آخر الأخبار

روما تعلن تحولًا استراتيجيًا في علاقاتها مع الجزائر… من سوق للسلع إلى قاعدة للإنتاج المشترك

شارك
بواسطة محمد،قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد،قادري

روما تعلن تحولًا استراتيجيًا في علاقاتها مع الجزائر… من سوق للسلع إلى قاعدة للإنتاج المشترك

الجزائرالٱن _ تقدم تصريحات السفير الإيطالي ألبرتو كوتيلو لمجلة الدبلوماسية الاقتصادية التابعة لوزارة الخارجية الإيطالية ملامح تصور شامل لطبيعة التحول الاقتصادي الذي تعيشه الجزائر، كما تراه روما. فإيطاليا لم تعد تنظر إلى الجزائر كوجهة لبيع السلع، بل كفضاء مفتوح للاستثمار المنتج في الصناعة والزراعة والطاقة، بما يشمل المشاريع الكبرى والمبادرات التكنولوجية المتقدمة. هذا التحول يدفع السفير إلى التأكيد بأن الجزائر “لا تبحث عن مورّدين بل عن شركاء”، وهي إشارة مباشرة إلى رغبة البلد في تأسيس علاقات قائمة على الإنتاج المحلي المشترك ونقل المعرفة بدل الاعتماد على الواردات الجاهزة. وتستند روما في هذه الرؤية إلى حضور نحو 200 شركة إيطالية في السوق الجزائرية، بإجمالي استثمارات بلغ 8.6 مليار أورو خلال 2024.

تنويع اقتصادي يلتقي مع العرض الصناعي الإيطالي

يربط السفير بين سياسة التنويع الاقتصادي التي تباشرها الجزائر وبين ما يمكن أن تقدمه الشركات الإيطالية، خصوصًا في مجالات تتقدم فيها خبرتها عالميًا. ورغم أن الطاقة ما تزال محورًا رئيسيًا في المبادلات، فإن روما توسع تعاونها ليشمل الفوسفات، الطاقات المتجددة، البنى التحتية الكهربائية، والهيدروجين الأخضر. وتبرز مشاريع مثل SouthH2 وMedlink كمسارات استراتيجية تربط شمال إفريقيا بالأسواق الأوروبية عبر الهيدروجين الأخضر والكهرباء المتجددة.

التحول الرقمي: نحو ربط جديد بين ضفتي المتوسط

يمتد التعاون بين البلدين إلى البنية الرقمية التي يؤكد السفير أنها ستكون أحد أعمدة المرحلة المقبلة. فمشروع الكابل الرقمي الجديد بين الجزائر وأوروبا، الذي أعلنته “سباركل” و”اتصالات الجزائر”، يمثل نقلة نوعية تجعل العلاقات الثنائية تتجاوز خطوط الغاز والكهرباء إلى مسارات نقل البيانات، بما يعزز موقع الجزائر في شبكة الاتصالات المتوسطية.

أولويات صناعية في قلب الاستراتيجية الجديدة

تعتمد رؤية روما على تحديد قطاعات تراها محورية في الاقتصاد الجزائري الناشئ:

ـ الصناعة المتقدمة وصناعة السيارات بنسب إدماج ترتفع تدريجيًا، مع مثال مصانع “ستيلانتيس” التي تستهدف إنتاج 90 ألف سيارة سنويًا بحلول 2026.

ـ الصناعة الصيدلانية بمقاربات إنتاجية محلية.

ـ صناعة الدفاع والنقل والتكنولوجيا.

ـ الصناعات الزراعية–الغذائية المصنفة كقطاع استراتيجي وطني.

ويؤكد السفير أن الهدف الجزائري هو تحقيق اكتفاء ذاتي تدريجي في المواد الاستهلاكية عبر تطوير الإنتاج المحلي، بما يتطلب شراكات قائمة على إنشاء المصانع ونقل التكنولوجيا وتكوين الموارد البشرية.

الزراعة الصحراوية والتكوين: مشاريع تحمل بصمة خطة ماتي

تُعد الجزائر، وفق رؤية روما، بلدًا نموذجيًا في تنفيذ خطة ماتي الموجهة لإفريقيا. ويبرز في هذا الإطار مشروع استصلاح مساحات واسعة من الأراضي الصحراوية لزراعة الحبوب والبقوليات تحت إدارة مجموعة Bonifiche Ferraresi، ما يحول الصحراء إلى رصيد استراتيجي يحد من التبعية للواردات الغذائية. ويرتبط بهذا المشروع إنشاء قطب تكوين مهني في سيدي بلعباس يحمل اسم “إنريكو ماتي”، موجه ليس فقط للجزائر بل لدول الساحل وإفريقيا، بما يرسخ بنية معرفية طويلة الأمد.

نحو سلسلة قيمة صناعية متكاملة في السيارات

لا يقتصر الاهتمام الإيطالي بصناعة السيارات على خطوط الإنتاج، بل يتعداه إلى تطوير شبكة من المناولين المحليين والأجانب، خاصة في مجالات قطع الغيار والمكونات البلاستيكية. هذه الشبكة تُعد أساسًا لبناء سلسلة قيمة صناعية تمتد على جانبي المتوسط، وتضع الجزائر في موقع مصنع إقليمي رئيسي.

معادن، رخام، وحلول تكنولوجية جديدة

ينتقل السفير إلى القطاعات المعدنية، حيث يرى أن الجزائر تحتاج إلى نقلة تكنولوجية في مجالات الحديد والصلب والمعادن، بما يشمل الأتمتة والروبوتيك ومعالجة النفايات الصناعية. ويكشف عن مشروع مركز تكنولوجي مشترك بين وكالة ICE و”سونارام إتتكواين” لتكوين العمال في قطاع الرخام والأحجار التزيينية باستخدام أحدث الآلات الإيطالية. هذا التعاون يهدف إلى بناء قدرات محلية بدل الاكتفاء بالاستيراد.

الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر: ملفات استراتيجية للمستقبل

تعود روما لتؤكد أن الجزائر تملك واحدًا من أكبر الإمكانات الشمسية في المتوسط، مع خطة وطنية تستهدف تركيب 15 ألف ميغاواط من الطاقات المتجددة بحلول 2035. كما تخطط لاستثمار ما بين 20 و25 مليار دولار في الهيدروجين الأخضر. وهنا تبرز أهمية مشاريع الربط مع أوروبا، التي تحوّل الجزائر إلى مصدر رئيسي للطاقة النظيفة.

نظام بيئي صناعي جديد قائم على الشراكة ونقل المعرفة

يسجل السفير توسع حضور الشركات الإيطالية في الجزائر ليشمل البنى التحتية والنقل والدفاع والصناعات التحويلية والصيدلانية والزراعية–الغذائية. ويشير إلى أن الطلب الجزائري لم يعد يقتصر على المنتجات الجاهزة، بل على حلول إنتاجية كاملة تقوم على الاستثمار المشترك وبناء المصانع وتطوير الكفاءات.

شراكات أفقية تصنع المستقبل الصناعي

في ختام رؤيته، يوضح كوتيلو أن النجاح يتوقف على عنصرين:

ـ نقل الخبرة والمعرفة.

ـ الاستثمار المباشر في مشاريع محلية.

ويعتبر أن تشابه النسيج الاقتصادي في البلدين، القائم على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، يوفر قاعدة طبيعية لشراكات أفقية تعزز القاعدة الصناعية للجزائر.

ويبدو أنّ التصور الإيطالي للشراكة مع الجزائر يبدأ من الهيدروجين الأخضر إلى الكابلات الرقمية، ومن الزراعة الصحراوية إلى مصانع السيارات والرخام، ترسم روما صورة لشراكة تتطور نحو نمط جديد قائم على الإنتاج المشترك ونقل التكنولوجيا. وبقدر ما تبحث الجزائر عن شركاء حقيقيين، تسعى إيطاليا إلى تثبيت موقعها كأول شريك أوروبي في هذا التحول العميق.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا