مسعى للحض على حرب الحضارات وليطرح بأن اسرائيل وجيشها في طليعتها ضد الاسلام والعرب والفلسطينيين باعتبارهم يريدون القضاء على اليهود وعلى الحضارة الغربية، واعتبر الدولة الفلسطينية تهديدا وجوديا لليهود. اما الجمهور الاخر فهو قاعدته الانتخابية من أقصى اليمين الاسرائيلي. يبدو انه لم ينجح في تحقيق مآربه.
شكلت العملية العسكرية التي فرضها على الجيش في تثبيت اجهزة ومكبرات صوت في داخل قطاع غزة تبث خطابه ويخاطب من خلالها كما سعى الاسرى والمحتجزين الاسرائيليين بمثابة سهم مرتد عليه سياسيا، اذ رفضتها عائلات الاسرى والمحتجزين التي طالبته بالانصياع لوقف الحرب والصفقة كي ينقذهم وليس باستخدامهم في آلته الاعلامية.
بدوره أطلق الاعلام الاسرائيلي على خطاب نتنياهو توصيف "خطاب مكبرات الصوت" في اشارة الى مكبرات الصوت التي فرضها نتنياهو ليتضح لاحقا ان الجيش عارضها بشدة لكنه انصاع للاوامر. وقد باتت مبعث سخرية واستهزاء واسعين وفي المقابل مبعث قلق فيه مؤشرات لعدم الاتزان والارتباك. كما ومع مرور الساعات يتضح اعلاميا بأن نتنياهو قد أخفق في خطابه الذي شكل الخطاب "الأضعف وفاقد الافق" قياسا بكل خطاباته السابقة، مما يعكس وضعية اسرائيل وليس نتنياهو فحسب.
فيما تعرض نتنياهو لانتقادات شديدة اللهجة من مصادر دبلوماسية اسرائيلية اعتبرت ان تهجمات نتنياهو على الدول الاوروبية الكبرى مثيرة للتساؤلات، واشارت هذه الاوساط الى الضرر الحاصل من خطاب نتنياهو في هذا الصدد والذي يزيد من عزلة اسرائيل مؤكدين ان نتنياهو يتعامل مع نفسه كما لو كان رئيس الولايات المتحدة "وهو ليس كذلك".
في الخلاصة:
• يفقد نتنياهو مقومات روايته امام العالم وامام الاسرائيليين، وباتت عزلته وعزلة اسرائيل مرئيّة داخليا وخارجيا.
• بغض النظر عن نواياه لم يتحدى نتنياهو الموقف العربي والدولي ولا الصيغة الامريكية الاخيرة، ويبدو انه اما اعتراف بحدود القوة والسطوة، وإما انه كان علم مسبق بصيغة ترامب المستندة الى الصيغة المصرية العربية بصدد وقف الحرب واعادة الاعمار وادارة غزة، ولا يملك القدرة على اعتراضها.
• يبقى القرار الاسرائيلي بوقف الحرب بيد ترامب وادارته حيث أن وعوده امام القادة العرب والمسلمين تخضع لامتحان المصداقية الفعلي على ارض الواقع.
• لا يزال الحدث الدولي الاكبر والذي يمثل التحولات الحقيقة هو حملة الاعترافات بدولة فلسطين وبدءأً من وقف حرب الابادة على غزة، وعلى هامش هذه التحولات يمكن النظر الى خطاب نتنياهو.