آخر الأخبار

بين الانهيار والمصالحة :كيف يصبح الإمام ديكو والجزائر مفتاح الحل في مالي ؟

شارك
بواسطة بلقور محمد
مصدر الصورة
الكاتب: بلقور محمد

● بين الانهيار والمصالحة :كيف يصبح الإمام ديكو والجزائر مفتاح الحل في مالي ؟

الجزائر الآن ـ مع تصاعد العنف واتساع رقعة الاختطافات والحصار الذي تفرضه الجماعات المسلحة في شمال ووسط مالي، بدأت تبرز مساعي لوضع حد للأزمة السياسية والأمنية المتواصلة منذ خمس سنوات في هذا البلد الإفريقي الذي مزقته الإنقلاب العسكرية والمقاربات الأمنية الضيقة.

وفي هذا السياق المتوتر، أطلقت شخصيات معارضة للنظام العسكري الإنقلابي بقيادة العقيد عاصمي غويتا دعوات تطالب بعودة الإمام الداعية محمود ديكو، المقيم في الجزائر منذ نهاية 2023، لقيادة مرحلة انتقالية تعيد الاستقرار إلى مؤسسات الدولة المالية المنهكة.

مصدر الصورة

وتشير وثيقة اطلعت عليها صحيفة “الجزائر الآن” الإلكترونية إلى أنّ الجهات الداعية لعودة الإمام محمود ديكو ترى فيه شخصية جامعة ذات ثقل اجتماعي وروحي، قادرة على مخاطبة مختلف المكوّنات المالية وإعادة بناء جسور الثقة بين الأطراف المتنازعة.

وتؤكد الوثيقة أنّ البلاد تعيش حالة انسداد سياسي حاد تحت سلطة المجلس العسكري الإنقلابي، ما انعكس في تفكك مؤسسات الدولة وتآكل الثقة الشعبية وتقلّص الدعم الخارجي.

الأزمة في مالي بحسب المراقبين ، لم تعد مجرد خلاف بين قوى سياسية داخلية، بل تمثل نموذجًا لتفكك الدولة في مواجهة الجماعات المسلحة وانتشار التطرف. دخول الاتحاد الأفريقي على خط الوساطة يعكس إدراك المجتمع الدولي والإقليمي لخطورة الوضع على استقرار الساحل.

هذا التدخل ليس عسكريًا فحسب، بل يحمل أبعادًا سياسية ودبلوماسية: فهو محاولة لإعادة ترتيب المؤسسات المالية وتوجيه المسار الانتقالي نحو حلول شاملة تُعلي من قيمة الحوار الوطني والمصالحة، بعيدًا عن منطق القوة والإقصاء الذي اعتمدته السلطة العسكرية .

● مالـي بين الفوضى والمسار المؤسساتي: دور الزعامات الدينية والسياسية في قيادة المرحلة الانتقالية

مصدر الصورة

وفي هذا الساق قال الدكتور شعيب العابد، المحاضر والمتخصص في الشؤون الإفريقية ” للجزائر الآن ” ، أنه في قراءته لمضمون لائحة الاستنجاد بالداعية والإمام محمود ديكو لقيادة المرحلة الانتقالية في مالي، تُعد هذه الخطوة انعكاساً للحاجة إلى زعامات قادرة على الجمع بين الشرعية الدينية والقبول السياسي في ظل الأزمة المالية الراهنة، مشيرًا إلى أن مالي تواجه اختباراً حاسماً بين استمرار الفوضى أو العودة إلى المسار المؤسساتي.

ويرى المتابعون بأن الإمام الداعية محمود ديكو يحظى بمكانة مرموقة داخل المجتمع المالي، بوصفه أحد أبرز الوجوه الدينية القادرة على التأثير في المزاج العام وتوجيه المبادرات الوطنية.

فقد ترأس المجلس الإسلامي الأعلى ولعب دورًا محوريًا في الحراك الشعبي الذي أنهى حكم الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا سنة 2020، قبل أن تتباعد مواقفه مع السلطة العسكرية الإنقلابية لاحقًا ويُنظر إليه اليوم كصوت توافقي قادر على جمع الفرقاء السياسيين والقبليين على أرضية مشتركة.

وفي ذات الخصوص، فقد أبرز العابد بأن محمود ديكو شخصية دينية ومالية بارزة، لها تأثير سياسي واسع وقبول في الساحة المالية، إلا أن حل الأزمة في مالي لا يقتصر على الزعامات الدينية والسياسية فقط، بل يتطلب إعادة بناء المؤسسات وحماية الدولة من التفكك الداخلي والعزلة الإقليمية والدولية.

وأشار إلى أن المجلس العسكري الإنقلابي، الذي نصب نفسه سلطة أمر واقع، قد أفرغ الساحة السياسية من الوجوه المعارضة البارزة، ما يجعل العودة إلى المسار المؤسساتي أمراً ملحاً، خصوصاً في ظل تصاعد التطرف وتفاقم الأزمة الأمنية بعد الفشل الذريع للسلطة العسكرية.

● تأثير الزعامات الدينية على الاستقرار

تاريخياً، لعبت الزعامات الدينية في مالي دورًا مركزيًا في تحقيق التوازن بين الشرعية الشعبية والمبادرات السياسية.

قدرة شخصية مثل الإمام ديكو على استقطاب التوافق بين القبائل والمجتمعات المحلية تجعل من دوره ليس رمزًا دينيًا فحسب، بل أداة سياسية لإعادة بناء الدولة.

وجوده في الجزائر بحسب المتابعين يعزز دور الوسيط الإقليمي ويتيح للجهات الدولية والإقليمية طرح مسار حل شامل يقوم على المصالحة الوطنية، ويُحاكي النماذج التقليدية لإدارة الأزمات في الساحل الإفريقي.

وبحسب الوثيقة ذاتها، فإنّ مجموعة من الشخصيات المعارضة قد دعت إلى تمكين محمود ديكو من قيادة مرحلة انتقالية جديدة “تستند إلى الشرعية الأخلاقية”، باعتبارها شرطًا أساسياً لإطلاق مصالحة وطنية حقيقية تتجاوز منطق الحسم بالقوة.

وترى هذه الأطراف أن المجلس العسكري فقد القدرة على إدارة الوضع الراهن، وأن الخطاب القائم على “السيادة الوطنية” تحول إلى واجهة تخفي تزايد العزلة الدبلوماسية وفقدان الثقة الداخلية.

وتحمل الوثيقة عنوان: “الإمام محمود ديكو… الرجل القادر على إخراج مالي من المأزق”، في إشارة واضحة إلى أنّ الحل بات يتطلب شخصية تحظى بشرعية المجتمع قبل شرعية السلطة.

ولفت الدكتور العابد إلى أن هذا المسار يحتاج إلى زعامات من مختلف الأطياف، لا سيما الزعامات التقليدية التي تعرف في الثقافة الإفريقية بقدرتها على إرساء التفاهم والتعايش السلمي. مؤكداً أن المجتمعات المحلية الإفريقية استحدثت آليات فعالة لإدارة الأزمات وبناء السلام، يمكن أن تلعب دوراً محورياً في إيجاد مخرج للأزمة الحالية، مع ضرورة وجود زعامات تحافظ على علاقات ودية مع دول الجوار لدعم الاستقرار الإقليمي وتعزيز فرص الحل السياسي.

● بين الدولة الفاشلة والأمن المتدهور

مصدر الصورة

ويُجمع المختصون في قضايا الساحل الإفريقي أنّ أزمة مالي لم تعد مجرّد صراع داخلي حول السلطة أو تمرد مسلّح محدود جغرافيًا، بل أصبحت أزمة دولة تهدد وجودها ووحدة ترابها وسيادتها.

ففي ظل تمدد الجماعات المسلحة، وانهيار منظومة الحكم المحلي، وتآكل الثقة ما بين الحكومة العسكرية الإنقلابية في باماكو والشمال المالي وتجدد النزاع المسلح، باتت مالي تقف على مفترق طرق تاريخي؛ فإمّا أن تستعيد الدولة قدرتها على التنظيم والضبط والإدارة، أو تنزلق نحو نموذج “اللادولة” الذي يسهل فيه تفكك المجتمعات وتفتت الروابط الوطنية. غير أن وجود نظام عسكري إنقلابي وفاشل حسب المتابعين زاد من خطورة وضع البلد .

ويرى ذات المتابعين ، أن التدخلات الخارجية المتقاطعة وتعدد القوى الفاعلة على الأرض، بين جماعات مسلحة وميليشيات إثنية وقوى إقليمية ودولية، قد ساهم في تعقيد المشهد بدل تفكيكه، ما يجعل الحل لا يمرّ عبر تكثيف العمليات العسكرية فقط، بل عبر عودة الثقة السياسية وبناء مشروع وطني جامع يعيد دمج الشمال والوسط في جسد الدولة المالية، ويُطمئن المكوّنات الاجتماعية على حقوقها وهويتها وتنميتها الوطنية.

● الدور الجزائري كمنصة استراتيجية

و بحسب ذات المصادر ، فإن الجزائر تحتل موقعًا محوريًا لإطلاق أي مسار تفاوضي جديد في مالي. موقعها الجغرافي، تاريخها في رعاية اتفاقات السلام، وتجربتها في إدارة أزمات الساحل يجعلها الطرف الأقدر على توفير أرضية تفاوض آمنة. وجود الإمام محمود ديكو على أراضيها يمثل فرصة استثنائية لإعادة صياغة عملية سياسية شاملة، تستند إلى التوافق بين المؤسسات والمجتمع، بعيدًا عن الغلبة العسكرية والإقصاء السياسي.

من جهة أخرى، يتواصل التدهور الأمني مع تصاعد هجمات تنظيم “نصرة الإسلام والمسلمين” وجبهة تحرير أزواد وتنظيم «داعش في الصحراء الكبرى»، ما أدى إلى اتساع مساحات خارجة عن سيطرة الدولة، خصوصًا في الشمال والوسط. أصبح الجيش المالي في وضع دفاعي، يواجه أطرافًا متعددة دون قدرة على استعادة المبادرة، ما عمّق الشعور بانهيار سلطة الدولة لدى المواطنين.

وعلى الصعيد الدبلوماسي، شهدت العلاقات الجزائرية–المالية فتورًا حادًا بعد انسحاب باماكو من اتفاق السلم والمصالحة الموقع بالجزائر عام 2015، ثم تفاقمت التوترات عقب حادثة اختراق طائرة مالية للأجواء الجزائرية، وردّت الجزائر بإجراءات مقابلة، معتبرة الحادث “خطوة غير ودية”.

وسط هذه التطورات، تتجه الأنظار إلى الجزائر باعتبارها الدولة التي رعت آخر اتفاق مصالحة ناجح في مالي، وبحكم موقعها الجغرافي وصلاتها التاريخية والسياسية مع الأطراف الفاعلة، يرى أنصار المبادرة أن وجود الإمام ديكو في الجزائر يعطي فرصة لبناء مسار حوار جديد، ينطلق من أرض محايدة لكنها غير بعيدة عن الواقع المالي، ما يمنح الجزائر دورًا استراتيجيًا فاعلًا ومؤثرًا في إعادة صياغة الحل الأمثل لدولة مالي.

مصدر الصورة

● بناء المرحلة الانتقالية

نجاح أي مسار جديد لحل الأزمة في مالي يرتبط بعدة عوامل رئيسية، أبرزها استعداد المجلس العسكري الانقلابي في باماكو لتقاسم السلطة مع الشمال المالي والعودة إلى مسار انتقالي حقيقي قائم على شرعية المؤسسات المنبثقة عن إرادة الشعب المالي، إلى جانب قبول الحركات السياسية والقبلية بحوار شامل وغير إقصائي، وتوفير دعم إقليمي فعال، لا سيما من الجزائر والاتحاد الأفريقي، لضمان تنفيذ أي عملية تسوية سياسية تؤدي إلى انتقال ديمقراطي بناء وتوافق شامل بين كافة مكونات المجتمع المالي.

وجود الإمام محمود ديكو على الأراضي الجزائرية فرصة استراتيجية للجزائر لتعزيز دورها الإقليمي وإطلاق مسار حوار جديد داخل مالي. شخصية ديكو الدينية والمالية، ذات التأثير السياسي والقبول الشعبي، تشكل نقطة التقاء وطنية تعيد رسم العلاقة بين الدولة والمجتمع، وتمهد لحل توافقي يقوم على مبدأ المصالحة وبناء مؤسسات شرعية ودائمة، بعيداً عن منطق الغلبة والإقصاء.

وتشير التجارب التاريخية والممارسات المحلية إلى أن المجتمعات الإفريقية طورت آليات فعالة لإدارة الأزمات وبناء السلام، ما يجعل إشراك الزعامات التقليدية أمراً محورياً لضمان التفاهم والتعايش السلمي داخل مالي.

ويؤكد المختصون أن الدور الجزائري يتجاوز الوساطة التقليدية، ليشمل دعم المسار المؤسساتي داخل مالي، وتعزيز الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة، وضمان احترام الشرعية الوطنية، ما يجعل الجزائر الضامن الأمثل لأي حوار شامل وناجع. وفي هذا الإطار، يمثل الإمام ديكو رمزاً للتوافق الوطني، وقادراً على قيادة المرحلة الانتقالية نحو حل توافقي يرتكز على المصالحة وبناء مؤسسات شرعية ودائمة.

ويخلص المتابعون إلى أن الخروج من الأزمة ليس مسألة زمنية فحسب، بل مسألة خيارات: بين الإقصاء والشراكة، بين عسكرة السياسة وسياسة السلم، وبين التمسك بالماضي وامتلاك الشجاعة لبناء مستقبل جديد. وفي هذا الإطار، تؤكد الخبرة الجزائرية ودورها المحوري أن القيادة الرشيدة، والاتفاق الجامع، والإرادة الوطنية الصادقة هي عناصر أساسية لوضع مالي على مسار الدولة المستقرة، بعيداً عن الفوضى والانقسام.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا