آخر الأخبار

زيارة ديكوست إلى الجزائر .. دبلوماسية الخطوات الصغيرة بعد عاصفة 18 شهرًا

شارك
بواسطة محمد قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد قادري

● زيارة ديكوست إلى الجزائر .. دبلوماسية الخطوات الصغيرة بعد عاصفة 18 شهرًا

الجزائر الآن _ قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية أنّ آن ماري ديكوست، الأمينة العامة لوزارة الخارجية الفرنسية ستصل الجزائر مساء اليوم الخميس، في زيارة وصفها خبراء بأنّها “خطوة دبلوماسية صغيرة بعد عاصفة دامت 18 شهرًا من التوتر العميق”.

وتأتي هذه الزيارة بعد الأزمة التي تفجرت في جوان 2024، عندما دعم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطة الحكم الذاتي المغربية المزعومة للصحراء الغربية، وهو ما اعتبرته الجزائر تحولًا استراتيجيًا يستهدف مصالحها الإقليمية ويضعف موقف جبهة البوليساريو.

وتشكل هذه الزيارة بداية عملية التهدئة التي بدأت بمؤشرات أولى، أبرزها الإفراج عن الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال في نوفمبر 2024، وهي خطوة تمثل “إشارة جدية لإمكانية إعادة بناء الثقة بين الطرفين”، بحسب الخبراء.

● الأزمة الطويلة ومرحلة التهدئة

في تصريحاته للصحيفة الكترونية “ الجزائر الآن“، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية أحمد عقابو إن “زيارة ديكوست ليست مجرد زيارة بروتوكولية، بل محطة فارقة بعد أسوأ 18 شهرًا مرت على العلاقات الجزائرية الفرنسية منذ الاستقلال”.

وأضاف: “الأزمة تفجرت بعد دعم ماكرون لخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية، وهو ما اعتبرته الجزائر تهديدًا مباشرًا لمصالحها الإقليمية وللجهود التي دعمتها لعقود لصالح جبهة البوليساريو”.

مصدر الصورة

وشدد على أن الإفراج عن بوعلام صنصال في 12 نوفمبر كان “مؤشرًا أوليًا على إمكانية فتح صفحة جديدة من التهدئة التدريجية بين الجزائر وباريس”.

● اختيار ديكوست دليل الجدية الفرنسية

وأوضح عقابو أن اختيار آن ماري ديكوست لهذه المهمة يعكس “جدية باريس في إدارة هذا الملف الحساس”، وأضاف: “ديكوست، البالغة من العمر 65 عامًا، دبلوماسية محنكة، شغلت منصب سفيرة فرنسا في ألمانيا بين 2017 و2022، وهي أول امرأة تتولى سفارة فرنسا في برلين بعد إعادة التوحيد الألماني”.

وأشار إلى أن ديكوست ليست جديدة على الملفات الجزائرية، حيث شاركت في الدورة الثامنة للمشاورات السياسية الجزائرية الفرنسية في سبتمبر 2022، ما يجعلها على دراية بالملفات المعقدة ونقاط الخلاف الجوهرية.

● خطوات عملية

أوضح أستاذ العلوم السياسية في تصريحاته لـ”الجزائر الآن” أن زيارة ديكوست “تحمل أجندة عملية واضحة تتضمن ثلاثة محاور رئيسية”:

1 ـ استعادة العمل القنصلي: قال عقابو: “الأولوية الأولى هي إعادة اعتماد الموظفين القنصليين المعلقة ملفاتهم من الجانبين.

هذا التجميد أثر على حياة آلاف الجزائريين في فرنسا والفرنسيين في الجزائر، سواء في التأشيرات أو الوثائق المدنية”.

2 ـ التعاون الأمني وقضايا الهجرة: وأضاف: “يرافق ديكوست وفد من وزارة الداخلية الفرنسية، وهو مؤشر واضح على أن ملف الهجرة والأمن سيكونان في صلب المحادثات”.

وشدد عقابو على أن وزير الداخلية الفرنسي الجديد لوران نونيز “تبنى نهج الدبلوماسية الهادئة، بعكس سلفه برونو روتايو الذي فضّل المواجهة”.

وأشار إلى أن فرنسا عاجزة عن ترحيل المواطنين الجزائريين المطلوب إبعادهم، حيث رفض الجزائر استقبالهم، وهو ما يمثل “ورقة ضغط جزائرية مهمة”.

3 ـ تمهيد الطريق لزيارات رفيعة المستوى

وقال الخبير الجزائري: “الزيارة تهدف لوضع جدول زمني لعودة السفراء وزيارات وزارية، خاصة زيارة وزير الداخلية الفرنسي لوران نونيز المرتقبة”.

● الماضي والضغوط الحالية

أوضح عقابو أنّ العقبات تبقى جسيمة رغم مؤشرات التهدئة:

ـ الصحراء الغربية: الخط الأحمر: قال عقابو: “موقف فرنسا من الصحراء الغربية ليس قابلاً للتراجع، وهو ما يعني أن الجزائر ستبقى تعتبره خطًا أحمر. هذا الملف سيظل مصدر توتر دائم”.

ـ الذاكرة والاستعمار: وأضاف: “العلاقة مع فرنسا تحمل ثقل الماضي الاستعماري، وأي تصريح فرنسي حول هذا الملف أو محاولة تلطيف صورة الاستعمار يمكن أن يشعل الأزمة من جديد”.

ـ الضغوط الداخلية في فرنسا: وأشار إلى استمرار التيارات المناهضة للجزائر في فرنسا، مستشهدًا بتصريحات السفير الفرنسي السابق كزافيي دريانكور، الذي توقع استمرار الأزمة حتى 2027، داعيًا إلى سياسة تشدد، وهو ما يشكل ضغطًا على ماكرون.

● ألمانيا .. الوسيط غير المتوقع

قال الأستاذ عقابو إن ألمانيا لعبت دورًا حاسمًا في الوساطة، مشيرًا إلى تدخل الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير شخصيًا في الإفراج عن صنصال، وأضاف: “هذا يعكس تحولًا مهمًا، حيث أصبحت ألمانيا شريكًا استراتيجيًا للجزائر، خصوصًا في مجال الطاقة بعد الحرب الأوكرانية”.

كما أشار إلى أن استثمارات برلين الضخمة في الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر منحتها نفوذًا دبلوماسيًا أكبر من باريس.

● سيناريوهات مستقبلية محتملة

حدّد عقابو ثلاثة سيناريوهات لمسار العلاقات بعد زيارة ديكوست:

ـ التطبيع التدريجي: “إذا نجحت زيارة ديكوست في إطلاق آليات عمل مشتركة، قد نشهد عودة تدريجية للتعاون في الملفات العملية مع إبقاء الخلافات الاستراتيجية مجمدة”.

ـ استقرار هش: “الأرجح هو استقرار هش قابل للانفجار بسرعة، أي تصريح فرنسي حول الصحراء أو الذاكرة، أو أي حادثة أمنية، يمكن أن يعيد التوتر”.

ـ أزمة جديدة: “إذا فشل التطبيع في تحقيق نتائج ملموسة، خاصة في ملف الترحيلات وحرية الحركة، قد نعود إلى المربع الأول مع تصعيد جديد”.

● الكرة في ملعب باريس

مصدر الصورة

واختتم عقابو تصريحاته لـ “الجزائر الآن” قائلاً: “الكرة الآن في ملعب فرنسا، فقد تحرر ماكرون من الضغط السياسي الداخلي بخصوص صنصال، لكن عليه تقديم أكثر من مجرد تصريحات”.

وأضاف: “الجزائر تنتظر إشارات واضحة: احترام سيادتها، عدم استخدامها كورقة في السياسة الداخلية الفرنسية، ومعاملتها كشريك ند لا كمستعمرة سابقة”.

ونقل عقابو في نهاية حديثه عن المؤرخ بنجامان ستورا قوله: “الأزمة بين الجزائر وفرنسا كانت شديدة وعميقة جدًا… لا يمكننا التظاهر بأن شيئًا لم يحدث، ويجب استئناف الأمور خطوة بخطوة”.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا