آخر الأخبار

الخارطة السياسية الإسرائيلية: تشرذم المركز يسار.. صعود اليمين.. وتجاهل الأحزاب العربية/ بقلم: محمد دراوشة

شارك

تشير نتائج استطلاع صحيفة معاريف الأخير إلى حالة من الغليان داخل الخارطة السياسية الإسرائيلية، لكن ما هو أخطر من الأرقام هو الاتجاهات البنيوية التي تتشكل في العمق: تشرذم متواصل في معسكر المركز يسار، مقابل تنظيم متماسك ومتطرف في معسكر اليمين، وانفصال شبه كامل للأحزاب العربية عن أي مشروع وطني جامع.

في معسكر المركز يسار، لا تزال الأحزاب تتصارع على فتات المقاعد، وتغرق في حسابات شخصية ضيقة، وتفتقر إلى قيادة موحدة أو رؤية استراتيجية قادرة على مواجهة اليمين. هذا التشرذم لا يهدد فقط فرص الفوز في الانتخابات، بل يهدد فكرة التوازن السياسي في إسرائيل. فالمعسكر الذي يفترض أن يحمل راية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، يبدو اليوم عاجزًا عن تقديم بديل حقيقي، ويترك الساحة مفتوحة أمام اليمين الذي يزداد تطرفًا وتنظيمًا.

اليمين الإسرائيلي، بقيادة أحزاب قومية ودينية، لا يخفي نواياه. هو يسعى إلى تغيير قواعد اللعبة السياسية، وتفكيك مؤسسات الرقابة، والسيطرة على القضاء، وتوسيع الاستيطان، وتكريس الاحتلال. شهيته للبقاء في الحكم لا تعرف حدودًا، وهو مستعد لتقويض أسس الديمقراطية من أجل ضمان استمراريته.

أما الأحزاب العربية، فهي تعيش في عالم موازٍ. رغم إدراكها لحجم التحديات التي تواجه المجتمع العربي، لا تزال عاجزة عن الاتفاق على قائمة واحدة، أو مشروع سياسي موحد. الانقسامات الأيديولوجية، والتنافسات الشخصية، وغياب الثقة، كلها عوامل تجعل هذه الأحزاب أقرب إلى أدوات رمزية منها إلى قوى فاعلة. لا يمكن الحديث عن تأثير عربي حقيقي في السياسة الإسرائيلية دون وحدة صف، ودون رؤية تراكمية تسعى إلى تحقيق الأهداف العليا للمجتمع العربي، حتى لو على مراحل.

وفي ظل هذا المشهد، يبقى الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال هو الضحية الأكبر. حكومات اليمين تمارس سياسات قمعية وتوسعية، وتزيد من وتيرة الاستيطان، وتشرعن العنف، وتغلق أبواب الأمل أمام أي حل عادل. الاحتلال لم يعد مجرد واقع سياسي، بل تحول إلى منظومة قهر ممنهجة، تُدار من قبل حكومة ترى في استمرار السيطرة وسيلة للبقاء السياسي.

ما يحدث اليوم ليس مجرد أزمة انتخابية، بل أزمة هوية سياسية. إذا استمر تشرذم المركز يسار، وإذا بقيت الأحزاب العربية غارقة في خلافاتها، فإن اليمين سيواصل صعوده، وسيواصل إعادة تشكيل إسرائيل على صورته، دون رادع أو توازن. والمحصلة: ديمقراطية في انكماش متتابع، مجتمع عربي مهمّش، وشعب فلسطيني يرزح تحت احتلال همجي يزداد بطشًا يومًا بعد يوم.

لقد آن الأوان لإعادة التفكير في قواعد اللعبة، وبناء تحالفات جديدة، وتوحيد الصفوف، قبل أن يصبح التغيير مستحيلًا.

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا